29 أبريل 2025

7 خطوات لنجاح التربية المشتركة بعد الطلاق.. من المدربة آن جاكسون

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

بات الحفاظ على الاستقرار النفسي والعاطفي للطفل من النقاط المحورية في تربيته، والارتقاء به، وبالأخص مع ارتفاع حالات الطلاق. واللافت أن الكثير من القصص المأساوية، إذا صحّ التعبير، تنسج تفاصيلها خلال، أو بعد الطلاق، حيث التضارب في التربية بين الوالدين، وتشتت الطفل بين منزلين يقودان الطفل إلى اضطرابات نفسية صعبة.

فما هي المبادئ والخطوات الأساسية لنجاح التربية المشتركة بعد انفصال الوالدين، وضمان الاستقرار النفسي للأطفال؟ وما هي المهارات الواجب توافرها لإنجاح التربية المشتركة للطفل متنقلاً بين منزلين، ولتحويل تحويل مرحلة الانفصال إلى فرصة للنمو العاطفي، والصحة النفسية، لكل أفراد العائلة؟

مجلة كل الأسرة

من هذا المنطلق، تتبدّى أهمية وعي الآباء والأمهات بضرورة الحفاظ على الاستقرار النفسي لأطفالهم، خلال هذه المراحل الحرجة، حيث تشاركنا آن جاكسون، مدرّبة حياة رئيسية ومدرّبة علاجية، أهم المبادئ والخطوات العملية للتربية المشتركة، وكيفية تجاوز تحديات الانفصال من دون الإضرار بتوازن الأطفال العاطفي، وتضع جاكسون بين أيدينا دليلاً عملياً لضمان نشأة أطفال أصحاء نفسياً، رغم تغيّر شكل الأسرة.

تدحض آن جاكسون، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «ون لايف كوتشينغ الشرق الأوسط»، التصور القائم لدى البالغين تجاه الأطفال، وتصوّرهم للعائلة المثالية، وتوضح «على عكس الاعتقاد السائد لدى البالغين، فإن الأطفال عند ولادتهم لا يمتلكون تصوّراً حول الشكل الذي يجب أن تبدو عليه العائلة المثالية، كما أنهم لا يهتمون بهيكل الأسرة المتمثل في وجود، أم وأب، وأشقاء، وسور أبيض يحيط بالمنزل. في الحقيقة، يكترث الأطفال لجوهر العائلة، وهو الاستقرار الذي يعني بالنسبة إليهم عدم التغيير، أو حصول تغييرات بالحد الأدنى، حتى لو كان ذلك التغيير نحو الأفضل. ولذا، ففي حال جرى إنقاذ طفل من الفقر، ووضعه في قصر مع مستوى ضئيل، أو معدوم من الدعم خلال هذا التحوّل، فإنّه من المرجح أن يهرب عائداً إلى البيئة المعتادة بالنسبة إليه التي تمنحه شعوراً بالاستقرار».

مجلة كل الأسرة

وتوضح تحدّيات الانفصال «يواجه الأطفال الذين انفصل والداهم، في أغلب، الأحيان ظروفاً صعبة يمكن أن تؤثر فيهم جسدياً، بما يشمل التغييرات المستمرة في ظروف المعيشة، وتقلّب ولائهم بين الوالدين، والمعاناة من النزاع الحاصل بين الوالدين. ومن شأن هذه التحدّيات أن تتسبب باضطرابات نفسية وعاطفية لدى الأطفال، بما فيها القلق، والاكتئاب، والمشكلات السلوكية، إلّا أنه من الممكن خلق بيئة داعمة ومستقرة للأطفال أثناء مرحلة التربية المشتركة، من خلال اتّباع بعض المبادئ الأساسية؛ إذ يوفر اعتماد الأدوات المناسبة، وتقديم الدعم للأطفال فرصة لازدهارهم في بيئتهم المحيطة الجديدة، ولكن ذلك يعتمد على كيفية سلوك البالغين حولهم في مرحلة الانفصال».

الأبحاث أظهرت أن الأطفال يزدهرون عند العيش في منزلَين سعيدَين بشكل أفضل من عيشهم في منزل واحد مملوء بالخلافات

ما هي المبادئ الأساسية لوضع خطة متوازنة للتربية المشتركة؟

تزوّدنا المدربة جاكسون بهذه المبادئ، وأبرزها:

1- منح الأولوية لاحتياجات الطفل

إن أساس نجاح خطة التربية المشتركة يكمن في منح الأولوية لتلبية احتياجات الطفل. ويجب على الوالدين التركيز على توفير بيئة داعمة، تسهم في تعزيز العافية، الجسدية والنفسية والعاطفية، للطفل؛ كما يتعين عليهما دائماً اتخاذ القرارات التي تصب في المصلحة الفضلى للطفل.

2- الحفاظ على الاستقرار

إن الاستقرار هو عامل محوري في نمو الأطفال، وتعزيز عافيتهم. وينبغي على الوالدين العمل على توفير منزلَين مستقرّين يقلّلان شعور الطفل بالاضطراب، ويمنحانه شعوراً بالأمان. وتبرز العديد من العوامل الأساسية التي تتيح الحفاظ على الاستقرار، بما فيها الروتين المتسق، والتواصل الواضح مع الأطفال، وتقديم الدعم المتبادل لهم.

