
هل تشعرين بأن ابنتك المراهقة كل يوم في رأي؟ أحياناً تشعرين بأنها فتاة ناضجة عاقلة، تستطيعين الاعتماد عليها، وفي أحيان أخرى كأنها طفلة صغيرة، غاضبة، ومشاكسة، ومتمرّدة على كل شيء. لا تقلقي إنها التقلّبات المزاجية، أهم سِمة من سِمات المراهقة.
معاناة يومية تعيشها أمّهات المراهقين والمراهقات بسبب التقلبات المزاجية الصاخبة للمراهقين، ومحاولات فرض الرأي، والمعارضة المستمرة، والانعزال... وغيرها الكثير.
هذه المعاناة اليومية لا تخصّ الأب والأم فقط، ولكن المراهقين أيضاً يعانونها، فلا أحد فيهم يستمتع بالتقلبات المزاجية، وغالباً ما تلاحقهم صفات وتُهم تضايقهم وتزعجهم، لأنهم يوصفون بأنهم متقلّبون، غاضبون، عاطفيون، متهوّرون، مندفعون، أنانيّون، متسرّعون، وأغبياء، من بين كلمات أخرى، وعليك أنتِ، كأم، أن تتساءلي: كيف يستطيعون الحياة بهذه الخصائص والسلوكات؟
فهل حقاً عقول المراهقين (أصلب من الحجر)؟ وهل بالفعل، كل أفعالنا التي تصب في محاولة تغيير ما يحدث عبر سلسلة النصائح، وجلسات الحوار، والصمت، والتوبيخ، و«التطنيش»، ما هي إلا محض خدعة نقنع بها أنفسنا، لنشعر بأننا نقود المركب؟
ولأن أغلبنا يجد صعوبة في فهم مزاج المراهقين، وبالتالي نجد أيضاً صعوبة في التعامل معهم، طرحت «كل الأسرة» العديد من التساؤلات حول أسباب التقلبات المزاجية للمراهقين، وكيفية التعامل معهم، على خبراء الصحة النفسية وتعديل السلوك، وسألتهم: كيف نستطيع أن نتعامل مع تقلبات فترة المراهقة، والتخلص من إزعاج هذه المرحلة الحرجة من دون خسائر؟

أسباب التقلبات المزاجية للمراهقين؟ وكيف تحدث؟
في البداية، يؤكد الدكتور إيهاب ماجد، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري والتربوي بالقاهرة، أن المراهقة مرحلة معقدة من العمر يُعتبر فيها الأبناء في طور التكوين، حيث يبحث المراهقون عن هويتهم، ويحاولون اكتشاف مكانتهم في العالم. إنها فترة من التقلبات المزاجية، والانفعالات العاطفية، حيث يمكن أن يتحول المراهقون، بين لحظة وأخرى، من الفرح إلى الحزن، ومن الثقة إلى الخوف.
ويقول: «تبدأ التغيّرات الهرمونية عادة بين عمر الـ 10 أعوام إلى 14 عاماً في الإناث، ومن 12 عاماً إلى 16 عاماً في الذكور، وبسببها يحدث للمراهق اضطراب في المشاعر، ويشعر بالتشوّش، وعدم الراحة وهذا يفسر لماذا يتصرف بطريقة غير عقلانية، خصوصاً مع الوالدين، وأفراد العائلة. ويكون الابن فيها تارة يشعر بالابتهاج غير الطبيعي الذي يصعب معه التركيز على مهامه اليومية، وتارة أخرى يشعر بالحزن الشديد وهبوط الهمّة، وربما تراود البعض أفكار سوداء. وعندما يصاب المراهق بالاكتئاب فيشعر طوال الوقت بالحزن الشديد ويميل إلى العزلة، ويفقد الرغبة، أو الحماس لأي نوع من الأنشطة».
