08 سبتمبر 2025

د. هدى محيو تكتب: الطفل الصغير والشاشات الكبيرة والصغيرة

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

بين متابعة دروس الأولاد الكبار في المنزل، وتحضير الوجبات الغذائية، وشراء الحاجيات المنزلية، هل ثمة من وقت باقٍ للاهتمام بشؤون صغير الأسرة، آخر العنقود فيها؟

أحياناً، يكون تركه لمشاهدة رسوم متحركة على التلفزيون، أو إعطاؤه الهاتف الذكي ليتابع فيلم فيديو للصغار، الحل الأكثر فعالية. إذ عندما يستغرق الصغير في ما يعرض على الشاشة، يترك لوالدته، وحتى لوالده، بعض دقائق من الراحة لينجزا ما عليهما من مسؤوليات، ولا يعود ملتصقاً بهما، ومطالباً باهتمامهما المتواصل.

هذه الضغوط اليومية التي يعيشها الأهل كانت موضع اهتمام من باحثين سويسريين، تمكنوا من ربط الضغوط اليومية بالوقت الذي يمضيه صغار الصغار أمام الشاشات. فكلما كان الأهل رازحين تحت هذه الضغوط، كان وقت الصغير أمام الشاشة أطول.

وقد ضمت الدراسة التي أجروها على 462 من أولياء أمور أطفال تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات، وجرت متابعتهم لمدة عشرة أشهر، سُئلوا خلالها أربع مرات عن مستوى الضغط الذي يعانونه، والمرتبط بمسؤولياتهم كأهل، أي المهام المنزلية والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم، كالعمل، وتسديد الفواتير، وتنظيم الحياة اليومية. كما سُئلوا عن معدل الوقت الذي يمضيه طفلهم، كل يوم، أمام أيّ نوع من أنواع الشاشات.

وكانت النتيجة أنه كلما قال الأهل إن ضغوطهم قد ازدادت قالوا كذلك إن طفلهم يمضي وقتاً أطول أمام الشاشات. وقد تصل نسبة هذه الزيادة إلى ما بين 70% و100%. أمّا ما تنصح به منظمة الصحة العالمية في هذا المجال، فهو ألّا يتم تعريض الأطفال الذين يبلغون من العمر أقل من سنتين إلى الشاشات إطلاقاً، ثم ألّا يزداد تعرّضهم لأكثر من ساعة في اليوم الواحد، ما بين سِن الثانية والخامسة. وهي أرقام أقلّ بكثير مما لوحظ في الدراسات التي أجريت.

فهل يكمن الحل في خفض مستوى التوتر والضغط عند الأهل؟ بالتأكيد، هو حلّ مثالي، لكنه يستدعي تغييراً شاملاً في نمط الحياة الراهن، وهذا أمر عسير، بالنظر إلى ما آلت إليه حياة الأسرة في أيامنا هذه. في السابق، كان الأطفال ينشأون في كنف عائلة موسعة، فلا تقع مسؤولية الاهتمام بهم على الأم وحدها، بل كانت تشاركها في ذلك الجدّة، والعمّة، والخالة، والجد و..و.. أما اليوم، فإن الطفل ينشأ بين أحضان والديه في الأسرة النواتية التي «استبعد» عنها أفراد العائلة الموسعة، لأسباب عدّة، منها السكنى المتباعدة والفردية المتزايدة.

لذا، لا يسعنا أن نرمي الأهل بسهام الاتهام، بل نقول لهم أن يتعاملوا مع الشاشات وهم مدركون الوضعيات التي يضعون فيها صغيرهم أمامها، لمجرّد أنهم مضغوطين، فهذا من شأنه، على الأقل، أن يجعل هذه العملية واعية، وغير أوتوماتيكية.

اقرأ أيضاً: كيف تنقذ طفلك من الشاشات؟.. نصائح سهلة وفعالة