11 مارس 2024

د. هدى محيو تكتب: هل الأسف ضرَّ ما نفع؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: هل الأسف ضرَّ ما نفع؟

«لا تأسف على شيء»، هي نصيحة كثيراً ما نسمعها، أو نقولها لأنفسنا، بحجّة أن الأسف لا ينفع في شيء، وأن ما مضى قد مضى، ولا نستطيع تغييره.

الجزء الأخير من الجملة السابقة صحيح، لكن هل حقاً أن الأسف لا ينفع في شيء؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، دعونا ننظر من كثب إلى أنواع الأسف، وطبيعته.

ولنقل بداية، إن الأسف هو الثمن الطبيعي الذي ندفعه إزاء حرية القرار والاختيار التي نتمتع بها، ومن ليست لديه هذه الحرية لا مجال أمامه سوى الأسى، وليس الأسف. فهل من يتمتع بهذه الحرية يأسف أكثر على ما قام به، أو على ما لم يقم به؟

تختلف الإجابة عموماً، بحسب الزمن. على المدى القصير، نأسف على ما قمنا به؛ وعلى المدى الطويل نأسف على ما لم نقم به. لماذا هذا التباين؟ حين نقوم بعمل ما، نكون شهوداً على النتائج التي نحرزها، وما علينا سوى أن نحذف هذا العمل حتى نحذف نتائجه: «لو لم أتكلم على الهاتف وأنا أقود السيارة لما تسببت بحادث سير».

وفي المقابل، ثمة نتائج متعددة يمكن أن نتخيلها فيما لو تصرّفنا بشكل مغاير، في وقت سابق: «لو قررت اختيار دراسة الطب لكنت اليوم طبيباً مشهوراً ولكان عملي مشوِّقاً»، أو ربما سواها من الإمكانات... وقد يكون هذا هو النوع من الأسف الذي يُحكى أنْ لا فائدة منه.

لكن دراسة حول الأسف شملت 16 ألف شخص من 105 بلدان تمكنت من التعرف إلى أربعة أنواع أساسية من الأسف. النوع الأول، هو ما أطلق عليه اسم «الأسف المؤسس»، ويتعلق بكل ما كان بوسعنا أن ننجزه خلال شبابنا، لكننا لم نفعل (إكمال الدراسة، الحياة الصحية...)، وهو متصل بحسّ المسؤولية الذي ندركه حينما نكبر.

ويتصل النوع الثاني بالأعمال التي تتطلب شجاعة، كالاعتراف بمشاعرنا، أو الاستقالة من عمل غير مناسب، أو مواجهة شخص...

أما النوع الثالث فهو الأكثر إيلاماً، لأنه متعلّق بالحسّ الأخلاقي، وتخطّي القواعد الأخلاقية التي نؤمن بها، كالكذب، أو الخيانة، أو السرقة. ويأتي أخيراً النوع الرابع المرتبط بالعلاقات التي أهملناها، ولم نُعِرها من وقتنا القدر الكافي، فترهّلت، وزالت.

وفي الحقيقة، فإن هذه الأنواع الأربعة من الأسف تكشف في العمق، القيَم التي نحملها، وما نعتبره مهمّاً في نظرنا. فالأسف المؤسس يعني أننا نقيم وزناً للمسؤولية، والنوع الثاني يعني أننا نسعى خلف النمو والازدياد، والنوع الثالث، أننا نود التحلي بأخلاق رفيعة، والنوع الرابع يشير إلى حاجتنا إلى الحب.

كل هذه الأنواع من الأسف تجعل منّا بشراً يحملون قيَماً وأهدافاً لم نتمكن دائماً من تحقيقها. والإحساس المزعج بالأسف يدفعنا إلى تصحيح أخطائنا، واستدراك ما فاتنا، وفي حال استحال التصحيح، يدفعنا هذا الإحساس إلى عدم تكرار الخيار الخاطئ مرة أخرى. فهل حقاً أن الأسف لا ينفع في شيء؟

 

مقالات ذات صلة