مجلة كل الأسرة
02 سبتمبر 2025

التواصل بين المدرسة والأسرة.. «خط الدفاع الأول» في الاستقرار النفسي للطالب

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

«رسالتي إليك يا أمّي... أمّي لقد حملتِني تسعة أشهر طوال، عانيت فيها الأهوال... لذا، أهيب بك للحضور إلى مدرستي لمقابلة مدرّساتي، لأن عينّي قد كلّتا من النظر إلى الأمّهات اللواتي يحضرن للسؤال عن أحوال بناتهنّ، وأنت لم تحضري يوماً للسؤال عني. أتمنى حضورك لتجتمعي مع معلماتي، وأهلاً بك في مدرستي. ودعوتي هذه أوجّهها لكل أم لها فلذات أكباد في أيّ مدرسة».

هذه دعوة مفتوحة ضمن مبادرة مدرسية أعدّتها الاختصاصية الاجتماعية صالحة نصيب حمد، حيث «تمّ توجيه الرسالة للأمّهات في إحدى مدارس الإمارات، واللواتي حضرن بقوّة بعد تلقّيها، وبالأخص أمّهات لم يسبق لهنّ زيارة مدارس بناتهنّ، وكانت تلك الدعوة بمثابة «جرس إنذار» يؤكد أهمية التواصل بين المدرسة وأولياء الأمور، وتأثير ذلك في الصحة النفسية للطالب، ولكون البيت امتداداً للمدرسة، والمدرسة هي امتداد للمنزل».

مجلة كل الأسرة

وفي هذا السياق، كشفت دراسة صادرة عن «اليونيسيف» عام 2023، أن الطلاب الذين يحظون بتواصل فعال بين أولياء الأمور والمدرّسين تقل لديهم احتمالية التعرض لمشكلات نفسية بنسبة 40%، مقارنة بأقرانهم، كما أظهرت الدراسة أن وجود قنوات حوار مفتوحة بين البيت والمدرسة يسهم في تعزيز مهارات التكيف، والتفوق الأكاديمي، ويمنح الطالب شعوراً بالأمان والدعم.

فما هي أهمية التفاعل المستمر والإيجابي بين المدرسة وأولياء الأمور؟ وما أبرز التحدّيات التي تقف عائقاً أمام تفعيل هذا التواصل في بعض الأحيان؟ وكيف نتلمس ثمار التعاون المدرسي والأسري على الصحة النفسية للطالب؟

صلاح الحوسني
صلاح الحوسني

يعزز الاستقرار النفسي للطفل

لا تضطلع جمعية المعلمين بدور مباشر، أو تواصل مباشر، مع أولياء الأمور، ولكنها مدركة تماماً لأهمية هذا التوجه، وهو ما يؤكده صلاح خميس الحوسني، رئيس مجلس إدارة جمعية المعلمين، مبدياً «حرص الجمعية، وبالتعاون مع المختصين والمؤسسات ذات العلاقة، على تقديم عدد من البرامج التدريبية للزملاء المعلمين أعضاء الجمعية حول أهمية التواصل بين البيت والمدرسة، وكيف يستطيع المعلم، وتستطيع الإدارة المدرسية تحقيق ذلك».

يشرح الحوسني: «التواصل المنتظم والتعاون الإيجابي بين المدرسة والأهل يسهم بشكل كبير في الاستقرار النفسي، وتعزيز ثقة الطفل بنفسه داخل البيئة المدرسية، وفي تعامله مع المعطيات المجتمعية، لكون الاستقرار النفسي للطفل ينعكس على جميع مناحي حياته، وعلى سلوكاته مع من حوله، سواء داخل المدرسة، أو خارجها، في المنزل أو في المجتمع الخارجي».

بيد أنّ الحوسني يشير إلى أن بناء وتعزيز الصحة النفسية للطفل يحتاج من الأسرة إلى جهود، وعدد من الممارسات التربوية: «تبدأ هذه الجهود منذ ميلاد الطفل، وبين أحضان والديه، حيث ينشأ الطفل، ويتعلم، ويكتسب أول المهارات الحياتية التي تؤسس شخصيته المستقبلية، وعند انتقال الطفل إلى المجتمع الخارجي، تكون المدرسة، ومنذ مراحل الروضة، إحدى أهم المحطات الخارجية الأهم في التأثير في شخصية الطالب، وبنائها من جميع جوانبها، الاجتماعية والنفسية. لذلك لا بد أن تنتبه الأسرة والمؤسسة التعليمية، إلى هذه الأبعاد، وتوليها الاهتمام البالغ، حيث إن التواصل والتعاون الإيجابي والبناء بين الأسرة والمدرسة يؤدي إلى التكيّف الاجتماعي والنفسي للطفل في المدرسة، وتعزيز شعوره بالأمان، والاطمئنان، والانتماء إلى المدرسة، ويقل شعوره بالقلق، ويزيد من دافعية الطفل نحو التعليم، وبالتالي تحقيق النتائج الدراسية، الأكاديمية والسلوكية والاجتماعية، المطلوبة».

