ليس مشهداً مألوفاً، لكنه كفيل بإشعال عاصفة من القلق والارتباك داخل كيان أيّ أسرة، حين يكتشف قطباها الرئيسيان أن ابنهما المراهق مدخن. وبين الغضب والخذلان يتأرجح ردّ الفعل، ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يتصرف الوالدان في هذا الموقف؟ هل بِردّ فعل انفعالي يزيد الفجوة، أم باتخاذ موقف واعٍ يحوّل الأزمة إلى فرصة لإعادة جسور العلاقة وبناء الثقة؟
في هذا الصدد، يحدثنا الدكتور نيدي كومار، أخصائي الطب النفسي في إحدى العيادات بمنطقة المطينة، بدبي، عن الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع المراهق إلى التدخين «قد يلجأ المراهق إلى التدخين ظناً منه أنه وسيلة لتخفيف التوتر، أو التغلب على الشعور بتدني تقدير الذات، في حين يراه البعض نوعاً من التمرّد على الواقع وتحقيق الاستقلالية، وهناك من يقبل عليه للتخفيف من الإحساس بالملل، أو المعاناة من مشاكل كامنة، كالقلق أو الاكتئاب، بينما في الحقيقة يؤثر النيكوتين في نمو الدماغ، ويتسبب بإحداث خلل قد يستمر حتى منتصف العشرينيات، فضلاً عن ضعف التنظيم العاطفي، والقدرة على الانتباه والتحصيل الدراسي. أما على الصعيد الاجتماعي، فإن تأثير الأقران يكون قوياً، فينساق المراهق خلفهم للاندماج مع مجموعة معيّنة، أو لترويج صورة معيّنة، كما يلعب تأثير الأسرة دوراً كبيراً أيضا، فإذا كان أحد الوالدين، أو كلاهما، أو قريب من العائلة من المدخنين، ففي هذه الحالة يكون المراهق أكثر رغبة في التقليد، كما أن غياب الرقابة الأبوية يزيد من الإقبال عليه».
يقدم الدكتور نيدي كومار طريقة تضمن ردود فعل إيجابية لدى الابن، وهي طريقة قائمة على 10 نصائح أساسية، هي :
1 - التزم الهدوء عند اكتشاف الأمر، وخذ بعض الوقت لضبط المشاعر قبل محاولة معالجة المشكلة.
2 - اختر اللحظة المناسبة للتحدث مع ابنك وابحث عن مكان هادئ يشعر فيه بالأمان ليتحدث بأريحية.
3 - اجعل المحادثة أكثر تعاطفاً وأظهر اهتمامك بقضيته بدلاً من إصدار الأحكام.
4 - أعط المراهق مساحة للتعبير عن نفسه وانصت له جيداً قبل أن تبادره الحديث.
5 - ابتعد عن الاستنتاجات المتسرعة، أو التوبيخ، أو المواجهة بعنف، لتجنب ردود الفعل الدفاعية، أو المنعزلة.
6 - اطرح بعض الأسئلة البسيطة، مثل «ما الذي دفعك إلى التدخين؟»، فذلك قد يساعد على فهم الدوافع والأسباب وراء هذا السلوك.
7 - تجنب استخدام أسلوب الترهيب والوعيد.
8 - شاركه بعض الحقائق العلمية المرتبطة بخطر التدخين وتأثيره السلبي فيه.
9 - احترم مشاعره حتى إن بدت تافهة، وغير مقنعة، وتعامل معها باهتمام وتقدير.
10 - سلط الضوء على إيجابيات الإقلاع عن التدخين، وتأثير ذلك في الصحة العامة، وانعكاس هذا كله على مستقبله.
وجود القدوة ومقاومة ضغط الأقران أقصر الطرق لتخلص المراهق من التدخين
يقودنا الحديث إلى نقطتين رئيسيتين، الأولى هي أهمية القدوة في الحد من السلوكات السلبية، والثانية تتمثل في تعزيز ثقة المراهق بنفسه لمقاومة ضغط الأقران، وهما نقطتان يؤكد عليهما د. نيدي بقوله «للقدوة الأبوية دورٌ رئيسي في اكتساب السلوكات الإيجابية والسلبية، على حد سواء، فالاتساق بين الأقوال والأفعال أمرٌ بالغ الأهمية في مرحلة البلوغ، إذ يتعلم المراهق الكثير من خلال الملاحظة، وعندما يرى والديه يمارسان سلوكات صحية يميل أكثر إلى تقليدهما. أما الآباء المدخنون فيبعثون برسالة متضاربة، حتى لو نصحوا أبناءهم بالامتناع عن التدخين، فالبيئة المنزلية التي تُقدّر الخيارات الصحية تشجع المراهقين، بطبيعة الحال، على اتّباع نمط حياة صحي، والعكس صحيح. أما عن أهمية تعزيز ثقة المراهق بنفسه لمقاومة ضغط الأقران المدخنين، فيتطلب ذلك التأكيد على وجود الثقة المتبادلة، وتقديم الدعم المتواصل، إلى جانب التركيز على ذِكر الإنجازات، كبيرة كانت أو صغيرة، فهذا يساعد المراهق على الشعور بقدراته، وتقدير الأهل له، كما أن تهيئة بيئة منزلية داعمة قائمة على التواصل الأسري والتشجيع على الصداقات الجيدة، تعد من أهم الأدوات اللازمة لمواجهة ضغط الأقران».
يجيب د. نيدي كومار «غالباً ما يكون التدخل الطبي مفيداً في الحالات الشديدة، فإذا أظهر المراهق علامات إدمان النيكوتين، أو كان يعاني مشاكل صحية نفسية كامنة، كالاكتئاب أو القلق، أو حاول الإقلاع عن التدخين عدة مرات من دون جدوى، فإن توجيه الطبيب النفسي يُعدّ بالغ الأهمية، خاصة إذا كان هذا السلوك يُمارس للتغلب على ألم عاطفي عميق. بيد أن الوقاية تبدأ من الأساس ببناء علاقة قوية بين الأبناء والآباء، قائمة على الثقة، والتواصل المنفتح، كما أن تثقيف المراهقين حول التدخين يُمكّنهم من اتخاذ قرارات مدروسة، بجانب تشجيعهم على المشاركة في رياضة ما، أو ممارسة هواية، أو أي نشاط يقلل من أوقات الفراغ، ويُعزز تقدير الذات لديهم».