ويحدّد الدكتور إيهاب ماجد أهم الأسباب التي تؤدي إلى زيادة حدّة التقلبات المزاجية في مرحلة المراهقة في نقاط عدّة، من أهمها:
1-في الماضي، اعتقد الكثيرون أن المراهقين مزاجيين نتيجة زيادة مستويات الهرمونات، وعدم نضج أدمغة المراهقين. وبدا لهم الأمر كما لو أن المراهقة هي فترة قصور في الدماغ، وعدم فعاليته. لكن في الحقيقة، ليست الهرمونات مسؤولة عن تقلبات مزاج المراهقين بالكامل، بل كيفية التعامل مع اختلال مستويات الهرمونات خلال هذه الفترة الخطرة.
2- البحث عن الهوية: يبدأ المراهقون بالبحث عن هويتهم الخاصة ما يؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر بسبب التغييرات التي تحدث لهم.
3-التغييرات الجسدية والنمو السريع: حيث يبدأ المراهقون بالنمو بشكل سريع، بخاصة في الطول والوزن. ويتعرضون أيضاً للتغييرات الجنسية، حيث تبدأ الهرمونات بالتغير ما يؤدي إلى ظهور الخصائص الجنسية الثانوية، عند الإناث والذكور، وحدوث تغيرات في الصوت، حيث يصبح صوت المراهقين أعمق، حسب جنسه.
4-الضغط الأكاديمي الشديد: حيث يعيش المراهق في عالم يعتمد على السرعة والمنافسة، ويضعه في ضغط مستمر بشأن تحصيله الدراسي، أو حتى نجاحه في هوايته أو رياضته المفضلة، فيشعر بأنه فاقد للسيطرة في هذا العالم المتسارع.
5- قلة النوم والراحة: يتعرض المراهق لضغوط شديدة تجعل من الضروري له أن يحصل على قسطٍ كافٍ من الراحة. فعدم الحصول على الراحة، أو النوم لفترة كافية تتراوح ما بين 8 ساعات، إلى 9 ساعات، يساعد على زيادة التقلبات المزاجية لدى المراهق.
6-التعلق الشديد بالأصدقاء: يصبح الأصدقاء أكثر أهمية بالنسبة إلى المراهقين، ويبرز ذلك في الكثير من الأمور، مثل عادات الأكل، وأنماط النوم، والمظهر الجسدي، أو التنسيق، أو الأداء المدرسي، كل ذلك يؤدي إلى التقلبات المزاجية.
7-الرغبة في الاستقلال: يبدأ المراهقون بالرغبة في الاستقلال عن عائلاتهم.
8- التطور في العلاقات مع العائلة: قد تصبح العلاقات مع العائلة أكثر صعوبة في هذه المرحلة.

علامات تهدّد بتقلبات مزاجية خطرة عند أبنائكم!
وتتفق معه الدكتورة رشا الجندي، استشارية الصحة النفسية للمراهقين بالقاهرة، في أن سِن المراهقة تُعد فترة صعبة من التقلبات المزاجية، والصحية، والنفسية، ويكون للمراهقين فيها احتياجات كثيرة، نفسية، وجسدية، وعقلية، وانفعالية، بخاصة لدى الإناث.
وترى أن «فترة المراهقة تتميز بالتقلبات العاطفية معظم الوقت، نظراً للتغيّرات الهرمونية، حيث تبدو الحياة غامرة بالعواطف في نظر المراهق، ولأنه لا يتمتع بالخبرات الكافية لمواجهة الحياة، فسينتهي به الأمر أحياناً إلى الشعور بالضياع. ومع عدم التوجيه، قد يزداد الأمر خطورة، بخاصة مع انشغال الوالدين بالعمل، أو مع انفصال الوالدين. لذلك يجب على الوالدين الانتباه لأولادهما في فترة المراهقة للتأكد من صحة المراهق النفسية».
وتحذر الاستشارية النفسية د. رشا الجندي من بعض العلامات الخطرة في حالة حدوثها للمراهقين والمراهقات، والتي تحدث غالباً بسبب التقلبات المزاجية الصاخبة التي يتعرضون لها في تلك المرحلة، والتي يجب الانتباه لها، إذا ما ظهر أحدها على الأبناء، فقد يكون هذا دليلاً على بداية اضطراب نفسي قد يصيب المراهق.
