
الطفل الفضولي، طفل كثير التساؤلات، يحب التفاصيل، ويبحث عن إجابات حول الأسئلة التي تدور في ذهنه عن كل شيء.. هو طفل ذكي.. شغوف.. قد يرهقنا بكثرة الأسئلة، ويضعنا في مواقف مربكة، أحياناً.
الطفل الفضولي هو هِبة من الله، فهو لا يسأل عبثاً، بل لأن في داخله روحاً نابضة، تبحث عن الحقيقة والمعرفة. خبراء الطب النفسي يؤكدون أن فضول الطفل هو الدليل الأول على ذكائه، ونضجه العقلي، وتوقه للفهم والتعلم. لكنهم يرون أن التعامل مع هذه النعمة يتطلب وعياً، وصبرا، وتوجهاً تربوياً دينياً، يراعي عقل الطفل وروحه، في آن واحد.
لماذا يسأل الطفل كثيراً؟ كيف تتعاملين مع الطفل الفضولي؟ وماذا عن الأسئلة الدينية والوجودية؟ وما هي أبرز الأخطاء التي يرتكبها الأهل في التعامل مع فضول الأطفال؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها طرحتها «كل الأسرة» على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الأسرية من خلال التحقيق التالي:

لماذا يسأل الطفل كثيراً؟
بداية، تؤكد الدكتورة ماجدة المنشاوي، الاستشارية النفسية والأسرية في مصر، أن الطفل الفضولي هو أهم العلامات على النمو الصحي والطبيعي، وتعتبر الفضولية واحدة من محركات التعلم الرئيسية في الطفولة، وتقول: «الأطفال الفضوليين يتمتعون برغبة قوية في اكتشاف العالم من حولهم، وفهم كيف تسير الأمور، ودائماً ما أقول للأهل أن أذكى الأطفال هو الطفل الفضولي الذي يطرح أسئلة كثيرة، ويبحث عن إجابة».
وتضيف: «الجدير بالذكر هنا أن جميع الأطفال يتمتعون بدقة ملاحظة شديدة، وكل ما حولهم هو موضوع للملاحظة وللاستفسار. وفي إطار دقة الملاحظة هذه، قد يشاهد الطفل بعض تصرفات والديه مع بعضهما بعضاً في إطار علاقتهما الطبيعية، من دون أن يشعرا بذلك، وهو لا يفهم هذه التصرفات، وبالتالي لابد له أن يسأل عنها. ونحن بدورنا يجب أن نجيب عن كل أسئلته، ولكن بقدر معقول من المعلومات التي يستوعبها عقله الصغير، بخاصة أن النت سيجيب عن كل تساؤلات أولادنا، ويفسر لهم الكثير من الأمور، وهنا ستكون المشكلة».
وتشير د. ماجدة المنشاوي، المتخصصة في نفسية الأطفال، إلى أنه دائماً ما يحاول الطفل الفضولي أن يعرف كل شيء، سواء ما يعنيه، أو لا يعنيه، من مشكلات الآخرين، وأمورهم، وظروفهم، والكثير من التصرفات الأخرى التي تدخل كلها ضمن إطار مفهوم الفضولية، ويتحدّد مستوى فضولية الشخص، أو الطفل، كلما أظهر قدراً أكبر من هذه السلوكات.
وتوضح الدكتورة ماجدة المنشاوي أهم الأسباب التي تجعل من الطفل فضولياً وكثير الأسئلة، في نقاط عدة:
1. لأنه يتعلم من خلال السؤال، فالطفل لا يعرف ما نعرفه، وعقله كالإسفنجة يريد أن يمتص كل شيء من حوله.
2. لأنه يريد الاهتمام، فأحياناً يكثر الطفل من الأسئلة لأنه يشعر بأنك منشغل عنه، فيجد في الأسئلة وسيلة للجذب والتواصل معك.
3. إنه يختبر حدود العالم، من هو الله؟ من أين أتيت؟ لماذا نموت؟ كيف تطير الطائرة؟ كلّها أسئلة تحاول أن ترسم له صورة واضحة عن العالم.
