الإرشاد الأسري.. هل يرتقي بالعلاقة بين الأهل والأبناء ويقودها إلى بَر الأمان؟
هل يمكن للإرشاد الأسري أن يشكل خريطة طريق للعلاقة بين الأهل والأبناء؟
هذا السؤال نجد جواباً له مع جملة ورش عمل ومحاضرات تتمحور حول الأسرة في العديد من المحطات، وتتركز عند نقطة محورية وهي الإرشاد الأسري الذي يمكن اعتباره ركيزة أساسية لفتح حوار فاعل بين الأبناء وأولياء أمورهم، من جهة، وبين الزوجين من جهة أخرى، وبالأخص في زمن التحولات السريعة، و«الانقلاب» في بعض القيم والمفاهيم.
والدليل الساطع هو ما شهدته أروقة «مهرجان الشارقة القرائي للطفل» الذي تناول الكثير من ملامح العلاقة الأسرية، بحيث عالجت بعض الورش التفاعل الاجتماعي بين الأطفال، وإدارة الغضب، وتقبّل الآخر، وأخرى ناقشت تمكين الأطفال للتعامل في البيئات الافتراضية، إلى أهمية توعية الأطفال للتمييز بين دقة وموثوقية المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثير هذه الوسائل في العلاقة بين الأهل والأبناء.
وإذ يهدف الإرشاد الأسري إلى مساعدة الأسر على التعامل مع التحدّيات والتحوّلات وحلّ المشكلات بطريقة بناءة وفعالة، وتحسين جودة العلاقة الأسرية، تؤكد همسة يونس، مرشدة أسرية ومجتمعية، ومستشارة تربوية، وشاركت في إحدى هذه الورش، أن «الإرشاد الأسري بات ضرورة حتمية، ومن الضروري أن يحصل الزوجان على الإرشاد الأسري قبل الإنجاب، وإثر اتخاذ القرار بالإنجاب».
توضح: «ففي حال ارتأى الزوجان إنجاب أطفال، لا بد من توجيههما نحو الإرشاد الأسري قبل البدء ببناء الأسرة، بحيث يتّم إكساب الوالدين مهارات التربية الوالدية، أو التنشئة الوالدية، وهذا ما نحتاج إليه راهناً، لأننا نعيش في زمن مشوب بالتحدّيات والانفتاح، بخاصة أن الشاشات تفتح الأبواب لأبنائنا للتعامل مع مختلف الثقافات، ومختلف الأفكار».
فهذه التحدّيات المتشعبة مع أبنائنا تضع الأهل في المواجهة: «ثمة مواقف فيها تحديات كثيرة تنطلق من الإلمام بآليات التعامل مع أبنائي، وفي حال استطعنا التعامل مع هذه التحدّيات بطريقة صحيحة وبالأساليب التربوية الصحيحة حسب الموقف وحسب شخصية الأبناء، نمنعها من التحول إلى مشكلات».
تجد همسة يونس أنه يجب أن نسعى لاكتساب هذه المهارات كآباء وأمّهات حتى نتمكن فعلاً من تحقيق الإرشاد الأسري الوقائي.
توضح: «عندما نكتسب مهارات التربية الوالدية، نكون نطبق الإرشاد الأسري الوقائي الذي يجنّبنا الوقوع في الكثير من المشكلات، فنختصر الكثير من الجهد والوقت، ونتفادى التصادم مع الأبناء في هذا الوقت الصعب، لأنّ أبناءنا، سواء كانوا أطفالاً، أو مراهقين، يتعرضون لمحتوى متعدد التوجهات قد يتنافى مع ما نربّيه عليهم في بيوتنا، وفي حال لم تتوافر أساليب تربية وتنشئة مرنة وذكية تتماشى وتتوازى مع المحتوى الذي يقدّم للأبناء بمختلف الوسائل، من شاشات، وإلكترونيات، ومنصّات إلكترونية، فسنخسر أبناءنا، وسيتم اختطافهم من قبل هذه المنصات، وتستلبهم هذه التوجهات والأفكار».
فما فائدة الإرشاد الأسري؟
ترصد همسة أهمية الإرشاد الأسري الوقائي:
- يساعد على اكتساب مهارات التربية الوالدية، فنحافظ على علاقتنا بأبنائنا، ويعزز قدرتنا على التعامل معهم وتوجيههم بالشكل السليم، عبر مهارات التواصل وإيجاد لغة ذكية، لأن فقدان مهارات التنشئة الوالدية السليمة الإيجابية يفقدنا لغة التواصل مع الأبناء.
- يساهم في تحسين العلاقات بين أفراد الأسرة والمجتمع وفي إيجاد لغة تواصل واضحة بين أفراد الأسرة: وثمة مشكلات تتكرّر بين أفراد الأسرة سواء بين الأم والأبناء، أو الأب والابن، أو حتى الإخوة، وتصل إلى مرحلة التصادم، ولا نحل المشكلة من جذورها ولا نبحث عن أسبابها، ونعمد إلى معاقبة الأبناء بسبب خلافاتهم المستمرة.
