لا يمكن الخوض في موضوع التربية الجنسية للأبناء عشوائياً، إذ يتسم هذا المحور بالكثير من الحساسية، في ظل غياب ثقافة توائم الجانب العلمي والمعرفي بالجانب الديني الاجتماعي.
ومع اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي ليومياتنا وما تعمر به وسائل الإعلام من مضامين مخيفة، يجمع بعض الخبراء التربويين على كسر حاجز الخوف والتفكير خارج الصندوق عبر خوض الحديث في التربية الجنسية
الآمنة للأطفال في سياق رفد التوعية وإيجاد طرق علمية لإجابة أطفالنا عن أسئلتهم الجنسية وعدم إهمالها لكي لا يبحثوا عن وسائل بديلة تقودهم إلى سلوكيات أو انحرافات غير محمودة العواقب.
الإجابة بهدوء ودون إحراج
تزاوج منى شمشوم سابا، أم لطفلين نقولا وندي وحاصلة على ماجستير في العلوم الطبية والتربية والتعليم، مفهوم التربية الجنسية الخاصة بالأطفال بين كونه تعليماً للطفل وقبلها للأهل حول آليات تمرير المعلومات بما يتناسب مع أعمارهم، «بعد حضور ورشات في هذا المجال، بت أمرر لطفلي نقولا (سنتين و9 شهور) إجابات لأسئلته عن الأعضاء الجنسية والفرق بين الذكر والأنثى بهدوء وبشكل طبيعي كإجابتي عن أي سؤال آخر دون شعور بالخجل أو الإحراج ولا أردد كلمتي «ممنوع أو عيب» لأكون المصدر الموثوق له ولا يسعى إلى إجابات مغلوطة من الآخرين».
ترصد وعياً تجاه تلك الإشكالية «نظمت، عبر صفحتي على «انستغرام»، ورشة مع مرشدة تربية جنسانية حول التربية الجنسية للأطفال من عمر الولادة حتى 9 سنوات بمشاركة أمهات وعدد من الآباء. تلك الورش تستهدف رفع وعي الأهل بهذا الأمر لكون المعرفة قوة ومعرفة الأهل تحديداً قادرة على رفد التغيير المجتمعي يوماً بعد آخر».
إعطاء الإجابات في قالب علمي
تقول المدربة والمستشارة التربوية همسة يونس «من الواجب إعطاء إجابات واضحة ومبسطة في قالب علمي دون الدخول في تفاصيل، ونكون هادئين واثقين من إجاباتنا لأن توترنا وشعورنا بالحرج يولد عند الأبناء حالة توتر وفضول ويتركز همهم على معرفة سبب التوتر والضغط بالأسئلة».
وتضيف «يسعى المراهق إلى البحث بنفسه عن إجابات لأسئلته، في حين أن الحوار الفاعل بين الأهل والأبناء يساعد المراهق على الخوض في الأمور الجنسية مع الأم أو الأب ويفضل أن يكون الحوار مع كل واحد حسب جنسه (الأب مع الابن والأم مع الفتاة) منعاً للحرج وحفاظاً على الخصوصية».
وتؤكد يونس «من المهم أن نفتح مع المراهق حواراً علمياً عقلانياً بالدرجة الأولى لينتقل إلى الدين وتزويده بجرعات مناسبة لعمره وتعزيز معرفته في إطار من الدين والعلم والعادات والتقاليد ولحماية المراهق، يجب أن ندربه ونحفزه على استثمار طاقاته و تفريغ هذه الطاقة بشكل سليم وإيجابي، ما يجنبه الوقوع في انحرافات أو أذية نفسه بأي سلوكيات جنسية سلبية».
