04 أغسطس 2025

متى تتدخل في خصوصية أبنائك؟ 5 علامات تحذيرية تجعلك تخترق حدودهم

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

تنشأ العديد من المشكلات بين الآباء والأبناء في مرحلة المراهقة، لكن أغلبها يندرج تحت سبب واحد، هو رغبة الأبناء في الحفاظ على خصوصياتهم، في مقابل حرص الآباء دائماً على حماية أولادهم من مخاطر وتحدّيات الحياة، بخاصة في هذه المرحلة العمرية الحرجة، وانتهاز أيّ فرصة لخرق هذه الخصوصية.

هذا الأمر يؤكده خبراء التربية والصحة النفسية، ويرون أن خصوصية الأبناء أحد أبرز الأمور الخلافية بين الآباء والمراهقين، فالأبناء يرفضون، والأهل يخترقون كل شيء يخصّهم من دون استئذان. لذلك، طرحت «كل الأسرة» عليهم عدداً من التساؤلات حول خصوصية الأبناء، ومتى يجب أن نحافظ عليها، ومتى يحق لنا اختراقها، وما تأثير اختراق خصوصية الأبناء في تماسك الأسرة:

مجلة كل الأسرة

احترام الخصوصية = علاقات طيبة مع الأبناء

في البداية، يؤكد الدكتور محمد الوصيفي، أستاذ الطب النفسي بالقاهرة، أنه عند تنشئة الصغار يجب علينا الحذر من اختراق خصوصياتهم، لأن ذلك سيولد جوّاً من عدم الثقة بيننا وبين أولادنا، ويقول: «تخيل أنك تدخل فجأة من العمل، وتجد ابنك يطّلع على دفتر مذكراتك الخاص، أو كشف حسابك في البنك، أو مفردات راتبك، أو خطابات تعتبرها سرية.. ماذا سيكون ردّ فعلك؟ وما هو مقدار الغضب الكامن الذي سيتولد داخلك من هذا التصرف؟ وما هو التبرير الذي سيقدمه لك كي تسامحه؟ لذلك ما هو المكسب الذي ستحصل عليه من اختراق خصوصيته، وهل يساوي خسارة ثقة ابنك إلى الأبد؟».

وينبّه الدكتور الوصيفي إلى أن الصورة الذهنية التي تتكون في نفوس أولادنا عن قيم آبائهم يصعب إزالتها عند الكبر. مشدداً على أهمية المرونة في التعامل مع الأبناء منذ الصغر، ومحاولة التقرب منهم، ومن عقولهم وشخصياتهم، وطريقة تفكيرهم، وكذلك منحهم الوقت للتعبير عن أنفسهم، وعن كل ما يشعرون به. وقبل أي شيء، على الأهل أن يهتموا بهم، ويغمروهم بالعطف والحنان، ففي بعض الأحيان يخسر الأهل أولادهم بغلاظة الطبع، والتعسف في القرارات.

وحول ما يفعله بعض الأهل مع أولادهم من مراقبتهم بحجة الاطمئنان، يبين الدكتور الوصيفي أن المراقبة أمر هام، ومفيد جداً، لكن بشرط ألا يلاحظه الأبناء، فيكون الأهل دائماً العين التي تراهم في الخفاء، والتدخل يكون بهدوء، وبكل حب وصداقة، وفي الوقت المناسب، وليس في كل الأوقات.

ويضيف «هناك فرق بين أن أراقب ابني، وبين أن أتدخل في مساحته الخاصة، بالطبع سيكون المبرر الرئيسي من بعض الآباء هو حب الأبناء، والخوف عليهم، لكن ببساطة، يستطيع الابن أن يفعل السلوك غير المقبول دينياً ومجتمعياً في الخفاء، فالأفضل علمياً ونفسياً، هو بناء جسر من الثقة بين الابن والأهل، لأن الشك والمراقبة أمران مُتعبان ومهلكان، ويستنزفان طاقة الآباء والعلاقة نفسها».

ويرى الدكتور الوصيفي أن الموازنة بين الثقة والرقابة الصحية أمر ليس بالسهل، لكنه ممكن، لافتاً إلى أن الطفل تماماً مثل الشخص الناضج، له خصوصياته التي يجب على الوالدين احترامها، فلا يصح أن يستجوب الأهل الأبناء بشكل دائم، عن كل كبيرة وصغيرة.

