تشير الإحصاءات إلى أن 13% من البشر يعانون من أحد أشكال الاضطرابات العقلية، كالقلق المفرط والانهيار العصبي والإدمان وتشويه الذات والوساوس القهرية والشيزوفرينيا.. وهي أمراض وحالات يمكن تلافي ثلثها على أقل تقدير في ما لو.. أحسنّا تربية أطفالنا.
فقد أثبتت دراسة جديدة أُجريت على نطاق واسع من جانب «لوسيندا غروميت» وفريقها في جامعة «سيدني» بأستراليا، أن سوء المعاملة في الطفولة مرتبط بنسبة عالية من تلك الأمراض.
قام الباحثون بتحليل 34 دراسة علمية أُجريت على 55 ألف أسترالي تهدف إلى التأكد من وجود علاقة بين حالات القلق والاكتئاب والإدمان على الكحول والمخدرات والتشويه الذاتي ومحاولات الانتحار وبين سوء المعاملة في الطفولة، سواء أكانت بدنية أو جنسية أو عاطفية، وأيضاً الإهمال العاطفي والبدني الذي يطال الطفل قبل سن الثامنة عشرة.
وقد جاءت النتيجة كالتالي: نصف حالات الانتحار تقريباً وأكثر من ثلث حالات التشويه الذاتي وأكثر من خمس حالات الانهيار العصبي مرتبطة بسوء المعاملة، وهذا بمعزل عن العوامل الوراثية أو البيئية، كالمستوى الاجتماعي والاقتصادية أو الصحة البدنية.
وإذا كانت هذه الدراسة لا تكفي، نظراً إلى أنها إحصائية ولا تستند إلى أدلة ملموسة ودامغة، فإن دراسة «كاثرين جنسن» وفريقها من جامعة «برينستون»، والتي أُجريت حديثاً تقطع الشك باليقين، أي بأدلَّة حسية. صحيح أن التجربة قد أجريت على فئران صغيرة، لأنه لا يصح إجراؤها على بشر، إلا أن نتائجها قابلة للتطبيق علينا.
فقد قامت جنسن بتعريض صغار الفئران إلى صدمات وسوء معاملة لتلاحظ نشاطاً شديداً في منطقتين محددتين من دماغها، وبعد أن كبرت هذه الفئران تم تعريضها مجدداً لوضعيات صعبة ليعود النشاط ذاته في المناطق ذاتها، ما يعني أثر سوء المعاملة لا يُمحي من الدماغ، هذا علماً أن الفئران التي عانت من طفولة مؤلمة كانت تتجنب باستمرار التعاطي مع بني جنسها أي أنها كانت تسلك سلوكاً اكتئابياً نموذجياً.
كل هذا للقول إن سوء المعاملة وغياب الرعاية أو الحنان في الطفولة يجب أن تشكل أولوية من أولويات الاهتمام بالصحة العامة، وهي ليست بالتالي مسألة شخصية، وهذا يعني أنه يجب تطبيق إجراءات متصلة بالطب النفسي الوقائي كبرامج تثقيف الأهل، وأطول إجازات أمومة وأبوة ممكنة، وإجراءات دعم للأطفال الذين يعانون من وضعيات صعبة... إن إجراءات كهذه وسواها هي بمثابة استثمار مجزٍ بالنسبة لما ينتظر هؤلاء الأطفال ومجتمعهم في المستقبل، إذ ليس العلم في الصغر وحده كالنقش في الحجر، بل سوء المعاملة أيضاً.
اقرأ أيضاً: كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