01 سبتمبر 2025

كيف تتحدثين مع طفلك عن الطلاق دون تشويه صورة والده؟

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

عندما يكون الانفصال هو القرار الأمثل لحل مشكلات الحياة الزوجية المعقدة، تنتهي مشكلة الزوجين، وتبدأ معاناة الأطفال النفسية. فحينما يحسم الوالدان أمرهما بالطلاق نجد، غالباً، أنهما لا يفكران كثيراً في حلقة الوصل بينهما، وهي الأبناء، إنما ينصب كل تفكيرهما في الخلاص من المشكلات القائمة بينهما، والتي لا يكون الأبناء طرفاً فيها.

ولكن بعد أن يحصل الطلاق بينهما إيذاناً بانتهاء مرحلة المشكلات الزوجية، تبدأ دوامة المشكلات على الأبناء، فينتهي الطرفان من مشكلاتهما الخاصة، ويبدآن بخلق مشكلة الأبناء، وكل منهما يرى أن رأيه صواب، وأن الطرف الآخر يريد النكاية به بواسطة الأبناء!

وهكذا، يصبح هؤلاء الصغار سلاحاً بين الطرفين، فتارة يكونون وسيلة ابتزاز، وتارة أخرى نجدهم أشبه بكرة يتقاذفها الآباء.

خبراء نفسية الأطفال والمراهقين ينصحون الأزواج والزوجات، الذين اتخذوا قرار الطلاق، أو على وشك اتخاذه، بضرورة مراعاة نفسية أطفالهم، وتمهيد الأمر لهم، وأن يحاولوا جاهدين ألّا يتعاملون مع الأمر كأنهم أعداء يدقون طبول الحرب، ويرفضون تماماً أيّ محاولة من الآباء والأمّهات لاستخدام الأبناء بينهم كدروع بشرية في هذه الحرب.

سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الطب النفسي والعلاج الأسري: ما هي الآثار السلبية التي تقع على الأبناء من جرّاء الطلاق؟ وكيف يتعامل الزوجان مع الأبناء خلال مرحلة الطلاق، وما قبلها، وما بعدها؟ وما هي الطريقة الأفضل التحدث مع الأبناء حول حدوث الطلاق من دون تشويه صورة الطرف الآخر؟

مجلة كل الأسرة

الطلاق مرحلة حرجة... تحتاج إلى حكمة واحتواء

بداية، يؤكد الدكتور حاتم زاهر، استشاري طب نفس الأطفال والإرشاد الأسري، أن في بعض الأحيان يكون الانفصال أفضل للأبناء من العيش تحت سقف مملوء بالصراعات والتوتر، لكن الأهم في هذه المرحلة هو الاتفاق على ما يخص مصلحة الأبناء، ليشعر الطفل بالاستقرار بعد انفصال الوالدين، والتأقلم مع التغيير المفاجئ الذي يطرأ على حياته.

ويقول: «في هذا التوقيت يحتاج الطفل إلى مزيد من جرعات الحنان والاطمئنان من الطرفين، في تلك المدة الحرجة، وعلى الرغم من صعوبة تقديم هذا من الأبوين، لانغماسهما في الحزن، لكنه ضروري حتى يطمئن الطفل أن الطرفين لن يتخليّا عنه، فهو بحاجة إلى الشعور بالأمان والاستقرار».

ويرى الاستشاري النفسي أن أسلوب التفكير المتفائل للوالدين يكون عاملاً أساسياً في مساعدة الطفل على تقبّل فكرة الانفصال، وتجنّب أنماط التفكير الكارثي التي تفترض أسوأ الاحتمالات في كل الظروف. ويكون الأطفال أكثر، صموداً، وأقل توتراً، عندما يكون النزاع بين والديهم هادئاً، وعندما يخرجهم الطلاق من بيئة مملوءة بالصراعات إلى بيئة أخرى هادئة، من الهام أن تحمي طفلك من الدخول في النزاعات، قدر الإمكان، سواء قبل الطلاق، أو بعده.

ويتوقف رد فعل الأطفال على حسب مراحلهم العمرية، ونموّهم، فالطفل الرضيع غالباً لا يتأثر كثيرا بالخلافات والطلاق، بينما الطفل في سن المدرسة، وما قبلها، وفي مرحلة المراهقة، يكون في أكثر الفترات خطورة في حياته من حيث التأثيرات التي قد تترسخ في شخصيته، وفي قدرة الوالدين على تفهم احتياجات أطفالهما، والتعامل معها أثناء الانفصال.

