
أحدث استخدام وسائل التواصل الحديثة نقلة نوعية في العملية التعليمية، فلم تعُد متابعة الطالب متوقفة على حدود الفصل الدراسي، بل امتدت إلى البيت عبر منصات رقمية، وتطبيقات تعليمية، سهّلت وصول الأهل إلى الواجبات والتقارير، ومكّنت المعلمين من توثيق الملاحظات، لتصبح العملية التعليمية أكثر تنظيماً ومرونة، مرسّخة بذلك التكامل شراكة حقيقية بين البيت والمدرسة.

في هذا السياق، تتحدث عذراء غازي فيصل، أم لثلاثة أبناء، عن دور التطبيقات والبرامج المستخدمة في المدرسة في عملية متابعة أبنائها، على الرغم من اختلاف مراحلهم الدراسية، وتقول «إلى جانب سهولة الوصول إلى الواجبات وتنمية مهارات التعليم الذاتي التي وفرتها هذه المنصات من خلال الوصول إلى مصادر، مثل الشروح المصوّرة، والدروس التفاعلية التي عززت من استقلالية أبنائي في الدراسة، والتحضير للاختبارات، فقد أتاحت لي، كأم عاملة، متابعة العلامات والتقارير الأكاديمية التي تصل عبر البريد الإلكتروني»، وتضيف «التواصل عبر الوسائل الحديثة بمختلف مسمّياتها: بريد إلكتروني، منصات تعليمية، اجتماعات افتراضية، مجموعات واتساب، قرّب المسافة بين البيت والمدرسة، وجعل العملية التعليمية أكثر مرونة وفاعلية». في الوقت ذاته تكشف عذراء غازي «إن استخدام هذه الوسائل لم يكن خالياً من بعض التحدّيات، مثل ضعف الإنترنت، أحياناً، أو اختلاف المنصات بين المراحل الدراسية، إضافة إلى تفاوت تفاعل المعلمين عبر التطبيقات، ما يؤثر في جودة المتابعة. لكن هذه العقبات بالتأكيد تبقى محدودة أمام ما وفّرته من فوائد، بدءاً من متابعة الأبناء عن قرب، أو مساعدتهم على تحقيق التفوق الأكاديمي وتنمية مهاراتهم، وجعل تجربتي معهم كأم عاملة أكثر سهولة».
التكنولوجيا الحديثة تسهل التواصل
تشير د. مايا الهواري، مديرة مدرسة دبي كرمل الخاصة «نسعى من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة إلى تحسين الأداء، وتعزيز العلاقة بين المدرسة وأولياء الأمور، عبر تسهيل متابعة العملية التعليمية بالنسبة إليهم، وبشكل خاص الأهالي الذين لا يتمكنون من التواصل المباشر بسبب ظروف مختلفة، باعتماد وسائل تواصل تعليمية تمكّن الطلاب من الوصول إلى المواد الدراسية الأساسية، وأخرى إلى الأهل لمتابعة كل ما يتعلق بأبنائهم، من حضور، وواجبات، ونتائج، وتقارير يومية، ما يضمن متابعة دقيقة ومستمرة لمسار التعلم، كما نحرص على تقديم دعم فردي للأهالي الذين يواجهون ظروفاً خاصة، أو ارتباطات عملية، لضمان استمرار التعاون، وتعزيز دور الأسرة كشريك فاعل في العملية التعليمية».
توضح د. مايا «استخدام هذه الأدوات أحدث نقلة نوعية في إدارة العملية التعليمية، حيث ترفع عبرها جميع المواد الدراسية والواجبات والتفاصيل المرتبطة بالحصص، ما يضمن تواصلاً سلساً بين الطالب والمعلم، وولي الأمر، في آن واحد. كما نعتمد في المدرسة نظام بريد داخلي مخصص للطلبة وأولياء الأمور، يمكن تحميله على الهواتف الذكية من خلال تطبيق آمن، نرسل من خلاله جميع المعلومات المتعلقة بالامتحانات، أو الإجازات، أو أي مستجدات أخرى». وتشرح الهدف من النظام «يوفر قناة تواصل، شخصية وخاصة، أكثر أماناً لكل طالب، وولي أمر، بعيداً عن الإيميلات التقليدية مثل Google أو I Cloud، كما يتيح توثيق جميع الرسائل والمراسلات». وتكمل «لا يتوقف دور هذا النظام على تسهيل الوصول إلى المعلومات، بل يكون أيضاً بمثابة سجل دقيق وموثق لكل تواصل بين المدرسة وأولياء الأمور، يمكن الرجوع إليه في أيّ وقت، بما يحفظ حقوق جميع الأطراف، ويمنع أي التباس، إضافة إلى دوره كجسر، يعزز التعاون بين البيت والمدرسة».

