«نماء» تمكّن النساء مالياً.. من الميزانية الذكية إلى الاستثمار الناجح

ما هي الثقافة المالية، وكيف يمكن تعزيز الوعي بها؟ وما هو السبب المنطقي للاستثمار، أو امتلاك أصول مالية؟ وهل المرأة الإماراتية قادرة على اتّباع استراتيجيات الدخل، والإنفاق، والادّخار، في ظل ارتفاع كلفة المعيشة؟ وما هو نطاق الاستثمار الأجدى الذي يمكن أن تقوم به؟
كل هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، كانت مدار نقاش ضمن برنامج «الثقافة المالية» الذي نظمته مؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة، وقدمه المستشار والخبير المالي صلاح الحليان في نادي سيدات الشارقة -فرع دبا الحصن، بهدف تمكين النساء من اكتساب المعرفة والمهارات التي تؤهلهنّ للتحكم في مستقبلهنّ المالي، وإدارة أموالهنّ بفعالية.

خلال تلك الورشة، اطّلعت المشاركات على أدوات عملية في مجال الاستثمار، وتمّ تزويدهنّ بخطوات لتحقيق الاستقلال المالي المستدام. فماذا تعلمن؟ وما هي أبرز الاستراتيجيات التي تسلّحنَ بها، سواء على صعيد الميزانية والادخار، إلى مجال الاستثمار؟
«كل الأسرة» حضرت الورشة والتقت عدداً من المشاركات اللواتي شددن على كون التمكين المالي هو إحدى الدعائم الأساسية لمستقبلهنّ المالي، ورفع الوعي بأهمية الاستثمار وإدارة أموالهنّ بالشكل الصحيح، وبما يساعدهنّ على تحقيق استقلاليّتهن المادية، وبما يعود بالنفع لهنّ، ولأسرهنّ:

تناول البرنامج محاور رئيسية عدّة، أبرزها: كيفية وضع الأهداف المالية، إعداد الميزانية الشخصية، إدارة الديون والقروض، والتعرف إلى الفرص الآمنة للاستثمار، مثل الأسهم، والعقارات، والذهب، والسلع الأخرى، إلى تسليط الضوء على أهمية الترشيد المالي داخل الأسرة.
وفي هذا الصدد، تؤكد منى المزروعي، مسؤول تطوير المشاريع في مؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة، أن برنامج «الثقافة المالية» يندرج ضمن جهود مؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة، وبدعم من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، لتمكين المرأة معرفياً واقتصادياً.
وتلفت منى المزروعي إلى أنّ البرنامج «أتى استجابة لحاجة واضحة في المجتمع النسائي، حيث أظهرت التجربة وجود فجوة كبيرة في فهم السيدات لمفاهيم الإدارة المالية، والتخطيط المالي طويل الأمد، حيث إنّ كثيراً من السيدات المشاركات لا يحدّدن أهدافهنّ المالية بوضوح، ويواجهن عقبات في كيفية وضع الميزانية وإدارة الشؤون المالية داخل المنزل، خصوصاً في توجيه الأبناء نحو الوعي المالي».

وتوضح: «يسعى البرنامج إلى تمكين السيدات ليس على مستوى الوعي فقط، بل عبر الممارسة، وتوفير أدوات حقيقية تساعدهنّ على تجاوز العقبات، وبناء قواعد مالية في حياتهنّ، وأبرزها:
- كيفية تحديد الأهداف المالية الشخصية.
- وضع ميزانية شهرية فعّالة.
- تخطّي العقبات في مجال الديون والقروض.
- التعرف إلى الفرص الاستثمارية المتاحة بطريقة آمنة، مثل الأسهم والعقارات.
وإذ يتركّز هدف «نماء» على توسيع نطاق البرنامج، تؤكد منى المزروعي أن «البرنامج يؤتي ثماره»، حيث «أعاد تشكيل نظرة كثير من النساء إلى دورهنّ المالي داخل الأسرة، وأرسى الوعي تجاه مفهوم الثقافة المالية كضرورة، وليس كخيار، بخاصة في ظل التحدّيات الاقتصادية الحالية».

فتح البرنامج وعي داليا منصور، إحدى المشاركات، على مفاهيم مالية كانت تجهلها. وهي أم لثلاثة أبناء، تقول: «لم أكن أمتلك معرفة مسبقة بالثقافة المالية، ومشاركتي هذه أرست تحوّلاً حقيقياً في وعيي، وإدارتي لشؤوني المالية».
جملة أمور تعلمتها تتوقف عندها، ومنها:
- كيفية ترشيد استهلاك الكهرباء.
- التسوّق الذكي.
- تنظيم مصاريف المنزل ووضع ميزانية واقعية.
وتخلص داليا: «شاركت ما تعلمته مع أولادي وزوجي، وبدأنا نطبّق الأفكار في حياتنا ميدانياً. وأبرز ما استفدت منه هو التخطيط للاستثمار، حيث بدأت أعلّم أبنائي كيف يديرون أمورهم المالية وتعلمت كيفية إدارة مصروف المنزل، وتوقفت عن بعض العادات الاستهلاكية غير المدروسة»، وتنهي حديثها: «اكتشفت كم كنا نجهل تفاصيل هامة، وكنا نصرف بلا وعي. البرنامج أفادني كثيراً، وأضاء لي أموراً لم أكن منتبهة لها».

