
من الهام لكل أب وأم لديهما أبناء من كلا الجنسين، أن يفهما جيداً الاختلافات بين تربية الأولاد والبنات، حتى يستطيعا التعامل مع كل منهم بطريقة تناسب اختلافاتهم.
خبراء التربية والعلوم السلوكية يشدّدون على أن تربية الأولاد والبنات مسؤولية عظيمة تتطلب فهم طبيعة كل منهم، واحترام اختلافاتهم الفطرية، وغرس القيم والمبادئ بطريقة ذكية متدرجة حسب العمر. فالنجاح في التربية لا يأتي بالصدفة، بل بالوعي، والصبر، والحب الممزوج بالحزم.
في الوقت نفسه، يؤكدون أن التربية تحتاج إلى مبادئ أساسية ثابتة تطبّق على الأولاد والبنات، مثل القيم الأخلاقية، والاحترام، والمسؤولية، والتعاطف، لكن هناك اختلافات في بعض الجوانب بسبب الفروق الفطرية في الشخصية، والاحتياجات النفسية والاجتماعية، لكل جنس.
طرحت «كل الأسرة» تساؤلات عدّة تتعلق بالاختلافات في التربية بين الأولاد والبنات على عدد من خبراء التربية وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، وسألتهم: كيف يمكن للأهل إدراك هذه الفروق بشكل مبكّر؟ وما هي أوجه التشابه والاختلاف في التربية؟ وما هي أبرز الأخطاء التي يمكن للأهل الوقوع فيها نتيجة عدم إدراك الاختلافات في الوقت المناسب؟

صفات مشتركة وفروق جوهرية بين البنين والبنات
في البداية، يؤكد الدكتور والخبير التربوي محمد حسين رضوان، أنه قد ينتشر الكثير من المعتقدات حول كون تربية الأولاد أصعب من تربية البنات، ولكن في حقيقة الأمر أن كلاهما صعب، ولكن بطرق مختلفة وفي أعمار مختلفة، على حدّ سواء، كما أنه يمكن تربية الولد والبنت بأسلوب متشابه في الأمور الجوهرية، لكن مع مراعاة الفروق الفردية بينهما.
ويقول: «التربية رحلة طويلة الأهم فيها هو تحقيق التوازن بين الحزم والاحتواء حتى ينشأ الطفل سوياً، وقادراً على التعامل مع العالم بطريقة صحية. لذلك، من الخطأ أن نروّج لما يظنه البعض أن تربية الولد أصعب من تربية البنت، لأن صعوبة التربية ليست لها علاقة بالولد والبنت، وإنما لها علاقة بمهارة الوالدين في التربية، وطبيعة الطفل».
وحول أبرز الأمور المشتركة في التربية بين الأولاد والبنات، يقول الدكتور محمد حسين رضوان إنه يمكن تحديدها في نقاط عدّة، منها:
1. لا تختلف تربية البنات عن الأولاد في الأشياء العامة، فنحن نربّي إنساناً سوياً في المقام الأول، وعلينا تعليمهم القيم نفسها، مثل الصدق، والأمانة، والرحمة، والاحترام، وتحمّل المسؤولية.
2. منحهما الفرص لتحمّل المسؤولية تدريجياً، وتنمية مهاراتهما الحياتية في مجالات عدّة، مثل الطبخ، والترتيب، وإدارة الوقت، للبنت والولد معاً، حتى يكونا مستقلين.
3. كلاهما يحتاج إلى تعزيز الثقة بالنفس، وبنفس المقدار تماماً، لذلك يجب علينا دعم استقلالية كل منهما، وتشجيعهما على التعبير عن نفسيهما.
4. كلاهما يحتاج أثناء التربية إلى تعلم الفرق بين الصواب والخطأ، والانضباط بطريقة عادلة من خلال وضع حدود واضحة.
لكن في الوقت نفسه، يوضح الدكتور محمد حسين رضوان، أن هناك ثلاثة محاور أساسية في الاختلافات بين الأولاد والبنات، وهي:
- التواصل بالعيون: الذكور منذ الولادة لا ينظرون في الوجوه، بقدر ما تنظر الإناث، ويدقّقن في الوجوه والملامح.