1- تقلبات المزاج الحادة: فقد يبدو تقلب الحالة المزاجية عرضاً طبيعياً لأي مراهق، ولكن وحدها الأم ستكون قادرة على تمييز التقلبات المزاجية الحادة، والتي ستكون مؤشراً لاختلال الصحة النفسية للمراهق.
2- التغيّر السلوكي: حيث يتغير سلوك الأطفال عند الدخول في فترة المراهقة بالفعل، ولكننا هنا نتحدث عن التغيير السلوكي الذي يصل إلى شك الأم في أنها تتعامل مع شخص آخر، وليس طفلها.
3- التأخر الدراسي وفقدان العلاقات مع الأصدقاء: المرض النفسي يؤدي إلى التأخر الدراسي نتيجة فقد التركيز، كما قد يظهر تأثير المرض النفسي على المراهق في صورة ضعف العلاقة بينه وبين أصدقائه، وابتعاده عنهم.
4- الأعراض الجسمانية: حيث تظهر أعراض المرض النفسي للمراهقين في صورة أعراض جسمانية، منها الضعف العام، وتغيّر عادات الأكل والنوم، وحدوث آلام متكررة في المعدة، والرأس، والظهر، وهناك أيضاً قلة النظافة العامة، وعدم الاهتمام بالمظهر، أو تصفيف الشعر.
5- الإفراط في تحسين الحالة المزاجية: وحده الإحساس ببذل مجهود لتحسين الحالة المزاجية قد يشير إلى المرض النفسي للمراهق، وقد يظهر ذلك في الاتجاه إلى التدخين، أو المخدرات، أو الكحول.

خطوات تساعد ابنتك المراهقة على التعامل مع التقلبات العاطفية
من جهته، يرى الدكتور محمد الوصيفي، استشاري وأستاذ الطب النفسي والإدمان وأمراض النوم لدى الأطفال والمراهقين بكلية الطب جامعة المنصورة، أنه يمكن أن تسهم ردود الأهل المتحمسة تجاه الحالة المزاجية للمراهقين في تقلّب المزاج، لأن التهديدات المحتملة يمكن أن تؤثر أيضاً في قدرة المراهق على ضبط النفس، حيث تُعد القدرة على الشعور بالخطر أمراً حاسماً لبقاء الإنسان. ولكن، عندما يكون مركز التحكم في دماغ المراهق مرتبكاً فمن المرجّح أن يبالغ المراهقون في ردّ فعلهم، حتى مع مؤشرات التهديد الخفيفة.
ويضيف «يمكن لأي والد لديه مراهق أن يشهد أن تعبيرات الوجه البسيطة، أو المظهر السلبي، أو حتى النظرة المقلقة يمكن أن تؤدي إلى سلوك مزاجي في سِن المراهقة. لذلك، فإن استيعابنا، كأسرة، للمراهق في هذه المرحلة وتحسين مهاراتنا معه يقلل من تقلباته، وبالتالي يسهم في تحقيقه بعض الإنجازات».
أما في ما يخص أهم الخطوات والأمور التي يجب مراعاتها لمساعدة الابن المراهق على اجتياز هذه الفترة الانتقالية بأمان وسعادة أكبر، فيحدّدها الدكتور محمد الوصيفي في نقاط عدّة:
- تفهّمي ما تعانيه ابنتك: ابنتك التي دخلت للتوّ في مرحلة المراهقة وأنت ترين أن التعامل معها أصبح صعباً ومرهقاً، تحتاج منك إلى تعاطف كبير جداً. وبدلاً من اللوم المستمر الذي توجهينه لها على التغيير، والتساؤلات المتواصلة، مثل كيف أصبحت عنيدة لهذه الدرجة؟ ولماذا لم تعودي مطيعة كما كنت؟ امنحي نفسك فرصة تفهمها عن قرب وتعاطف مع كمية التغييرات التي تكون مضطرة للمرور بها في هذه الفترة.
- لا تأخذي الأمر على محمل شخصي: تقلبات مزاجها يمكن أن تكون شديدة ومزعجة لكم، كآباء وأمهات، لكن الهدف من هذه التغييرات ليس مهاجمتك، أو التحدّي، لذا خذي نفساً عميقاً، وحاولي ألا تأخذي تقلبات مزاج ابنتك المراهقة على محمل شخصي، فقد يكون الأمر صعباً، لكن هذه المرحلة ستمضي.