وينصح الدكتور حاتم زاهر الأزواج والزوجات قبل الوصول إلى مرحلة الطلاق «على الطرفين أن يدرسا النتائج المترتبة على الطلاق على أولادهما أولاً، وعليهما. فالأولاد بعد الطلاق سوف يعانون الحرمان من أحد الأبوين، وتزداد المعاناة اكثر كلما رأوا أقرباءهم أو أصحابهم، مع والديهم. فبناء البيت ليس أمراً صعباً، ولكن الصعوبة في الحفاظ عليه، وقدرة كل طرف على مواجهة المشكلات، وقدرته أيضاً على تصغير المشكلة، وتكبير العقل، والأهم وضع مصلحة الأبناء أمام أعينهم».

مجلة كل الأسرة

الأضرار النفسية للطلاق... من المسؤول وكيف نتلافاها؟

من جهتها، تشدد الدكتورة ميسون الفيومي، أستاذة العلوم السلوكية وخبيرة العلاقات الأسرية في مصر، على أن الطلاق رغم أنه قرار صعب، لكنه يجب لا يكون نهاية مؤلمة، أو حرباً مستمرة بين الطرفين، خصوصاً لو بينهما أطفال. فالبعض يعتقد إن الطلاق معناه القطيعة التامة، لكن الحقيقة أن العلاقة بعد الطلاق يمكن أن تكون هادئة ومحترمة، بل وضرورية للحفاظ على استقرار الأبناء.

وحول الآثار النفسية التي قد تصيب الأطفال والمراهقين من جرّاء الطلاق، تلخصها الدكتورة ميسون الفيومي في نقاط عدّة:

1. عدم رؤية أحد الزوجين لأبنائه لفترات طويلة يترك شعوراً لدى الأبناء بالحرمان الاجتماعي والعاطفي بسبب فقدان الحياة الأبوية، والجو الأسري.
2. مهاجمة بعض الأمراض النفسية الطفل أو المراهق بعد وقوع الطلاق بين أبويه مثل (الحزن- العنف– الصمت العقابي- الاكتئاب- العزلة).
3. فقدان القدوة الحسنة وظهور مشكلات تتعلق بالتوجيه والرعاية، وضعف مستوى التحصيل الدراسي للأبناء.
4. فقدان الثقة بالذات والشعور بالنقص أمام الآخرين.
5. تعرّض الأبناء للتعنيف ما يخلق لديهم عدم الرغبة في الزواج مستقبلاً.
6. معاناة الأبناء من الغموض بشأن المستقبل بخاصة في ظل عدم الإنفاق على الأبناء من قبل الأب، ما يصيبهم بالرعب من الضياع في هذه الحياة.
7. تعرّض الطفل للانحراف نتيجة ضعف المتابعة من الوالدين.
8. الشعور بالكراهية للوالدين، أو أحدهما، وانعدام الثقة بهما، بخاصة إذا تم استخدام أحد الزوجين الأبناء لإيذاء الطرف الآخر.

مجلة كل الأسرة

كيف يكون الطلاق تحولاً إيجابياً في حياة الأبناء؟

أما الاستشارية الأسرية نادية جمال، المتخصصة في العلاقات الأسرية والزوجية وتعديل السلوك بالقاهرة، فترى أن العلاقة بعد الطلاق تكون صعبة ومؤلمة، بسبب المشاعر السلبية المتراكمة، مثل الغضب، أو الحزن، وهذا يجعل التواصل بعد الطلاق أمراً مؤلماً وصعباً. كما أن تدخّل الأهل أو الأصدقاء يزيد التوتر بدلاً من أن يساعد على حل الأمور. واستخدام الأطفال كوسيلة ضغط بين الطرفين، بدلاً من كونهم أولوية للحفاظ على استقرارهم، النفسي يزيد من صعوبة الأمر، ولا يكون حلاً مناسباً أبداً.

وتلفت الدكتورة نادية جمال إلى أن الطلاق من الممكن أن يكون تحولاً إيجابياً في حياة الأطفال إذا تم بطريقة صحية وتربوية بالخطوات التالية:

أولاً: يجب أن يفهم الآباء والأمهات أن الطلاق ليس صعباً على الأطفال، إذا تم التمهيد له بشكل صحيح، عن طريق مناقشتهم ومشاركتهم الأمر بهدوء، وأن الطلاق لم يحدث بسببهم.
ثانياً: على كل طرف ألّا يتحدث بالسوء عن الطرف الآخر أمام الأولاد، ولا يسمح أيّ طرف منهما، للعائلة والأقارب، بالحديث عن الأمر أمام الأطفال.
ثالثاً: على الأب أن يبدأ ينادي على مطلقته بـ «أمّ الأولاد، أو أمّ ابني، أو أمّ بنتي»، والأم نفس الشيء تصفه بـ«أبو الأولاد، أو أبو ابني، أبو بنتي».
رابعاً: يجب أن يسمح الطرف الأقرب للطرف الأبعد بأن يكون على تواصل مستمر مع أطفاله، بالاتصال التليفوني اليومي، ليكون متواجداً دائماً في حياة أطفاله.
خامساً: يجب عمل نظام جديد بعد الطلاق يسمح للأطفال بالتواجد مع الأب والأم معاً، وأن يحافظ الطرفان على هذه المقابلة، ولا يخلف الأب وعده لأبنائه، وفي حالة تغيّب الأب عن إحدى هذه المقابلات على الأم أن تلتمس له العذر أمام أبنائه.
سادساً: لا يجب استخدام الطفل كمرسال بين الأبوين، إذ لا يصح أن يقول الأب للأم «قل لأمك كذا»، وهي تقول «تذكّر أن تقول لأبوك كذا»، أو أن يستخدم الطفل كجاسوس لمعرفة الأخبار عن الطرف الآخر، ويجب ألا يتعامل الأبوان مع الأطفال على أنهم أطباء نفسيون يجب أن يستمعوا دائماً لمشاكلهم.
سابعاً: إذا شعر الطفل بالحنين إلى أمه، أو بالذنب أثناء الزيارة المخصصة للوالد، لا ينبغي أن يشعر الأب بالحزن، أو ينهي الزيارة، ويوصل الطفل إلى أمه، أو إذا قالت البنت للأم «أريد رؤية أبي» يجب ألا يكون الرد «لا أرغب في سماع سيرته».. كل هذه التصرفات خاطئة، وتؤثر في الطفل بطريقة مباشرة. فإذا شعر طفلك بالذنب، أو الحنين، يجب أن يقال له: أعلم أن الزيارات لا تروق لك، أنا احترم مشاعرك، الذنب ليس ذنبك، إذا رغبت في أن تتحدث مع أبوك، أو أمّك، الآن دعني أطلب لك الرقم.
ثامناً: في حالة حدوث مشكلة خاصة بالأولاد في الحياة، أو الدراسة، لا داعي لإلقاء اللوم على الطرف الآخر، كل المطلوب من الأب والأم، مناقشة المشكلة، والبحث لها عن حلول سريعة.
تاسعاً: إذا علم الأب أن الأم تمنع شيئاً ما، عن قصد، عن الأطفال يجب ألا يسمح به الأب من باب العند، والعكس صحيح، فمنافسة أحدهما الآخر هنا في غير محلها، وليست في مصلحة الأطفال. لا تحاول أن تشتري حب أولادك بالنزهات والهدايا، لأنها طريقة خاطئة لكسب ود الطفل.
عاشراً: تقاسموا الأوقات مع الأطفال في الأعياد حتى لا يشعرون بالحرمان العاطفي خلال هذه المناسبات، ولو لمرة في العام، ولتكن أغلى هدية تقدم للطفل هي تواجد الأبوين أثناء الاحتفال بعيد ميلاده.

مجلة كل الأسرة

كيف تحافظان على علاقة محترمة بعد الطلاق؟

  • فصل المشاعر عن القرارات: فمهما كان سبب الطلاق يجب أن يكون هناك نضج في التعامل، خصوصاً لو كان بينكما أبناء. صحيح أن العلاقة انتهت لكن الاحترام يجب أن يستمر.
  • الأبناء أولاً: حافظوا على الاستقرار النفسي للأبناء، ولا تجعلا خلافاتكما تؤثر فيهم. واجعلوا علاقتكم بعد الطلاق قائمة على مصلحتهم قبل أي شيء.
  • حسن الظن وعدم التصيد: عدم تفسير كل تصرف من الطرف الآخر بشكل سلبي لأن الشك المستمر يجعل العلاقة متوترة، ويؤثر في كل الأطراف.
  • عقد اتفاقات واضحة: حدّدا طريقة التواصل، ومواعيد الزيارات، وكيفية إدارة الأمور المالية الخاصة بالأولاد، حتى تكون الأمور واضحة، من دون مشاكل متكررة.
  • عدم التدخل في حياة الآخر: بعد الطلاق كل شخص له حياته الخاصة، وليس من حق أي طرف التدخل في قرارات الآخر، إلا في الأمور التي تخص الأطفال.
  • مساحة شخصية لكلا الطرفين: كل شخص يحتاج إلى وقت يتعافى فيه بعد الطلاق، فلا نتوقع أن الطرف الثاني سيظل على ما كان عليه سابقاً، أو يتعامل معنا بالطريقة نفسها.
  • الاحترام حتى لو من دون صداقة: ليس من المفترض أن تكونا صديقين، لكن لابد أن يكون هناك احترام متبادل بينكما، بخاصة في وجود أطفال مطّلعين على كل كلمة، ويتأثرون بها.

اقرأ أيضاً:
- كوني قوية.. مراحل التعافي من الانفصال
- كيف نحمي الأبناء من غياب دور الأب بعد الطلاق؟