التطبيقات الحديثة أداة أساسية
كما يؤكد وليد فتح الله، أستاذ مادة الكيمياء في إحدى مدارس الشارقة الخاصة «أصبح استخدام وسائل وتطبيقات التواصل الحديثة جزءاً أساسياً من عملنا كمدرّسين، في متابعة الطلاب، والتواصل مع أولياء الأمور، إلى جانب التواصل المباشر، من خلال الأخصائي الاجتماعي، أو إدارة المدرسة عند وجود صعوبات سلوكية مع بعض الحالات، بما يضمن متابعة مستمرة، ويعزز الشراكة بين البيت والمدرسة». ويوضح «وفرت الأدوات الرقمية حلولاً عملية خاصة للأهالي الذين يصعب عليهم الحضور المباشر، سواء لانشغالهم، أو لوجودهم خارج الدولة، لمساعدتهم بالاطلاع بشكل منتظم على كل ما يتعلق بأداء أبنائهم». يكمل فتح الله «لا يتوقف دور هذه الوسائل على تسهيل عملية التواصل، بل أصبحت أداة أساسية لدعم العملية التعليمية نفسها، من خلال توثيق الملاحظات ورصد نقاط القوة والضعف عند الطلاب، وتقديم توجيهات عملية لمعالجة أيّ قصور، على سبيل المثال، وضع تدريبات منزلية، أو شرح مسائل معقدة خطوة بخطوة، عبر تسجيلات صوتية ومواد توضيحية، سلسة وبسيطة، وإرسال الخطط الأسبوعية لأولياء الأمور بشكل منظم للاطّلاع على أهم المواد التي يتزود بها الطالب خلال أيام الأسبوع».
في حين تحظر الكثير من المدارس استخدام الواتساب، يكشف فتح الله «نستخدم مجموعات الواتساب كأداة مساندة للتواصل السريع وتبادل الملاحظات العاجلة، لكنها لا تعد وسيلة رسمية مقارنة بالمنصات المدرسية الرقمية المعتمدة لمتابعة الدرجات، الحضور، والواجبات، لكونها وسائل موثوقة ومنظمة للتواصل، تمكن المعلمين والإدارة من رفع المعلومات بشكل دقيق وموثق وأمن، كما أنها تمنح أولياء الأمور صورة مباشرة وواضحة عن مستوى أبنائهم، إضافة إلى كونها مرجعاً ثابتاً للطلاب يسهل الرجوع إليه عند الحاجة».
ويشير نيل أوتس، مدير مدرسة ستار الدولية – مردف" أن دور التكنولوجيا في التعليم لا يقتصر على تحسين تجربة التعلم داخل الصفوف الدراسية وتزويد الطلبة بأدوات مبتكرة للتفكير والتفاعل، بل يتجاوز ذلك ليكون وسيلة فاعلة لتقوية الروابط بين المدرسة وأولياء الأمور، باعتبار أن التواصل المستمر يمثل جسراً أساسياً لنجاح العملية التعليمية وبناء مجتمع مدرسي متكامل«. يوضح» في المدرسة نعتمد على تطبيقات تفاعلية مثل Class Dojo ليتمكن الأهل من متابعة إنجازات أبنائهم بشكل مباشر، والاطلاع على أدائهم الأكاديمي والسلوكي لحظة بلحظة، إضافة إلى تلقي جميع التحديثات الدورية حول الأنشطة المدرسية والمبادرات التعليمية«. يؤكد» هذا النهج لا يقتصر على نقل المعلومات فحسب، بل يسهم في تعزيز روح المشاركة والتفاعل الإيجابي بين البيت والمدرسة، مما يدعم تكوين بيئة تعليمية تشاركية تصب في مصلحة الطالب. كما أن إتاحة قنوات اتصال مباشرة مع فريق القيادة العليا في المدرسة يمنح أولياء الأمور ثقة أكبر في أن أصواتهم مسموعة وأن قضاياهم تعالج بسرعة ووضوح، وهو ما يعكس التزامنا بالشفافية والحرص على بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والشراكة الحقيقية لدعم الطلبة في جميع مراحل تعلمهم".