- لا تنتقديها في كل كبيرة وصغيرة: من الخطأ انتقاد أخطائها، وتذكرينها بها في كل مرة ترتكب فيها خطأ. بل أكدي الإيجابيات في شخصيتها حتى تكتسب ثقة بنفسها، وامنحيها فرصة لتعبّر عن نفسها ومشاعرها، وخذي برأيها في بعض الأمور كي تشعر بأنها شخص له قيمة.
- كوني صديقاً لابنتك: تعاملي معها كصديقة مفضلة عندك، حتى لو أخطأت سامحيها، وانصحيها بحب، ولا تستهزئي بأفكارها، ولا بآرائها، بل احترمي شخصيتها.
- حتى لو لم تعجبك تصرفات ابنتك المراهقة، حافظي على هدوئك، ولا تفقدي أعصابك قدر الإمكان.. كوني القوة الأكثر موثوقية لتهدئة العاصفة، مع الحفاظ على حدود واضحة لسلوك المراهقين.
- راعي التقلبات المزاجية في شخصيتها، لأنها تقلبات طبيعية، ومن سِمات المرحلة. ولا تنسي أبداً أن العواطف مُعدية. فإذا كنت ترين بالفعل أن غضبها يمكن أن يثير غضبك، ابقي هادئة، ولا تدعي غضبك يتفاعل معها، ويصعّد مشاعر الجميع. قد لا يبدو الحفاظ على هدوئك بمثابة «حل» لمشكلتك، ولكنه حقاً يمكن أن يخفف الموقف، بدلاً من تصعيده.
- العدل في المعاملة بينها وبين إخوتها.. وكوني قدوة حسنة لها في تعاملاتك معها، ومع الآخرين.
- يميل المراهقون الذين لديهم آباء داعمون عاطفياً، إلى أن يكونوا أكثر تكيفاً بشكل جيد، أما أولئك الذين يعاقب آباؤهم ردودهم العاطفية، أو يرفضونها، فهم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات سلوكية، ونوبات، أو أعراض اكتئابية، لذلك أحبّي ابنتك كما هي، ولا تحاولي أن تقارنيها بالآخرين. لا يوجد شخص كامل. وأظهري لها حبك باستمرار.
- يمكن أن يؤثر الحرمان المستمر من النوم في الحالة المزاجية للمراهق، وأدائه الأكاديمي، ساعديها على الحصول على قسط كاف من النوم، وتكوين عادات صحية، مثل تجنب الأجهزة الإلكترونية قبل النوم (يكون هذا سهلاً في مرحلة الطفولة وتكوين الروتين).
وفي النهاية، يؤكد الخبراء والمتخصصون في علاج نفسية الأطفال والمراهقين وتعديل سلوكهم، أن تعامل الوالدين مع مشاعر المراهقين يكون له تأثير عميق في سلوك المراهق، والرفاهية العاطفية. ويرون أن الاضطرار إلى التعامل مع هذا المزاج السيئ أمر مزعج، لكنه قد يكون أسوأ بالنسبة إلى ابنك المراهق. تخيّل أنك غاضب من أدق الأشياء، وعدم القدرة على التحكم في مزاجك.
ويشدد المتخصصون على أهمية الاستماع الجيد للمراهق، كخطوة هامة أخرى يمكننا اتخاذها لمساعدتهم على تعلّم تنظيم مشاعرهم، فلا يوجد شيء أكثر خطورة من التوبيخ، والتجاهل، وعدم الاستماع إليهم. فغالباً ما يشعر المراهقون بالرفض، وعدم الاحترام عندما يحاضرهم الآباء فقط بدلاً من الاستماع إليهم، لذا استمعوا إلى ما يقولونه، وحاولوا أن تروا الأشياء من وجهة نظرهم.
اقرأ أيضاً:
- لهذه الأسباب.. مراهقون يرفضون أهاليهم ويتمردون على واقعهم
- كيف يبني الأهل علاقة سليمة مع أولادهم المراهقين؟