4. الأطفال حتى عمر 10 سنوات تكون أسئلتهم فضولية، ولا يعرفون عيباً في طرح أيّ سؤال، وهو أمر يحتاج من الآباء والأمهات إلى التعامل مع هذه الأسئلة، ولو كانت محرجة، بكل صدق وأمانة، وتقديم الإجابات المنطقية، مع تشجيعهم بدلاً من تعنيفهم عند طرح مثل هذه الأسئلة.
5. طرح الطفل للأسئلة هو دليل على بلوغه مرحلة من أهم مراحل تطوره النفسي، وهي المرحلة التي يبدأ فيها باكتساب قدرة التعبير عمّا يعتبره مفارقات، وإدراك المفارقة هو مرحلة هامّة من مراحل تكوّن ملَكة التفكير، وتطورها. وعليه، فإن طرح الطفل للأسئلة هو محاولة جادة من قبله لفهم العالم من حوله، وتكوين مواقف منه.

أخطاء يجب تجنبها عند التعامل مع أسئلة الأطفال المحرجة
ويتفق معها الدكتور عبد المحسن ديغم، استشاري العلاج النفسي وتعديل السلوك والخبير الأسري، في أن التعامل مع الطفل الفضولي يتطلب التوازن بين توجيهه ومنحه الحرية ليكتشف العالم من حوله، ويبيّن «أن تمتلك طفلاً فضولياً أفضل بكثير من الطفل غير الفضولي، لأن الطفل الفضولي لديه حب للمعرفة، وتعلم المزيد، وهذا دليل على ذكائه، ولكن يجب أن تتعامل معه بالطريقة الصحيحة، لأن التعامل الخاطئ يؤدي إلى نتائج سلبية».
ويحدد الدكتور عبد المحسن ديغم أبرز الأخطاء التي يرتكبها الأهل في التعامل مع الأبناء الفضوليين، منها:
أولاً: التعامل بعصبية مع الأبناء بشكل عام، بخاصة في الرد على أسئلتهم الفضولية، لذلك من الأفضل دائماً الانسحاب في لحظات العصبية، وتأجيل النقاش في وقت لاحق، أفضل من الرد على أولادنا بأسلوب مقتضب وعصبي، لأنهم لا يدركون مدى الضغوط التي نتعرض لها، كما أنهم لا يميزون الوقت المناسب لطرح أسئلتهم، لذلك إما أن نردّ عليهم بلطف، وإما نرجئ الحوار.
ثانياً: أن نترك الأطفال أمام المسلسلات والإنترنت واليوتيوب من دون رقابة، لانشغالنا عنهم بأمور أخرى تخص العمل أو البيت، فوسائل ألأعلام تبث لعيون أولادنا أشياء كثيرة غير مقبولة، من بينها الحوارات «الإباحية» بين البنات والأولاد في مرحلة البلوغ.. ومهما اهتممنا بتربيتهم، وراقبنا تصرفاتهم فمغريات المعرفة كثيرة، ولابد أن نحصّنهم نحن بقدر آخر من المعرفة يتناسب مع أعمارهم، حتى لا نتركهم فريسة لهذه المغريات.
ثالثا: الإفراط في التوجيه يعتبر خطأ كبيراً في حق الطفل، لذا يجب علينا السماح للطفل باستكشاف العالم بطريقته الخاصة، من دون تدخل مفرط.
رابعاً: أحياناً يكون لدى الطفل العديد من الأسئلة المحرجة التي قد يعجز الوالدان عن توضيحها، والإجابة عنها، مثل: «كيف ولدت؟ ولماذا ليس لديّ ثدي مثلك يا أمي؟»، وغيرهما، وفي الأغلب يتفادى الوالدان الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، أو اختلاق قصص وهمية للإجابة عنها، وهذا سيجعل الطفل يسأل أسئلة أخرى، وهكذا.
خامساً: التلاعب بالإجابة وعدم قول الحقيقة يضر الطفل كثيراً، فلماذا لا نقدم له الحقيقة بطريقة مبسطة وسهلة الفهم بالنسبة إلى عمره؟
سادساً: تعنيف الطفل عند استفساره عن شيء محرج، وعدم تشجيعه على السؤال عن أيّ شيء يدور في ذهنه، حتى لا يبحث عن الإجابة بنفسه.