مجلة كل الأسرة

5 حالات يجب فيها اختراق خصوصية الأبناء

وتتفق معه الدكتورة منى أحمد البصيلي، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك والإرشاد الأسري بالقاهرة، في أن الأبوّة والأمومة لا تعنيان أبداً السيطرة على حياة الأبناء، لكنهما تعنيان أن نكون دعماً وسنداً لهم، ونوجههم بالحكمة من دون أن نحبطهم، أو نفرض عليهم أمراً «ابنك يحق له أن يختار طريقه، وعلينا احترام قراراته، حتى إذا لم نكن نتفق معه، فالثقة والاحترام هما أساس العلاقة الصحية بين الأهل والأبناء».

وحول الحالات التي يجوز لنا فيها اختراق خصوصية الأبناء، ترى الدكتورة منى البصيلي أن الوضع يختلف وفقاً لعمر الأولاد، ومرحلة نضجهم، فمثلاً، الطفل لا يمكن التعامل معه مثل الكبير، ولكن أبرز هذه الحالات هي :

1. أن يكون الأبناء في عمر صغير، وهنا يحق للأهل الاطّلاع على خصوصياتهم، بخاصة إذا كان الابن كتوماً، ولا يحب الحديث عن تفاصيل الأمور التي تخصّه، لكن يجب التعامل مع الأمر برفق وحكمة، حتى لا نقع في فخ: الممنوع مرغوب.
2. عندما تراود الأم، أو الأب، شكوك حول سلوك الابن، وتظهر مؤشرات وعلامات للانحراف، أو ارتكاب فعل مشين، هنا ينبغي وضعه تحت المراقبة، مع رصد تحركاته، ويفضل أن يتم ذلك من دون أن يلاحظ الابن ذلك، حتى لا يتسبب الأمر بمشكلات عدّة.
3. عندما يكتشف الأهل دليلاً مادياً على وجود خطر يحيط بالأبناء، مثل تغيّر ملحوظ في السلوك.. هنا يكون التدخل واجباً، وإذا ما اكتشف الابن أنه يتعرض للمراقبة ينبغي الكلام معه حول أن ما نفعله معه بغرض الحماية، وليس للتجسّس عليه بسبب عدم الثقة.
4. للأسف هناك أبناء وبنات يتعاملون مع التقنيات من دون إدراك لعواقب الاستخدام السيئ لها، بل وقد انجرف بعضهم وراءها إلى أبعد مما يتصور الأهل، ومن دون ضوابط أخلاقية.
5. عندما يقع الأبناء في غراميات المراهقة قد لا تكون تصرفاتهم مقبولة، ووقتها قد يتصرفون وفقاً لمشاعر طائشة، وهنا يجب على الأم، أو الأب الذي يشعر بمشاعر حب المراهقة لدى أولاده أن يجعل هذه العلاقة أمام عينه، لأن أولادنا قد ينساقون في انجذاب جسدي، وقد لا تحمد عواقبه، وهذه هي المصيبة الكبرى.

مجلة كل الأسرة

إرشادات أسرية للأهل للتعامل مع خصوصيات المراهقة

أما الدكتورة إيمان عبدالله، استشارية الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية وتعديل السلوك، فترى أن اختراق خصوصية المراهق يجب أن يتم بذكاء، وأن يكون ذلك في فترات محدّدة عندما نستشعر الخطر...

وتقدم مجموعة من النصائح للأهل للتعامل بشكل لائق من دون أن نزعجهم، وفي الوقت نفسه نمنح أنفسنا الفرصة للاطمئنان عليهم:

