11 مارس 2024

الإنترنت يمنعنا من التركيز ويدخلنا في دوامة "الشرود الذهني"

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

الإنترنت يمنعنا من التركيز ويدخلنا في دوامة "الشرود الذهني"

بقدر ما نتصفّح الإنترنت بقدر ما ينقلب دماغنا إلى «الشرود الذهني» متى ابتعدنا عن الإنترنت. وهذه حالة يستحيل معها التركيز.

كم من شخص سمعته يقول «لم أعد قادراً على القراءة»، وربما كانت هذه حالتك أيضاً. بقدر ما تقضي وقتاً أطول في تصفح الإنترنت، سواء خدمة لعملك أو بصفة شخصية، بخاصة إذا ما كنت تتابع على الدوام أفلام فيديو رائجة لأنها ممتعة، وقصيرة، ومسلية، تكون شكواك أكثر حدة. فحين يقضي المرء أيامه في مشاهدة هذه المقاطع، واختيارها، وتصنيفها، سيجد من المستحيل بالنسبة إليه أن يعاود الانغماس في كتاب، حتى لو كان من كتبه المفضّلة، لأن انتباهه يضيع منه.

الإنترنت يمنعنا من التركيز ويدخلنا في دوامة "الشرود الذهني"

حالة «تعرية الانتباه»

يطلق على هذه الحالة اسم «تعرية الانتباه». ومن يعاني هذه الحالة يحمل في دماغه، كما باقي الناس، شبكتين متعايشتين: شبكة عصبونات توجه الانتباه نحو المحفزات الخارجية، من صور وأصوات وفيديو.. إلخ، وشبكة أخرى تنشط حين لا يقوم المرء بأي شيء معين، فتجره نحو حالة من الشرود الذهني. ويطلق على هاتين الشبكتين: «شبكة الانتباه الظهرية» و«شبكة الانتباه العادية»، ونعلم بفضل الأبحاث التي أجريت في العقدين الأخيرين، أن هاتين الشبكتين تتناوبان، فحين نشاهد فيديو على الإنترنت، تشتعل شبكة الانتباه الظهرية وتنطفئ شبكة الشرود. وحين نوقف الفيديو، ترجع شبكة الشرود للاشتعال، بينما تنطفئ شبكة الانتباه الظهرية.

واليوم، حين يتناول أيٌّ كان كتاباً، يكون بحاجة إلى أن يكبح جماح شبكة الشرود الذهني، وينشط شبكة الانتباه الظهرية. لكن هذه الأخيرة قد اعتادت العمل عن طريق محفَّزات حماسية، وفيديوهات ملونة، وذات إيقاع، تتجدد بسرعة كبيرة كل عشر ثوانٍ تقريباً. والنتيجة أن هذه الشبكة لا تعود قادرة على البدء بالعمل عن طريق كلمات بسيطة، أو جمل طويلة، فتترك المكان لمصلحة شبكة الشرود، لنفقد انتباهنا بما هو مكتوب في الكتاب بعد قراءة ثلاث جمل منه.

لحظات انتباه عائمة

قام باحثون من جامعات «سنداي» في اليابان وفي إيران بقياس هذه الظاهرة. وزّعوا على المشاركين في التجربة التي أجروها، اختباراً يقيس مدى إدمانهم على شبكة الإنترنت. وتبيّن أنه كلما كان الشخص مدمناً على الشبكة، كان من الصعب عليه أن يكبح شبكة الشرود حينما يتعيَّن عليه أن يقوم بمهام تتطلب القليل من التركيز. ونحن نعلم أن نشاط شبكة الشرود هو عبارة عن حالة مزعجة نوعاً ما، وقد أجريت تجارب نشرت في عام 2014 في جامعة فيرجينيا، بيّنت أننا لا نحب أبداً لحظات الانتباه العائم هذه التي تثير شعوراً بالفراغ والملل لدى الكثيرين.

الإنترنت يمنعنا من التركيز ويدخلنا في دوامة "الشرود الذهني"

كيف تتجنّب الشرود الذهني؟

ما السبيل إذن، إلى إسكات شبكة الشرود؟ الحل موجود وحاضر وهو: الإنترنت! فيديوهات ونقرات ومحفِّزات ضوئية يمكن تغييرها بسرعة وبلا نهاية. يوميات إخبارية لا تنتهي، وتغريدات يتم النظر إليها حتى ساعات متأخرة بدل النوم، كل هذا من أجل تجنب إيقاظ شبكة الشرود، وهذا الشعور المزعج جداً بالعوم. وهذا كله ممكن بواسطة الهاتف الذكي بمتناول يدنا. لكن بالطبع، كل هذا يضعف شبكة الانتباه الظهرية. فترتسم الحلقة المفرغة التي تخلق أسس الإدمان.

بالطبع، ثمة وسيلة أفضل لإسكات شبكة الشرود، وهي التأمّل، أو المشي مطوّلاً في الطبيعة. التأمّل الواعي تماماً يناوب ما بين هاتين الشبكتين من العصبونات في دماغنا، ويعلّمنا كيف نطفئ، بين الفينة والأخرى، شبكة الشرود بواسطة التركيز وحده، من دون أضواء، ولا موسيقى، ولا إيقاع. يتطلب الأمر جهوداً، لكن في النهاية ستتمكنون من قراءة الكتب التي تحبونها.

 

مقالات ذات صلة