من هنا، تدعو يونس إلى مرتكزات في التعامل مع هذا الأمر عبر:
يجب أن نعمل على توعية وتثقيف الطفل جنسياً بالتدرج حسب العمر
تثقيف الطفل جنسياً
تدرج ملك عثمان، ماجستير بالصحة النفسية للأطفال ومرشدة بالتربية الجنسية للفرد والأسرة، التربية الجنسية كجزء من التربية العامة «كما نعلم ونوعي ونثقف الأطفال بكل جوانب الحياة، يجب أن نعمل على توعية وتثقيف الطفل جنسياً بالتدرج حسب العمر، حيث لا يتم تغيير حفاض الطفل إلا في مكان مغلق بعيد عن الأشخاص، لتوعيته بخصوصية المناطق الجنسية في جسدنا، وبعد عمر السنة ونصف السنة نبدأ بتعريفه إلى أعضاء الجسم وتسميتها بأسمائها بما فيها الأعضاء الجنسية مع التشديد على خصوصيتها».
وتشرح «نبدأ باستغلال أسئلة الأطفال لإعطائهم المعلومات الصحيحة والتحدث عن المواضيع الجنسية، بما يتناسب مع عمرهم العقلي، وخلال السنوات الثلاث الأولى يكون السؤال عن الاختلافات بين الأعضاء الجنسية عند الذكر والأنثى، وفي عمر الخمس سنوات، نتوقع من الطفل سؤال: من أين يأتي الطفل؟ وكيف يخرجونه من بطن الأم؟ بعد ذلك: كيف دخلت على بطنك؟ وكيف تم الحمل، ولمَ فقط المتزوجون من يحملون؟..».
وتردف «ما زال هناك حاجز وصعوبة في التعامل مع المواضيع الجنسية، لعدة أسباب أهمها أن الجنس مرتبط لدينا بتصور سلبي كالعيب والحرام إلى خوفنا من تعمق أطفالنا وطرحهم أسئلة لا نستطيع الإجابة عنها أو كما يشاع «تفتيح عيون أطفالنا» على عالم نعتقد أنه بعيد عنهم».
وتلفت إلى قول أحد المختصين بالمجال «ما يجب علينا إدراكه كأهالي في هذا العصر هو أننا لا نستطيع أن نقرر تعرض أو عدم تعرض أطفالنا للتربية الجنسية، إنما باستطاعتنا القرار أن نكون شركاء في هذه التربية أم لا عن طريق تغيير نظرة التربويين والمديرين والأهالي نحو التربية الجنسية من كونها موضوعاً مغلقاً وسرياً لتكون موضوعاً أساسياً يساهم في حماية الأطفال من العنف الجنسي في المجتمع عبر توعية وتثقيف الأهل ليكونوا شركاء حقيقيين وأساسيين وتمكين العاملين في سلك التعليم بأدوات وأساليب لتمرير المعلومات الجنسية حسب العمر بطريقة واضحة وسلسة ومهنية».
دور أولياء الأمور
تؤكد ميساء الشحادات، استشارية أسرية ونفسية، «أول ما ينصح به الآباء هو الثبات الانفعالي والهدوء في استقبال هذه الأسئلة وعدم التهرب منها أو تأنيب الطفل عليها، مع محاولة فهم ما يدور بباله والتركيز على إعطائه المعلومة الصحيحة والمسمى الصحيح، بما يناسب المرحلة عمرية ولتتناسب جرعة المعلومات مع ما يفهمه ويشبع فضوله، فالتدرج ضروري وحسب قدرة الأبناء على الاستيعاب ومظاهر النمو التي تبدو عليهم، فلا يباغتون بمواقف غير مستعدين لها، مع استثمار المواقف كولادة طفل جديد، حمل في العائلة، ظهور البذور بعد الأزهار في النباتات لنعطي الطفل جرعات مبكرة وقائية تشبع فضوله قبل أن يشعر بالحيرة والبحث عن إجابات لتساؤلاته، فلا ننتظر الخطأ أو الحدث لنتكلم بل نستبقهما في فن التقبل والهدوء لتدخل المعلومة غير مشحونة بشحنة انفعالية سلبية تجعل الطفل يتعامل معها بشيء من الخجل أو التوتر أو الخوف».
وتستعرض الشحادات خطوات عملية ترصد دور أولياء الأمور، من خلال:
اقرأ أيضًا: كيف نميز المتحرش .. نصائح مهمة لتوعية الأطفال