3- تجنب التعلق الزائد

من الضروري الابتعاد عن التعلق الزائد لتجنب عواقبه التي يمكن أن تتسبب بظهور مشكلات سلوكية، قد تعيق نمو الطفل. ويجب على الوالدين السعي للحفاظ على منهجية متوازنة في التربية، ما يضمن أن يكون لدى الأطفال حدود مناسبة، ومسؤوليات واضحة، وفرص للنمو في كل منزل، حتى لو اختلفت قليلاً بين المنزلين.

مجلة كل الأسرة

7 خطوات لنجاح التربية المشتركة

وتزوّدنا جاكسون بسبع خطوات أساسية تسهم في نجاح خطة التربية المشتركة وضمان العافية المستقبلية للأطفال، وهي:

1- الحديث عن التغيير

إن الزجّ بالأطفال في المشكلات والنقاشات الخاصة بالبالغين هو أحد أبرز الأخطاء التي يرتكبها الوالدان عادة؛ بل يجب حماية الأطفال من النزاعات بين الوالدين، وإبعادهم عن توتر العلاقات الزوجية. يفرض انفصال الوالدين تغييراً كبيراً بالنسبة إلى الأطفال، ولكن التعامل معه بطريقة مناسبة يتيح فرصة التخفيف من أثره فيهم. ولذا، فإن الطريقة المتبعة لإبلاغ الطفل بالخبر مهمة جداً. أوصي الوالدين عادة باتّباع أسلوب بسيط، والقول «لنكن أفضل أب وأم لك، كما نرغب، فإنه من الأفضل أن نعيش في منزلين منفصلين». هذا كل ما يجب على الأطفال الأصغر سناً معرفته؛ أما عندما يكبرون، فسيمتلكون العديد من الأسئلة التي يمكن التعامل معها لاحقاً، من خلال الوقت والصبر.

2- استيعاب طريقة شعور الأطفال بالوقت

تذكّروا العطلة الصيفية الطويلة التي شعرتم بأنها استمرت لمدة طويلة جداً، عندما كنتم صغاراً؛ ذلك لأن الأطفال يمتلكون أسلوباً مختلفاً للشعور بالوقت، مقارنة بالبالغين، حيث تبدو ساعة واحدة بالنسبة إلى الطفل كأنها يوم واحد، كما يبدو اليوم كأنه أسبوع. إن هذه الحقيقة البسيطة هامّة للغاية عند وضع الروتين الجديد.

3- اختيار الوقت المناسب لإبلاغ الأطفال

إن هذه المسألة حساسة جداً؛ إذ يمكن أن يؤدي إبلاغ الأطفال في وقت مبكر، بحيث لا يشعرون بالتغيير لأشهر، إلى إيهامهم بأن الحديث عن موضوع الانفصال لم يحدث أصلاً، الأمر الذي يمكن أن يتسبب بحدوث صدمة كبيرة لاحقاً، عندما يحصل الانفصال. كما لا يُنصح بعدم الحديث مع الأطفال أبداً، ونقلهم من منزل لآخر من دون تنبيه مسبق. فعندما يتخذ الوالدان قراراً بالتربية المشتركة، تبرز أهمية إشراك الأطفال في التأقلم مع الترتيبات الجديدة، بما يتوافق مع عمرهم، حيث يمكنهم المشاركة في وضع خطة التربية المشتركة في وقت مبكر، قدر الإمكان، مع الحفاظ على المرونة والقدرة على التكيّف مع الظروف المتغيّرة.

4- بناء الثقة بين الأطفال والوالدين

إن عدم التواصل بفعالية خلال الانفصال هو خطأ كبير، يمكن أن يؤدي إلى سوء التفاهم، وازدياد التوتر. ولذا، فالثقة بين الأطفال ووالديهم هي عامل محوري من أجل الحفاظ على استقرار الأطفال.

تُبنى الثقة من خلال التواصل الفعّال والشفاف، وهو حجر الأساس لأي علاقة ناجحة. ويتعين على الوالدين الحفاظ على الاستقرار من خلال الالتزام بالخطة، والروتين المختار، وتجنب التغييرات المتكرّرة التي قد تعيق شعور الأبناء بالأمان. وعلى الرغم من الحاجة إلى المرونة في حالات الطوارئ، فإن الحفاظ على الاتساق هو أمر أساسي لصون عافية الأطفال. في الوقت نفسه، ينبغي على الوالدين منح الأولوية للتواصل المباشر والصريح مع أطفالهم باستخدام اللغة المناسبة لعمرهم، مع منحهم مساحة آمنة في كل منزل لمناقشة شؤونهم ومعالجة مخاوفهم، إضافة إلى إجراء التغييرات الضرورية عند الحاجة، بما يسهم في تعزيز عافية الأطفال. كما أنه من الضروري تعديل الخطط الموضوعة لمراعاة نمو الأطفال، وتطوّرهم والتغييرات التي يمرون بها.