نصائح للتعامل المثالي مع فضول الأطفال وأسئلتهم المتلاحقة
من جانبها، تقدم الاستشارية الأسرية الدكتورة ولاء شبانة، استشارية الطب النفسي والخبيرة في العلاج الأسري وتعديل السلوك، بعض النصائح والإرشادات للأهل حول كيفية التعامل مع الطفل الفضولي، وترى أن أهم نقطة في التعامل معه هي استقبال الأسئلة برحابة صدر قدر المستطاع، ولا نظهر له التذمر، لأنه إذا شعر بأن أسئلته عبء سيؤدي هذا الأمر لاحقاً إلى كتمان مشاعره وأسئلته الحقيقية.
ومن أهم النصائح التي تقدمها لنا:
- استقبال تساؤلات الطفل باهتمام، وكذلك الإصغاء جيداً للطفل حين يسأل، والحذر من إهماله وتجاهل تساؤلاته مهما كانت، لأنها تعيد إلى الطفل توازنه النفسي، وتنمّي الثقة بالنفس.
- على الأسرة جميعاً، أن تكون على استعداد تام للإجابة عن الكثير من الأسئلة الفضولية للأطفال، وعدم تركها للصدف، كي لا يكتسب الطفل إجابات مغلوطة أو غير دقيقة. لكن كل سؤال وإجابته يعتمدان على التطور الذهني، والمرحلة العمرية التي يمرّ بها الطفل.
- علينا أن ننتقي بعض الفيديوهات المناسبة، وكذلك الكتب التربوية الإرشادية، ونقرأها مع أطفالنا لنوصل إليهم الأمور بالشكل السليم، ونؤكد لهم أننا نقدم لهم المطلوب، فلا يبحثون عنه عند شخص آخر، أو مصدر معرفي آخر.
- تخصيص وقت للأسئلة، فيمكن أن تقول له: اكتب، أو احفظ أسئلتك، ونناقشها كل ليلة قبل النوم، وبهذا تعطيه الإحساس بالأهمية.
- في حالة أنك لا تعلم الإجابة يجب عليك أن تقول له ببساطة لا أعلم، لأن الطفل يتعلم من صدقك. قل له: سؤال جميل دعنا نبحث عنه معاً، وهنا تعلمه قيمة التواضع العلمي والبحث.
- أن نعلّم الطفل طرح الأسئلة المهذبة والمناسبة، فأحياناً يسأل الطفل أسئلة محرجة أمام الآخرين. لذا درّبيه على أن يهمس لك إن أراد سؤالاً خاصاً، أو أن يسأل في الوقت المناسب
- علينا أن نحترم خصوصيات أطفالنا، وعالمهم الخاص الذي يحرجهم تدخل الآخرين فيه، وبهذه الوسيلة سيتعلم، هو بدوره، أن يحترم خصوصيات الآخرين ولا يتدخل في شؤونهم، فكما يرغب في احترام الآخرين لشؤونه، يجب عليه أن يحترم شؤون الآخرين.
- فتح مجال للحوارات الخاصة مع الأبناء منذ عامهم الأول، واختيار اللغة المناسبة والأمثلة التي نتعامل بها مع كل سن، لأن ذلك هو الذي سيجعلهم أصدقاء لنا في مرحلة البلوغ. كما ينبغي لنا أن نعلّم الولد، أو البنت، الاختلافات الجسدية التي تطرأ عليهما، وسببها، وأن نبسط لهما مسألة الزواج حسب العمر الذي تراودهما فيه الأسئلة حول هذا الأمر، ففي سن السابعة، وما دونها، نوضح لهم أن الأم تجري جراحة بسيطة في بطنها تخرج بها الجنين، بينما في سن العاشرة، أو أكبر، نوضح لهم تفاصيل أكبر إذا استدعى الأمر.
- أعطي طفلك إجابة منطقية ومقنعة له حتى لا يسأل شخصاً أخر غريباً، إن لم يقتنع. وضعي في الحسبان أن إجاباتك عن أسئلة طفلك هي مفاهيم أساسية تنمو معه، لذا أعطيه إجابة صحيحة منطقية مناسبة لعمره.
اقرأ أيضاً: طرق علمية للإجابة عن أسئلة أطفالنا الجنسية