16 يوليو 2023

الخوف الزائد على الأبناء.. هل يفقدهم الثقة بأنفسهم؟

محررة في مجلة كل الأسرة

الخوف الزائد على الأبناء.. هل يفقدهم الثقة بأنفسهم؟

الأبناء هم مصدر سعادة الأسرة ومن خلالهم يستمد الوالدان المعنى الحقيقي للبقاء في هذه الحياة، ومن واقع هذا الإحساس تبنى العلاقة القائمة على الحب والاهتمام والرعاية والخوف المشروع، إلا أنه في بعض الحالات قد يتحول الخوف الزائد على فلذات الأكباد إلى هاجس مرعب يصيب أحد الوالدين أو كلاهما، فتخرج تلك العلاقة عن مسارها الطبيعي وتتحول إلى ضغوط ترهق الطرفين.

حملنا بعض التساؤلات التي تبادرت إلى أذهاننا حول هذا الأمر إلى الدكتورة عائشة الجناحي، قائدة عالمية في مجال الطفولة ومدربة معتمدة في الإمارات.

د. عائشة الجناحي
د. عائشة الجناحي

هل يتسبب الخوف الزائد في فقدان الأبناء الثقة بأنفسهم، وانقطاع علاقتهم بمن حولهم؟

الخوف على الأبناء مهم ومطلوب لأنه يولد الحب والرغبة في الاهتمام الذي يشبع الجانب العاطفي، ولكن حين تكون تنشئة الأطفال قائمة على الخوف المبالغ فيه فإن ذلك يؤدي إلى ردة فعل عكسية تتضمن مشاكل نفسية عميقة وكبيرة في سن الرشد، لأن هذا الابن لم يتم تعويده وتهيئته أن يكون صانع قرار منذ الصغر، لذلك يشب بشخصية هشة وضعيفة فاقد الثقة بالنفس، فاشل في إقامة صداقات ويفتقر الشعور بالاستقلالية بل الخوف المستمر من المبادرة واتخاذ أية قرارات مصيرية.

كيف نحقق المعادلة الصعبة للحفاظ على الأبناء دون شعورهم بأنهم مراقبين، وفي نفس الوقت نجنبهم عدم إبعادهم عن أصدقائهم؟

لابد أن يشعر الطفل بالأمان من قبل المربي وأنه صديقه المقرب، الذي تهمه سعادته وراحته النفسية، وهذه العلاقة الصلبة بين الوالدين والأبناء ليست وليدة اللحظة ولكنها تبدأ منذ الصغر حين يستخدم الوالدين الذكاء العاطفي مع الأبناء، والذي يشكل مفتاحاً لنجاح علاقاتهم على كافة الأصعدة وتساعدهم على التكيف مع الضغوط، التي قد تحيط بهم في كل المراحل العمرية، أو عند تعرضهم لبعض المشكلات الاجتماعية. بلا شك حين تكون علاقة الوالدين مع الأبناء صلبة ومبنية على الحب والاحترام لن يفسروا اهتمام الوالدين الصادق بأنه مراقبة بل هو نابع من قلب محب، وكي نتمكن من المحافظة على علاقات أبنائنا مع أصدقائهم، من المهم على الأم معرفة بيئة هؤلاء الأصدقاء والتقرب من أمهاتهم في المقام الأول لأن الأم هي أساس الأخلاق والسلوك الطيب المكتسب، ومن خلالها نتمكن من معرفة مدى صلاح هؤلاء الأصدقاء، وبعد التأكد من بيئة وتربية الأصدقاء وإدراك مدى صلاحهم وأخلاقهم الطيبة، يمكننا تنظيم بعض الزيارات واللقاءات بين الأبناء والأصدقاء لزيادة الروابط بشكل أعمق.

via GIPHY

هل بناء جسور دعائمها الصداقة والاحتواء أحد الحلول؟

فاقد الشيء لا يعطيه، فحين يكون الأبناء مشبعين عاطفياً من قبل الأسرة بإمكانهم العطاء بالقدر المناسب، فما أجمل أن يكون الأب والأم أصدقاء ومصدر العطاء لأبنائهما، فهذا القرب منهم يحميهم من العثرات والمطبات الكثيرة التي من الممكن أن تواجههم في الحياة بسبب غدر أو ابتعاد بعض الأصدقاء لأي سبب كان.