- الاستماع: لا يستمتع الذكور بالاهتمام نفسه الذي تبديه الإناث، لذا فإن من المتعارف عليه أن الإناث يبدأن النطق أبكر من الذكور.
- الحركة: حيث إن الذكور أكثر حركة من الإناث، فهم في العموم مستكشفون لما حولهم أكثر من الإناث.

لماذا يجب أن نتعامل مع الولد والبنت بشكل مختلف منذ الصغر؟
أما الاستشارية الأسرية الدكتورة إيمان السيد، المتخصصة في علاج المشكلات الأسرية وتعديل السلوك بالقاهرة، فترى أن تربية الأولاد تختلف عن تربية البنات، لأن لكل من الولد والبنت، سمات شخصية مختلفة، وبالتالي تنعكس على طرق التعامل مع كل منهما، لكن في الوقت نفسه ليس هناك قاعدة ثابتة تنطبق على جميع الذكور، أو جميع الإناث، وهذا لا ينفي أن هناك اختلافات حقيقية بين الجنسين، في كثير من الأشياء.
وتحدّد الدكتورة إيمان السيد أبرز الاختلافات في التربية بين الصبيان والبنات والتي ينبغي على الأهل وضعها في الاعتبار عند التربية والتعامل مع كليهما:
1. البنت تهتم بالمشاعر أكثر من الولد، وتفهم لغة الوجه أكثر، وتعبّر عن مشاعرها بشكل واسع، كما أن الفتاة دوماً تكون أكثر رقة من الولد، وأيضاً تحتاج إلى دعم نفسي كبير كي تكون واثقة بنفسها، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي يعاني بعضها، أحياناً، تمييز الرجل عن المرأة.
2. أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذكور عاطفيون وحسّاسون للغاية، بعكس ما قد يبدو عليهم، فمثلاً إذا جلس الطفل في ركن العقاب يتأثر بذلك أكثر من البنت، ويجدي نفعاً معه أسرع لأنه يتأثر بغضبك منه.
3. الطفلة الأنثى تنتبه لأصوات الأشخاص المقرّبين منها، وتتفاعل معها، لذلك لديها القدرة الأكبر على الاستماع الجيد.
4. الأطفال الذكور يفضلون الألعاب المتحركة، وينتبهون لها، أكثر من الألعاب الثابتة، أو الموسيقية، وستلاحظ تفضيل طفلك للكرة عن الألعاب الثابتة لأنها تتحرك أمامه.
5. البنات يبدأن الكلام غالباً، قبل الأولاد، والبنات يتبوأن المرتبة الأولى في النطق بأولى الكلمات، إضافة إلى الثرثرة وكثرة الكلام، سواء كان مفهوماً أو لا، فهن يعشقن الحديث، وترديد الكلمات.
6. تعبير الأطفال الذكور عن خوفهم أقل نسبياً من تعبير الإناث عن خوفهنّ، فمثلاً عند ارتسام معالم الغضب على وجه الأم تجاه فعل معيّن، قد يكمل الولد فعله، ولا يبالي، أما البنت فقد تتراجع عن أداء هذا الفعل المرفوض.
7. تختلف استجابة الولد عن البنت في الانضباط، والالتزام بالأوامر، فالولد يملك شخصية تحب التجارب الجديدة، والتحدّيات، أما البنت فهي أكثر حذراً، وأقلّ إقبالاً على المخاطر.
ولهذا، لابد أن تكون التربية مختلفة بين الولد والبنت، فمثلاً، في موضوع الحنان يحتاج الولد إلى الحب والحنان بمنسوب معتدل، بينما البنت تحتاج إليه بمنسوب أعلى، وأكثر، لكن ما يحدث أحياناً أن الأب بسبب حبه وميله، يفضل أحد أولاده، والصواب في التربية ألا ندخل العواطف والحب عند التوجيه وتقويم السلوك، فالحق حق، لا عاطفة معه.

الأخطاء التربوية الخفية التي يقع فيها كثير من الآباء والأمهات
من جهتها، تؤكد الدكتورة ياسمين محمد المهدي، استشارية التربية الإيجابية وتعديل السلوك بالقاهرة، أن تربية الأولاد والبنات معاً تحت سقف واحد ليس أمراً سهلاً، ولكن فهم الاختلاف والفروق الجوهرية بين تربية الأولاد وتربية البنات يسهّل التربية بشكل كبير.