5- وضع حدود واضحة

يبرز وضع الحدود الواضحة بوصفه أحد أهم العوامل الرامية إلى ترسيخ الاستقرار لدى الأطفال. غالباً ما يشعر الوالد الذي غادر منزل العائلة بأنه من الممكن له العودة بشكل متقطع للاطمئنان على الأطفال، وتناول الطعام معهم، ومشاركتهم اللعب...

وفي حال قام هذا الوالد بمثل هذا السلوك، فيمكن أن تظهر العديد من المشكلات:

  • بسبب الشعور المختلف للأطفال بالوقت، قد يبدو للطفل أن وجود الوالد استمر لفترة أطول بكثير مما حدث بالفعل، الأمر الذي يتسبب بزيادة صعوبة الوداع.
  • يدرك الطفل أن الوالد موجود لزيارته، وفي عقل الطفل، فإن ذلك الوالد يتركه في كل مرة يغادر فيها، ما يمكن أن يتسبب بشعور متكرّر بالتخلي من قبل الوالد الزائر. كما يمكن أن يتسبب ذلك بالشعور بالذنب، حيث يعتقد الطفل أن الوالد قد تركه بسبب شيء قاله، أو فعله.
  • في حال قام أحد الوالدين بزيارة منزل الآخر بصورة متكرّرة لرؤية الأطفال، يمكن أن يمنح ذلك أملاً زائفاً للأطفال بأن الوالدين سيتصالحان.

يكون الأطفال عادةً مستعدين عاطفياً لمغادرة منزل أحد الوالدين، نحو منزل الآخر، كما يفضلون المغادرة بأنفسهم بدلاً من أن يشعروا بالتخلي. ولذا بدلاً من المغادرة المتكرّرة لأحدهما، يجب على الوالدين احترام الحدود الخاصة بكل منهما، والسماح للأطفال بالمغادرة بأنفسهم من كل منزل.

مجلة كل الأسرة

6- إدارة الخلافات وضمان الاتساق

إن إدارة الخلافات بين الوالدين هي واحدة من أبرز التحديات التي تواجه العائلات عند التحول نحو التربية المشتركة. ويمكن أن تظهر الخلافات ضمن جوانب متعدّدة في التربية، مثل السلوك، والتعليم، والصحة. وللتغلب على هذه التحديات، يتعين على الوالدين التركيز على التواصل باحترام، ومنح الأولوية دائماً للمصلحة الفضلى لأطفالهم.

وتبرز أهمية الحفاظ على الاتساق في كل منزل من أجل توفير الاستقرار للأطفال، الذين يجب أن يكونوا معتادين على القواعد، والعادات اليومية، والتوقعات في كل منزل. لكن ذلك لا يعني أنه يجب على الوالدين اتّباع الأسلوب نفسه في التربية، وهو خطأ متكرّر يقعون فيه. ويمكن للأطفال التأقلم مع أساليب التربية المختلفة بين المنزلين، بما يشابه الانتقال من صف دراسي لدى معلم صارم في المدرسة، إلى آخر أكثر تساهلاً. وتكمن الفكرة في أن يشعر كل من الوالدين بالسعادة والراحة في منزله، إلى جانب كونه عادلاً، ومتسقاً في التوقعات والعادات اليومية، والقواعد التي يضعها، ما يتيح للأطفال فهم ما يمكنهم توقعه في كل منزل.

7- دعم الاحتياجات العاطفية

إضافة إلى أهمية الاستقرار الجسدي، فإن التعامل مع الاحتياجات العاطفية للطفل مسألة موازية في الأهمية. ينبغي على الوالدين الانتباه إلى أحاسيس أطفالهم، ومنحهم تأكيدات ودعم خلال عملية التحول وبعدها. كما يجب تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، وتفهّمها، ما يساعدهم على التأقلم بفعالية مع هذه التغييرات وتلك المستقبلية. ويمكن أن تنعكس الاضطرابات العاطفية لدى الأطفال على العديد من الجوانب، بما يشمل التغييرات السلوكية والأداء المدرسي والعلاقات الاجتماعية. ولذا يجب على الوالدين تمييز المشكلة وطلب الدعم إذا لزم الأمر لمعالجة الاضطرابات العاطفية في وقت مبكّر، وبالتالي منع أيّ مشكلات نفسية طويلة الأمد.

مجلة كل الأسرة

وتوجز جاكسون «تفرض التربية المشتركة بعد الانفصال العديد من التحدّيات، ولكن التخطيط الدقيق والتركيز على تعزيز عافية الأطفال يتيح للوالدين خلق بيئتين مستقرتين وداعمتين لأطفالهم. و وبالنسبة للأطفال، فإن جوهر كل منزل هو ما يهمهم، أيّ الاستقرار والحب، وليس هيكلية المنزل. ومن خلال منح الأولوية للتواصل والحفاظ على الاتساق وتقديم الدعم العاطفي، يمكن للوالدين التعامل مع التعقيدات المرتبطة بالتربية المشتركة، وضمان نمو أطفالهم في بيئة صحية وسعيدة».