في أحيان كثيرة يترك الأب مسؤولية متابعة الأبناء على الأم، وهو ما يجعلها تقع تحت ضغط نفسي، ما المفترض أن يتبعه الوالدان وكيف يقسمان مسؤولية الأبناء بينهما؟

تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الطرفين، فالرجل لا يقتصر دوره على توفير الجانب المعيشي للأسرة فقط، وإنما يظل هو القدوة والنموذج الذي يحتذى به بين أسرته، فله دور مهم في تربية وتوجيه الأبناء وإرشادهم إلى الصواب، خاصة في المرحلة العمرية المبكرة، وصحيح أن عاطفة الأمومة بالغة الأهمية وأساسية في تنشئة الطفل، إلا أن عاطفة الأبوة أيضاً مهمة وتعد أساسية وإن اختلفت طبيعة تلك العاطفة، ولتخفيف الحمل على الوالدين لابد من تقسيم وتوزيع المهام بشكل منصف بينهما وإذا عمل الأب يتطلب منه عدم التواجد بشكل كاف بين الأسرة لابد منه تعويض غيابه بتحديد عطلة نهاية الأسبوع أو أيام معينة يقضيها مع الأسرة ليعوضهم غيابه.

الخوف الزائد على الأبناء.. هل يفقدهم الثقة بأنفسهم؟

من الصعب على الأم أن تعرف الخلفية البيئية لأصدقاء أبنائها وبالتالي قد تنخدع فيهم، كيف يمكن أن تحميه من خطر هؤلاء الأصدقاء؟

على الأم الحذر من ترك أبنائها يتواجدون مع أصدقائهم الجدد بعيداً عن ناظرها لأنها غير ملمة بطريقة تربيتهم ونواياهم والبيئة التي نشأوا فيها، لذا حين إلحاح أبنائها بضرورة التواجد مع هؤلاء الأصدقاء لأداء فروض مدرسية أو قضاء بعض الوقت، يجب عليها اقتراح ضرورة تواجدهم في بيتها وبذلك تضمن أن الأبناء في أمان وأنه لن يتم التصرف بطريقة سيئة، كما يجب وضع قوانين معينة في بيئة المنزل وإلزام الأبناء باتباعها، وبالتالي سيقتنعون أن ما يفعله الوالدان هو بلا شك هدفه الأساسي حمايتهم من أصحاب القلوب المريضة.

هل لك أن تقدمي للأمهات والآباء دليلاً للتعامل البناء مع الأبناء؟

تذكروا دائماً أن العلاقة بين الوالدين والأبناء تبدأ من المرحلة العمرية المبكرة، وهي مهمة جداً، لأنها تضع الأساس لعلاقاتهم المستقبلية، إذ إن العلاقة الإيجابية بين الطرفين تنمي فيهم تقدير الذات والذكاء العاطفي والاجتماعي وبناء قنوات اتصال إيجابية معهم، وبالتالي تجعلهم أكثر معرفة وإدراكاً لشكل علاقاتهم مع الناس، وطرق التعاطي معها.

من وجهة نظرك ما أدوات صناعة علاقة عميقة وصلبة مع الأبناء؟

للتمكن من صناعة علاقة عميقة وصلبة مع الأبناء يتطلب من المربي البال الطويل والتحلي بروح المثابرة والصبر والهدوء في التعامل مع الأبناء، ففي مرحلة الطفولة قد يواجه أولياء الأمور الطفل العنيد أو الغاضب، الذي قد يصبح سلوكه ثابتاً حين يصمم على رأيه، ويبدأ بتكرار السلوك السلبي، ولكن هذا الطفل يمتلك صفة ذات وجهين، أحدهما سلبي والآخر إيجابي، فإذا تم التعامل معه بطريقة فيها رحابة صدر وحب وحنان وتوجيه صائب، بجانب تشجيعه على التريث والسيطرة على مشاعره وضبط ردود أفعاله، سيصبح شخصية حكيمة وناجحة وصانعة قرار عند الكبر. فإذا أردنا تنمية وتعميق علاقة الوالدين مع الأبناء لابد من التواجد معهم قلباً وقالباً من غير الانشغال بأي أمر آخر، ومخاطبتهم حسب عقولهم ومراحلهم العمرية، ومن المهم قضاء بعض الوقت النوعي مع الطفل وإحساسه بالأهمية، ومنحه المدة الكافية للتحدث والتعبير عما يدور داخله من دون مقاطعة أو مجادلة واحترام وجهة نظره ورغباته.

الأم هي أساس الأخلاق والسلوك الطيب المكتسب