د.حصة الطنيجي
د.حصة الطنيجي

تحديات التواصل بين البيت والمدرسة

ولكن ثمة تحدّيات تقف عائقاً أمام عملية التواصل، وتعيق تحقيق الأهداف المطلوبة بالشكل السليم، تتوقف عندها الدكتورة حصة عبيد الطنيجي، عضو مجلس إدارة جمعية المعلمين، وأبرزها:

  • التفاوت والاختلاف بين أولياء الأمور في المدرسة الواحدة، من حيث الثقافة، والقدرات، والمهارات، وطبيعة ومكان العمل، وطول واختلاف فترات العمل بين أولياء الأمور، ما يؤدي إلى وجود صعوبات لدى الإدارات المدرسية في تحديد استراتيجية أو نظام يناسب جميع أولياء الأمور.
  • اللغة قد تكون عائقاً في تحقيق التواصل الفعال والحوار البناء بين بعض أولياء الأمور وبعض المعلمين، بخاصة مع زيادة أعداد المعلمين من جنسيات أجنبية سواء في المدارس الحكومية، أو الخاصة.
  • سرعة الوقت، وكثرة التكليفات الإدارية على أعضاء الهيئات الإدارية والتعليمية، من التحدّيات التي قد تعيق تواصل بعض المعلمين بالشكل الذي يسمح لهم بتخصيص مساحة زمنية كافية للتواصل، وللحوار، والمناقشة مع أولياء الأمور حول أوضاع أبنائهم .
  • ارتفاع عدد الطلبة في بعض المدارس يمثل تحدّياً كبيراً أمام إدارات المدارس، بخاصة المدارس التي تعاني نقصاً في أعداد الهيئة الإدارية .
  • صعوبة وجود الأب والأم، مع بعض أثناء عملية التواصل مع المدرسة، تشرح د.الطنيجي: «وجود الأب والأم معاً، في عملية التواصل وزيارة المدرسة له مردود أكبر، وأثر أعمق في الطفل، بخاصة في المراحل الدنيا ( رياض الأطفال والحلقة الأولى )، ولكن هذا الأمر قد  يواجه صعوبة، بخاصة أن أغلب أولياء الأمور مرتبطون بوظائف وأعمال مختلفة».
إميلي هوبكنسون
إميلي هوبكنسون

التكنولوجيا لدعم التواصل بين البيت والمدرسة

هذه التحدّيات وجدت بعض المدارس لها حلولاً عبر التكنولوجيا وتوظيف التقنيات الجديدة في تخطّي المعوّقات. وتلفت إميلي هوبكنسون، مديرة مدرسة الكلية الإنجليزية، إلى استخدام التكنولوجيا كجسر بين الطلاب والمنزل لتعزيز جودة التعلم، و لدعم الطلاب، أكاديمياً ونفسياً.

وتوضح: «في الكلية الإنجليزية، نؤمن بأن التكنولوجيا يجب أن تُستخدم بشكل هادف، وبنفس الأهمية، نستخدم التكنولوجيا لدعم الصحة النفسية والعاطفية لطلابنا. حيث تتيح لنا منصتنا الخاصة بالرفاهية إجراء متابعة منتظمة للطلاب، ما يساعد على تحديد الحالات التي قد تحتاج إلى دعم إضافي، والتدخل المبكر. هذا التوازن بين الابتكار الأكاديمي والدعم النفسي، يضمن أن يكون طلابنا مؤهلين للنجاح داخل المدرسة وخارجها».

مجلة كل الأسرة

 وتشرح هوبكنسون عن الأدوات المستخدمة للتواصل مع أولياء الأمور: «يُعد نظام iSAMS منصتنا الرئيسية لتحديثاتهم ورسائلهم، بينما نستخدم في المرحلة الابتدائية تطبيق ClassDojo لمشاركة أخبار الفصول الدراسية. إلى جانب ذلك، نتواصل بانتظام عبر البريد الإلكتروني، ومجموعات واتساب الخاصة بأولياء الأمور، لضمان وصول المعلومات بسرعة ويسر. ومع ذلك، يبقى تواصلنا المفضل هو اللقاء المباشر وجهاً لوجه. فالتكنولوجيا مفيدة من حيث الكفاءة، لكنها لا يمكن أن تحل محل بناء العلاقات الذي يتحقق عبر الاتصال الشخصي، وهو جوهر مجتمع مدرستنا».