في هذه الحالة، الإرشاد الأسري يساعدنا على البحث عن الأسباب، ولو كانت تافهة بالنسبة إلى الأهل (فقد تكون مصيرية للأبناء)، وإيجاد لغة تواصل وتعزيز لغات الحب بين أفراد الأسرة، ولغة تفكير مشتركة، ما يقلّل من التصادم ويرفع من مستوى التواصل الفعال بين أفراد الأسرة، وبالتالي، ننقل هذا النموذج من التواصل الفعال من داخل الأسرة إلى المجتمع ليقدم الأبناء نموذجاً إيجابياً خارج الإطار الأسرة، وبناء علاقات اجتماعية سليمة وإيجابية.
- يساهم في حلّ مشكلات التعلّم والسلوك عند الأطفال، لجهة فهم الآباء والأمهات المرحلة العمرية التي يمّر بها الطفل، أو المراهق، وخصوصية هذه المرحلة، وسمات هذه المرحلة. ونقص الوعي، أو عدم استيعاب تلك المرحلة قد يؤدي بالأهل إلى عدم ربط المشكلة السلوكية للابن بالمرحلة العمرية، بحيث ينتج عنه تعامل سلبي مع الابن، ما يقود إلى إنتاج سلوك سلبي آخر بناء على التعامل السلبي معه.
- يحمي الإرشاد الأسري الوقائي أبناءنا من الغرق في مشكلات صعوبات التعلم: بعض الأمهات والآباء لا يكونون على علم بمعاناة أبنائهم من صعوبات التعلم، ويدرجون مشكلة الابن في سياق عدم حبه للدراسة، وبكونه «غير مجتهد»، ويدخلون في صدامات معه وتصبح العلاقة سلبية بين الأم وابنها، وتسبب ضغطاً نفسياً للطفل، أو المراهق، لتصبح المشكلة مزدوجة سلوكية ونفسية، لعدم التعامل السليم مع صعوبات التعلم عند الأبناء.
تصادف همسة يونس الكثير من الإشكالات الأسرية. تشرح: «عند وجود مشكلة لطفل أو ابن مراهق مع والديه، أبدأ بالبحث عن المشكلة عند الجميع لأن أي مشكلة عند أي فرد من أفراد الأسرة هي مشكلة جميع أفراد الأسرة. ومن خلال الجلسات الإرشادية التي تبنى على أساليب وفنيات إرشادية متعددة وفقاً للمشكلة والشخص الذي يتلقى الجلسة، نبدأ بالعصف الذهني، وبتدريب الطفل، أو المراهق، على الاستبصار بالذات ليفهم ذاته، ويفهم أفكاره ومشاعره، ويستطيع تحديد مشكلته بنفسه، وهذا مهم جداً لكوننا نطلق أحكاماً على أبنائنا، ونحدد مشكلة الابن من منطلق أفكارنا، ومشاعرنا، من دون أن نبحث عن المشكلة من خلال أفكار الأبناء ومشاعرهم».
بعض الأمّهات يرفضن جلسات الإرشاد الأسري خوفاً على سلطتهن وعلى صورتهن أمام الأبناء والمجتمع ووصمهنّ بالعجز عن إدارة الأسرة
تتوقف المستشارة التربوية عند تهرب بعض الآباء والأمهات من جلسات الإرشاد الأسري، ما يعيق الأبناء من التطور، والنمو السليمين: «إنكار المشكلة لا يساعد الأبناء، ولدى بعض الآباء والأمهات برمجة معينة حول أساليب التربية، وطريقة تربية الأبناء، مع خطوط حمراء، والكثير من القيود، وبالتالي، قد يتراجعون أمام أساليب الإرشاد الأسري الحديثة، لشعورهم بأن سلطتهم اهتزت أمام الأبناء، في حين أن آباء آخرين ينتظرون أن تحّل المشكلة من تلقاء نفسها، علماً بأن بعض المشكلات إذا لم يتم حلها من جذورها من أول البذرة، ستنمو، وتكبر، وتصبح أكثر تعقيداً، وأكثر تشابكاً، بخاصة إذا كانت مرتبطة ببعد نفسي عند الأبناء، ما يزيد الأمر سوءاً».
ورغم رفض البعض للإرشاد الأسري استناداً إلى رؤية الأهل بقدرتهم على تربية الأبناء، وعدم الجدوى من الاستشارات أو الجلسات، تتلمس زيادة مستوى الوعي عند الآباء والأمهات في ما يخص الحصول على الإرشاد الأسري، مخصصة الحديث عن أمهات يرفضن الاعتراف بوجود مشكلة، ولا يلجأن إلى الإرشاد الأسري من منطلق الخوف على سلطتهن كأمهات، أو الخوف على صورتهن واعتبارهنّ غير قادرات على القيام بمهام التربية، وإدارة الأسرة، وكل ذلك من منطلق تسلط، وأنانية وسيطرة، ما يمنع التطور والنمو السليم للأبناء».