
هل الجلسة العائلية الأسبوعية ضرورية في هذا الزمن المتسارع الوتيرة، وبالأخص أنّ اللقاءات الأسرية لم تعُد كالسابق؟
هذا الطرح يتبدّى في غاية الأهمية ونحن نتحدث عن «جلسة في حضن العائلة»، لما تشكّله تلك الجلسة من جسر يرمّم الدفء المتخفي خلف الشاشات، ومن وقت يلمّ شمل العائلة، ويعزّز ألفتها.
فهل الجلسة العائلية رفاهية، أم ضرورة؟ وما فوائدها النفسية والاجتماعية؟ وكيف يمكن للأسرة تنظيم هذه الجلسة بنجاح؟ وما هي الاستراتيجيات لتشجيع كل أفراد الأسرة على المشاركة، والخروج بنتائج إيجابية وحوارات فعالة؟

تؤكد مشاعل مهدي العنزي، خبيرة في مجال التدريب الشخصي والإرشاد الاجتماعي، متخصصة في تنمية الذات وتطوير العلاقات، الحاجة الملحّة إلى إعادة إحياء دفء التواصل الإنساني الحقيقي داخل البيت الواحد، وتحقيق التوازن بين ضغوط العمل، وانشغال الأبناء بالدراسة، أو الأجهزة.
وتوضح: «الجلسة العائلية الأسبوعية ليست رفاهية، بل هي ضرورة تتجاوز كونها مجرّد لقاء عابر. إنها مساحة مقدسة تُعيد ترتيب العلاقات، تُرمّم الفجوات، وتُعيد إلى الأفراد شعورهم بالانتماء. وفي زمن تتسارع فيه الحياة، وتزداد العزلة الرقمية، يصبح هذا اللقاء المنتظم بمثابة جسر يعيد الدفء إلى العلاقات، ويمنح كل فرد فرصة ليُسمع ويُفهم».
هذا التوجه لا يرتبط بجودة العلاقات فقط، بل يتعدّاه ليشكّل صمام أمان نفسي للأبناء، والوالدين، على حدّ سواء. فالعلاقات العائلية التي تتسم بالانتباه والحضور تنتج أفراداً أكثر تماسكاً واستقراراً، بينما تُضعف القطيعة التماسك الأسري.
إذن، الجلسة العائلية، ولو أسبوعية، تُعيد بناء هذا الجسر المقطوع بين أفراد العائلة.