الأسرة شريك مباشر في دعم المسيرة التعليمية
ويؤكد د. يوسف عمر، المدير التنفيذي والأكاديمي لمؤسسة «إمباكت» الدولية لحلول التعليم في لندن ودبي، أن «دولة الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في توظيف الوسائل التكنولوجية الحديثة كمنصات تعليمية، ومواقع، وتطبيقات تفاعلية، لتصبح اليوم ركيزة أساسية في تعزيز قنوات التواصل بين المدرسة، وأولياء الأمور، والطلاب، سواء في المدارس الحكومية، أو الخاصة والدولية. لقد فتحت هذه الأدوات الرقمية، مثل البريد الإلكتروني، وتطبيقات المراسلة، إلى جانب منصات متخصصة كـSeesaw وClass Dojo، وحلول محلية مثل School voice، ومبادرات مثل iCare، المجال أمام متابعة دقيقة لمستوى الطلبة الأكاديمي والسلوكي، ورسخت دور الأسرة كشريك مباشر في دعم مسيرتهم التعليمية».
وعن أهم مميّزات وسائل التواصل الحديثة، يوضح د. عمر«لم يتوقف دورها عند توفير الوقت والجهد، بل امتد إلى خلق بيئة تعليمية أكثر تعاوناً ومرونة، حيث أصبح التواصل أكثر فاعلية وسلاسة. وقد تميزت دولة الإمارات بكونها من أوائل الدول التي تبنّت منهاجاً متكاملاً للذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها التعليمية، لإعداد الطلبة لمهارات المستقبل وتعزيز الشراكة بين البيت والمدرسة، ومن بين الحلول الحديثة منصة Cloud Fusion التي تدعم المعلمين بأدوات مبتكرة للتدريس والتواصل، ومنصة إتقان التابعة لمؤسسة «إمباكت» الدولية، التي تجمع بين التقييم والتعلم، وتتيح لأولياء الأمور متابعة أداء أبنائهم من خلال تقارير مفصلة تغطي التحصيل الدراسي والجوانب النفسية والمعنوية للطالب، بما ينسجم مع اهتمام الدولة برفاه الطالب وصحته الشاملة». يكمل د. عمر «كما اعتمدت بعض المدارس تطبيقات عملية أخرى تدعم هذا التوجه، منها iSams Parents الذي يتيح للأهالي الاطلاع على بيانات الأبناء المتعلقة بالحضور، والنتائج، والتقارير اليومية، وClass Charts الذي يمكن من خلاله متابعة النقاط السلوكية والواجبات، وتوزيع المهام بسهولة. وهي تطبيقات تمتاز بالمرونة والتنوع بما يتيح لكل مدرسة اختيار ما يلائم احتياجاتها، التعليمية والإدارية، ويعزز دور الأسرة كشريك رئيسي في دعم رحلة الطالب التعليمية».
ويختم د. عمر بالإشارة إلى أن «وزارة التربية والتعليم الإماراتية عملت على توفير منصة School Voice، التي تعد إحدى القنوات الآمنة والشفافة لتجميع التفاعلات بين المدرسة وأولياء الأمور تحت إشراف الوزارة. وبفضل بساطة استخدامها، وتعدّد وظائفها، كرست هذه المنصة مفهوم جعل البيت جزءاً فاعلاً ومستداماً من عملية التعلم، ليبقى حضور الأسرة مستمراً بمسيرة الطالب التعليمية في مختلف مراحل تعليمه».