وترى هوبكنسون أن «أولياء الأمور يلعبون دوراً محورياً كشركاء في تحسين الأداء الأكاديمي لأبنائهم. ويبدأ ذلك عبر المحادثات المنتظمة والهادفة في المنزل، من خلال طرح أسئلة تُحفّز التفكير والتعلم مع الطفل. كما أن دعم تطوير عادات دراسية فعالة، والوعي بمواعيد التقييم الهامة، ومساعدة الأطفال في التحضير لها، يحدث فرقاً كبيراً».

وتخلص إلى أن «من الهام أيضاً أن يشارك الآباء بشكل كامل في تقارير المدرسة، وحضور اجتماعات أولياء الأمور والمعلمين، وإجراء مناقشات مفتوحة مع المعلمين حول النجاحات والتحديات، على حد سواء. فعندما يعمل الآباء والمدارس جنباً إلى جنب، يكون الطلاب أكثر استعداداً للتفوق أكاديمي».

صالحة حمد
صالحة حمد

التواصل المباشر هو الأهم

يمكن الإقرار بأن التكنولوجيا قد سهّلت مناحي التواصل وأشكاله، إلا أن التواصل المباشر يبقى الخطوة الأهم والأجدى. هذا المنحى تصر عليه الاختصاصية الاجتماعية وصاحبة المبادرة المدرسية صالحة نصيب حمد، التي سعت إلى إيقاظ مشاعر الأمّهات المتقاعسات عن الحضور إلى المدرسة والتواصل مع المعلمات، عبر دعوة مفتوحة أرفقنا مضمونها في بداية التحقيق.

وتشرح الاختصاصية الاجتماعية صالحة: «هذه الرسالة أشعرت بعض الأمهات بتقصيرهنّ، لكون تواصل أولياء الأمور مع المدرسة والقائمين على شؤونها يثمر الكثير، ويكشف مدى حرص الأهل على مصلحة أبنائهم، وتعزيز سلوكاتهم بالدرجة الأولى، باعتبار أن نجاحهم أو فشلهم في الدراسة مرهون بأوراق الاختبارات التي ترسل للأهل دورياً، أما سلوكاتهم فلا يمكن متابعتها إلا بالحضور إلى المدرسة، والاطّلاع من المعلمين على أداء ابنهم، أو ابنتهم، وسلوكاته داخل الفصل وخارجه، وحتى مصادفة أصدقاء الطالب، والاطّلاع، ولو بشكل غير مباشر، على مشكلاته وسلوكاته، وبالتالي معالجة مشكلاته بكل هدوء وروية».

ضعف التواصل بين المدرسة وأسرة الطالب يضع الأبناء أمام تحدّيات عدّة، منها تماديه في الخطأ، وسلوكات سلبية عدّة، بعضها متعمد، وبعضها غير متعمد، مثل سرقة أدوات زملائهن الضرب والاعتداء، استخدام ألفاظ غير لائقة، وغيرها من سلوكات يكون دافعها الرئيسي، كما تحلّل حمد «لفت نظر الأهل والمدرسة إلى أنه موجود، ويحتاج إليهم للوقوف معه، ومتابعته، وهذه السلوكات تظهر لدى البعض نتيجة للإهمال الأسري، أو تفضيل أحد إخوته عليه، أو تكليفه بأعمال ليس له طاقه على تحملها».

مجلة كل الأسرة

وتأمل الاختصاصية الاجتماعية صالحة نصيب أن تعود إلى المعلم هيبته، ومكانته، وتقديره بين طلابه، وتعزيز دور الاختصاصيين الاجتماعيين من قبل الوزارة في التوجيه عبر تقليل التكليفات الخارجة عن هدف وجود الاختصاصي في المدرسة، لكونه «الدينامو» المحرك لكل من في المدرسة، وهدف وجوده يتركّز على متابعة كل صغيرة وكبيرة تخصّ الطالب، منذ دخوله حرم المدرسة، حتى خروجه منها».

وإلى جانب تعزيز دور الأهل وتفعيل التواصل المباشر مع المدرسة، تقترح:

  • القيام بمبادرات وشراكات مع جهات تغرس القيم في نفوس الطلاب والتطوع في مشاريع تخدم الطالب، وتنمي روح العطاء والعمل، وتخدم البيئة المدرسية.
  • تعزيز دور النوادي ( الرياضية والشطرنج والمراكز العلمية) في المساهمة ببناء شخصية الطالب، وتقويم سلوكه.
  • إيلاء الاهتمام لدور مراكز الشرطة في توعيه النشء بالسلوكات الحميدة، والسلوكات غير السوية، لتعزيز حماية الطالب من خلال التوعية.
  • تشكيل فريق من الاختصاصيين الاجتماعيين المتميزين، وإشراك المتقاعدين أصحاب الخبرة لعقد لقاءات بينهم وبين القيادات في الوزارة، وبينهم وبين الاختصاصيين في الميدان، لمعالجة وإيجاد الحلول للمشكلات التي تظهر في المدارس، قبل أن تنتشر ويصعب علاجها.