الفوائد النفسية والتربوية التي نجنيها من الجلسة العائلية المنتظمة
تؤكد مشاعل العنزي: «عندما يجتمع أفراد الأسرة بانتظام، فإنهم يؤسسون بيئة آمنة تُعزز الثقة، وتُرسّخ قيم الاحترام والتواصل الفعّال. فالأطفال الذين ينشأون في أجواء مماثلة يتعلمون التعبير عن مشاعرهم من دون خوف، ويكتسبون مهارات الحوار والإصغاء، ما ينعكس إيجاباً على شخصياتهم في المستقبل. أما الوالدان، فهذه الجلسات تمنحهما فرصة لفهم أبنائهما بشكل أعمق، بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية، ما يُسهم في بناء علاقة أكثر انسجاماً وتفاهماً».
ولا يقتصر الأمر على الجانب العاطفي، بل يشمل الجانب التربوي والسلوكي، لكون «الطفل يصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات ناضجة، وهذه الجلسة تمنح المراهق فرصة للتنفيس عن التوتر، وإيجاد من يفهمه ويحتويه. وفي المقابل، يستطيع الوالدان أن يتابعا نمو أولادهما عن قرب، وأن يتدخّلا في الوقت المناسب بأسلوب بنّاء».
كيف يمكن للأسرة تنظيم الجلسة العائلية بنجاح؟
ما التوقيت المناسب لهذه الجلسة العائلية؟ المدة المقترحة، وطريقة توزيع الأدوار بين الوالدين والأبناء؟..
تقدم المتخصصة في تنمية الذات خطوات عملية وسهلة للتطبيق، إذ تؤكد أن نجاح الجلسة العائلية يرتكز على:
- أن تكون منظمة بشكل يُراعي احتياجات الجميع.
- اختيار يوم ثابت يمنحها طابعاً مقدساً.
- يفضل أن تكون الجلسة في وقت يكون فيه الجميع مرتاحين، مثل مساء يوم العطلة.
- مدة الجلسة يجب ألا تكون طويلة حتى لا تفقد تأثيرها: يكفي ساعة واحدة مملوءة بالتفاعل الحقيقي.
- توزيع الأدوار بين الوالدين والأبناء يُضفي عليها طابعاً تشاركياً، بحيث يشعر كل فرد بأهميته في هذا اللقاء.
- إعطاء كل فرد مساحة للتعبير.
- التوافق مسبقاً على من يدير الحوار، ومن يبدأ.
- تعزيز روح المشاركة عبر توزيع الأدوار: من يُحضّر الفكرة؟ من يقود النقاش؟ من يقدّم فقرة ترفيهية؟ وغيرها من التفاصيل البسيطة التي تعزز الجدوى من هذه الجلسات الدورية.
ما هي المواضيع التي يُفضَّل طرحها خلال الجلسات العائلية؟
وهل من طرق لجعلها ممتعة وربطها بروح الترفيه والحوار؟..
تجيب مشاعل العنزي «المواضيع التي تطرح يجب أن تكون متنوعة، تجمع بين الجوانب التربوية والترفيهية»، وتقترح مواضيع عدّة، منها:
- يمكن الحديث عن أحداث الأسبوع، أو حتى التطرق إلى قضايا تتعلق بالإدارة المالية، التعامل مع الأصدقاء، كيفية مواجهة الفشل، وغيرها من المواضيع.
- مشاركة الإنجازات: حديث كل فرد عن إنجازاته، التحدّيات التي واجهها، وغيرها.
- مناقشة القيم والمبادئ: يمكن استخدام هذه الجلسات كمنصة لغرس القيم الوطنية أو الدينية، أو لتعزيز الهوية الثقافية.
- طرح تحدّيات جماعية تُحفّز التفكير الإبداعي.
- إدخال عنصر المرح، مثل الألعاب الجماعية، أو مشاهدة فيلم قصير ومناقشته، يجعل الجلسة أكثر جاذبية لجميع الأعمار.

استراتيجيات تشجع أفراد الأسرة على المشاركة بالجلسات العائلية
لتشجيع الجميع على المشاركة، يجب أن يشعر كل فرد بأن رأيه هام، وأن هذه الجلسة ليست مجرّد واجب، بل فرصة للتعبير والتفاعل...
تقول مشاعل العنزي، متوقفة عند استراتيجيات مختلفة لتشجيع أفراد الأسرة على المشاركة، منها:
- استخدام أساليب التحفيز، مثل تخصيص فقرة لكل فرد ليشارك بشيء مميّز.
- شعور كل فرد بأن صوته مسموع.
- تقديم مكافآت رمزية لمن يُسهم بأفكار جديدة.
- أن تكون الأجواء مريحة، خالية من النقد اللاذع، واستبدال التشجيع بالنقد، والتوجيه بالحوار لا بالتوبيخ.
- منح الأطفال فرصة لتقديم فقرات، مثل قصة قصيرة، أو تجربة علمية، أو حتى نكتة.
الجلسة العائلية... «استثمار» في الحب
وتخلص مشاعل العنزي إلى «أن الجلسة العائلية الأسبوعية ليست مجرّد لقاء، إنها استثمار في العلاقات، في الحب، وفي بناء ذكريات تبقى محفورة في القلوب. إنها لحظة تُعيد للأسرة معناها الحقيقي، وتُذكّر الجميع بأنهم ليسوا مجرّد أفراد يعيشون تحت سقف واحد، بل كيان واحد ينبض بالمودّة والتواصل، في مسيرة تربية ناجحة، وحياة أسريّة مستقرة».