من خلال مشاركتها في البرنامج، حددّت مريم الظهوري أهدافها المالية وتخطط للاستثمار لاحقاً. وتوجه الشكر لمؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة على هذه المبادرة النوعية التي، كما تقول «علمتني آليات وضع أهداف مالية، والالتزام بها، حيث تطرق المحاضر إلى الادخار، وأهمية الاستثمار في مجالات مختلفة».
وعمّا تعلمته من البرنامج، تؤكد: «تعلمت كيف أضع أهدافاً مالية واضحة، وأدير مصاريفي بوعي. واكتشفت أنني كنت أخصّص المال لأمور غير ضرورية، وهذا كان يعيقني عن تحقيق أهدافي المالية».
وحول آفاق الاستثمار، تجيب الظهوري تقول: «الورشة دفعتني إلى التفكير الجدي بالتوجه نحو مجال الاستثمار»، مؤكدة أن «المرأة الإماراتية اليوم باتت أكثر وعياً بقضايا المال، وهي تدرك أهمية الادّخار، وتؤمن بأن الاستثمار ضرورة لبناء مستقبل آمن».

مبادئ أساسية للتمكين المالي للمرأة
تواصل مؤسسة «نماء» عبر برنامج «الثقافة المالية» رسم ملامح جديدة لتمكين المرأة في الشارقة، من خلال بناء قدرات عملية تتيح لها إدارة حياتها المالية، بثقة ووعي، وتزويدها بالأدوات الكفيلة بتحقيق استقرارها المالي وتمكينها من صنع قرارات أكثر فاعلية على مستوى الأسرة والمجتمع.
وفي هذا السياق، يتوقف المستشار الاقتصادي والخبير المالي صلاح الحليان عند أبرز المطبّات التي تقع فيها المرأة في مجال التمكين المالي وهي «عدم الوعي، وعدم اكتساب المهارات لخوض المجال، وتأثير المجتمع، في ظل تسارع التطورات والظروف المحيطة بهنّ، إضافة إلى عادات مكتسبة ليست بالضرورة أن تكون إيجابية».
ومن خلال البرنامج، تتزوّد المرأة ببعض المبادئ الأساسية، أهمها:
- أهمية اتخاذ قرارات سليمة.
- تحديد الأهداف المالية.
- إدارة النفقات بطريقة سليمة.
- إعداد ميزانية عن وعي والتخطيط السليم.
ويوضح: «الاهتمام بالتمكين المالي، بخاصة في مراحل التخطيط المالي والاستثمار، يعزز قدرة المرأة الإماراتية على اتخاذ قرارات مالية، سليمة ومستدامة. فالأمر يتطلب وعياً جماعياً من الأسرة والمجتمع، في تعزيز ثقافة الادخار والاستثمار، لتتمكن المرأة من إحداث تغييرات إيجابية على المدى الطويل».
ويقرّ بأنّ «من المهم أن نتحمل المسؤولية عن أنفسنا. فلا يمكننا الاعتماد على الدولة فقط، أو الجهات الخارجية، لضمان استقرارنا المالي. يجب أن نتعلم كيف ندير دخلنا، وكيف نختار فرص الاستثمار، لكون القدرة على اتخاذ قرارات مالية حكيمة، والاستثمار بعناية يضمن للمرأة بناء دخل إضافي، وتوفير احتياطيات مالية تؤمّن لها ولأسرتها مستقبلاً أفضل».

باتت المرأة الإماراتية اليوم أكثر وعياً بأهمية الاستثمار في مجالات متنوعة، مثل العقارات، الأسهم، والمشاريع الصغيرة، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات المالية، والتخطيط لمستقبلها المالي، بأسلوب يضمن لها الاستقرار والتمويل المستدام طوال حياتها، وهذا ما يؤكده الحليان، لافتاً إلى توق المرء للتغيير في ظل التحديات القائمة.
ويصف الإمارات بـ«بلد الفرص»، قائلاً: «نعيش في دولة تتمتع بفرص اقتصادية عظيمة، حيث كثيرون استطاعوا القدوم إلى الدولة وبناء مستقبل باهر، لهم ولعائلاتهم، ومن الأجدى أن نستثمر كل تلك الفرص والعوامل المساعدة، من استقرار، ومداخيل، والعمر المديد الذي يتمتع به المواطنون، لاكتساب المهارات والمعرفة لإدارة شؤوننا المالية، وضمان حياة مستقرّة بعد سن التقاعد، وهذا رهن خطة يقدمه برنامجنا ضمن استشارات شخصية».
الاستثمار أحد مفاتيح النجاح المالي للمرأة الإماراتية
ومن هذا المنطلق، يزوّدنا الحليان ببعض النصائح للمرأة في مجال الاستثمار والتمكين المالي، أبرزها:
- تعزيز الدخل.
- فتح مشاريع صغيرة ومتوسطة
- تعزيز الادخار وتوفير جزء من الراتب.
- وقف الهدر في مجال الاستهلاك.
- تحويل المبالغ المدخرة إلى مجالات استثمارية.
ويوضح الحليان: «إدارة الميزانية الشخصية هي الخطوة الأولى في طريق الاستقلال المالي. وبرامجنا لا تقتصر على التوعية فقط، بل نركز على الممارسة الفعلية. ومن خلال ورش العمل والندوات، نساعد النساء على تطبيق المهارات المالية في حياتهنّ اليومية. إذا وضعت المرأة خطة مالية وسارت وفقها، فإن النتائج ستكون مضمونة».
ويوجز: «تمكين المرأة في هذا المجال يعزز من قدرتها على المساهمة في الاقتصاد الوطني بشكل أكبر، ويمنحها الفرصة لتطوير مهاراتها الشخصية، وتوسيع مجالات عملها».
* تصوير: السيد رمضان