  • أولى خطوات تخطّي هذه المرحلة بأمان هي منح المراهق الثقة المطلوبة، وذلك يكون بمصاحبتهم بصدق، والحديث إليهم، والاستماع الجيد لهم، حتى يتمكنوا من سرد تفاصيل حياتهم والبوح بمشاعرهم وأسرارهم معنا، من دون خوف.
  • أهمية الاستماع الجيد لنبني مع أولادنا رحلة الصداقة، والمحبة المتبادلة المطلوبة في هذه المرحلة، وما بعدها، والإنصات يجب أن يكون من دون أحكام مسبقة، أو مقاطعة، فلننصت بجدية تُشعرهم بالطمأنينة والقبول والاحترام، ولنجعل بيننا أوقاتاً خاصة مثل التسوق الذي تحبه الفتيات في هذه السن، ومشاركة الابن، مثلاً، الذهاب إلى النادي، أو لعب أو رياضة، والاستمتاع معه بها على فترات متقاربة.
  • يجب علينا، كآباء وأمّهات، أن نقرأ ونتعلم في مجال تربية المراهقين، بخاصة المشكلات العاطفية، فهذه مسؤوليتنا الجديدة، فأبنائنا قد كبروا، ويحتاجون منا إلى اهتمام من نوع مختلف.
  • يجب إخبار الطفل، أو المراهق، بمراقبة الأهل له، أولاً حتى يتجنب ارتكاب الأخطاء، قدر الإمكان، وثانياً حتى لا تنكسر الثقة بينه وبين الأهل، علاوة على أن متابعته وحمايته واجب على الأهل، وهو ما يحتاج المراهق إلى إدراكه، حتى لو لم يتفق معه.
  • مراقبة تفاعلات الأبناء على مواقع التواصل تكون من خلال توجيههم نحو ما ينفعهم، ونصحهم، لا بالتدخل المباشر القسري الذي قد يتسبب بخلق مشكلات لا طائل منها بين الأبناء.
  • يجب أيضاً أن نبنى علاقات طيبة مع أصدقاء وصديقات أولادنا، ولا نشعرهم بأنهم مراقبون طوال الوقت، ولا نتدخل كثيراً في حياتهم، لأنهم في هذه السّن يحبّون الشعور بالنضج، ويعبّرون عن ذلك بفرض طوق من الخصوصية حول حياتهم. لنعطهم حريتهم في بعض الأمور من دون تعليق، ولنعاقب وقت اللزوم، لكن في أغلب الأوقات نعاتب عتاباً رقيقاً، ونسامحهم عندما يعتذرون، وإياكم من توبيخهم، أو التحدّث عن مشاعرهم أمام الأقارب، أو الأهل، أو أصدقائهم.
  • اختيار التوقيت المناسب للحديث مع أولادنا وبناتنا في الأمور التي تتكشف لنا من جراء المراقبة، المباشرة أو غير المباشرة ، فيجب أن نترك هذه الأحاديث لأوقات «الهدوء النفسي والعاطفي»، لأنها أكثر الأوقات التي يمكن أن يكون لدى الأبناء فيها الاستعداد لاستقبال النصائح، ويجب ألا يخلو الحديث من الضحك والمزاح، وإعطاء الأمثلة والحكايات التي يفهم منها الابن، أو البنت، الرسائل المطلوبة من بين السطور.. فالطريقة يجب أن تكون جيدة، وفيها هدوء وحب، وقد لا تؤثر من أول جلسة أو حوار بينكم، لكن تأثيرها سيكون كبيراً مع التكرار على المديين، القريب والبعيد.
  • ضرورة أن نتعامل مع هذه المرحلة بحكمة وحذر شديدين جداً، حتى نضمن بقاء أولادنا بالقرب منا، ولا تتسع الفجوة بيننا وبينهم، وحتى نحتفظ بمساحة الفضفضة الموجودة بيننا، ونزيدها. فمثلاً، إذا ما اكتشفنا أن أولادنا يعيشون حالة حب علينا ألّا نفاجئهم بردّ فعل عنيف، وغير متوقع، فيبتعدون عنا، ويجب علينا تعليمهم كيف يتعاملون باحترام وحدود دينية واجتماعية مع الجنس الآخر، من الآن وحتى يكبروا، بخاصة من سن 12 فما فوق نحن بحاجة لأن نبقى قريبين منهم جداً، سواء بنات، أو أولاد.
  • وأخيراً.. عليك أن تدرك أن رغبة ابنك في الخصوصية لا تعني بالضرورة أن لديه ما يخفيه، واعلم أن خصوصية الأبناء تمشي جنباً إلى جنب مع استقلاليتهم وتحمّلهم للمسؤولية، وهناك بعض الأوقات التي يجب علينا، كأبوين، أن ننتهك خلالها خصوصية الأبناء من أجل الحفاظ عليهم، بخاصة إذا كان لدينا شك في أن الابن ينخرط في بعض الأنشطة الخطرة، فعلينا وقتها التدخل فوراً لأن دورنا معهم يحتم علينا مراقبتهم لضمان سلامتهم وأمانهم، وعلى الابن أن يلتزم بالقواعد والحدود التي تضعها له ، إذ لا يعني احترام خصوصية الأبناء أن نطلق لهم العنان، وندعهم يتصرفون كما يحلو لهم.

اقرأ أيضاً: ما هي مراحل تغير المراهق؟ وكيف يتعامل معه الأهل؟