وتقول: «إن وعي الأم بالاختلافات بين الجنسين هام في تحديد كيفية التعامل مع الأولاد والبنات، وتربيتهم، وكذلك في تجنب الوقوع في الأخطاء التي تؤدي إلى مشكلات في تربية الأبناء، أو الفشل فيها كلية».
وحول أبرز الأخطاء التي يقع فيها المربّون نتيجة عدم فهم الاختلافات في التعامل مع الولد والبنت وكيفية حلّها، تحدّدها الدكتورة ياسمين المهدي في نقاط عدّة، أبرزها:
- يجب ألّا نفرق بينهم في الأنظمة والقواعد، أو في رعاية الشخصية، أو التعليم.
- يجب أن نشاركهم في الأنشطة البدنية بما يتناسب مع قدراتهم، فالولد يميل بالفطرة إلى القوة، والحركة، والاستقلال، لذلك يحتاج إلى تربية تضبط قوته، وتغرس فيه الرجولة الحقيقية، القائمة على المسؤولية والرحمة، لا العنف والتهوّر. أما البنت، فهي بطبيعتها عاطفية تميل إلى العطاء والحنان، وتحتاج إلى تربية تحفظ حياءها، وتقوّي شخصيتها من دون أن تسحق أنوثتها، أو تزرع فيها الخضوع الأعمى.
- يجب أن يميز الوالدان أن الولد والبنت متفاوتان بالقدرة اللغوية وفقاً لاحتياجهما، فالكلام عند الولد وسيلة لأهداف يريد الوصول إليها، أما البنت، فإنها تتكلم من دون هدف، لأن الكلام بحد ذاته هو هدفها.
- لكل طفل مساحته الخاصة، لذا يجب أن نعلّم أولادنا منذ الصغر أن هناك خصوصية بين الولد والبنت يجب احترامها، وعدم اختراقها، تحت أي ظرف من الظروف، وكذلك ممتلكاتهما لابد من احترامها.. غرفة، دولاب، أدوات شخصية.. لا يجوز الاقتراب منها من دون إذن.
- تبادل الملابس وعدم وضع ضوابط لما يرتديه كل منهما أمر مرفوض، ولا يجعل كل منهما يشعر بوجوده ونوعه وكيانه الخاص.. اللبس داخل البيت له ضوابط، وتواجدهما معاً تحت سقف واحد لا يعني أن يتعاملا باستهتار مع العورات التي يجب ألا تنكشف حتى على أقرب المحارم.. الاحترام مطلوب في كل الحالات.
- المقارنات بين الولد والبنت مرفوضة تماماً، من أشدّ الأمور خطورة المقارنة بين تربية الولد والبنت، فلا يجوز أن نقارن بين الولد والبنت، فلكل طفل قدراته واهتماماته، والمقارنة تكسر، والمساواة تبني شخصية، قوية ومتوازنة.
- الخوف من الاعتداءات الجنسية ليس أمراً يخصّ البنات فقط، كلاهما يحتاج إلى توعية حول الأمان الشخصي والحدود الجسدية، ولكن الفتيات قد يكنّ أكثر عرضة لبعض المخاطر المجتمعية، ما يتطلب زيادة الوعي والاحتياطات.
- تصنيف الألعاب وفقاً للنوع أمر قد يبدو مفيداً للأبناء، ولكنه في بعض الحالات قد يكون مرفوضاً، فليس هناك مانع أن تقتني البنت بعض ألعاب الأولاد، إذا كانت تحبها وتميل إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ممارسة الرياضات والألعاب، وحتى نوع الدراسة والمهنة التي تفضل الالتحاق بها.
- الولد يحتاج إلى توجيهه لتحمّل المسؤولية منذ الصغر، حتى لا يصبح اتكالياً، فلا يجوز إجبار الفتاة على خدمة أخيها، بدعوى أنها فتاة وهو صبي، أما البنت فتحتاج إلى تمكينها من اتخاذ القرارات بنفسها، وعدم حصرها في الأدوار التقليدية فقط.
اقرأ أيضاً:
- 4 أخطاء تربوية تسبب فجوة بين الآباء والأبناء
- كيف أشرح لطفلي الفرق بين الولد والبنت؟