رحلة في عالم العطور الخليجية عبر "معرض الإمارات للعود والعطور"
صناعة العطور في الإمارات جزء أصيل من تراثها الثقافي، حيث ارتبطت العطور منذ القدم بالحياة اليومية للمجتمع الإماراتي، وشهدت هذه الصناعة تطوّراً ملحوظاً، في السنوات الأخيرة، لتصبح صناعة رائدة في المنطقة..
وقد لعبت النسخة الثانية من معرض «الإمارات للعود والعطور»، التي انطلقت أخيراً، في مركز إكسبو الشارقة، دوراً محورياً في تعزيز هذه الصناعة، والترويج لها، من خلال توفير منصة لعرض أحدث الابتكارات في عالم العطور، والتواصل بين العاملين في هذا المجال، وتعريف الجمهور بأهمية العطور، وتنوّعها، حيث شارك في المعرض 100 عارض، وأكثر من 500 علامة تجارية من أشهر علامات العطور، المحلية والعالمية.
ترتبط العطور ارتباطاً وثيقاً بالهوية الثقافية للشعوب، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من التراث الإنساني، وخلال جولة «كل الأسرة» في المعرض، كشف العارضون عن العديد من أسرار هذا المجال، ودورهم في الحفاظ على هذا التراث، وتعريف الأجيال الجديدة بأهميّة العطور، وتاريخها.
العطور.. صناعة ممتدة الجذور
من جهته، أشار ناصر راشد المعمري إلى تشرّب أفراد المجتمع الإماراتي لثقافة العطور، وحرص صنّاعها على توريثها للأجيال القادمة، وقال «منذ القِدم ارتبطت حياة الإماراتيين بالعود، والبخور، والعطور، وقد حافظنا على هذه المهنة منذ عام 1985، فهذه المكوّنات العطرية جزء لا يتجزأ من طقوسنا اليومية، وليست مجرد وسيلة للتزيين، بل أسلوب حياة ترسخ في أعماق البيوت الإماراتية..
فأواني البخور التي نصنع بها البخور يدوياً، شاهدة على حفاظنا على هذه الحرفة، بل وتطويرها لمواكبة العصر، مع الحفاظ على الجودة، والثبات، فأبرز ما يميّز البخور الإماراتية روائح العنبر، والمسك، والسخاء في صبّ الزيوت الطبيعية الخالية من أيّ مكونات صناعية على العود الطبيعي، فهذه هي الجودة التي أتحدث عنها».
عطور تعكس الشخصية
وأضاف المعمري «نحاول نحن الشباب العاملين في هذا المجال، أن نضيف لمسات عصرية تناسب الأذواق الجديدة، وهذا ما حققته في العديد من العلامات التي صنعتها، وأبرزها «تريبل»، كما نحرص على خلق ذوق جديد يعكس شخصية مستخدم العطر حسب طلبه، فهناك بعض الأسئلة التي نوجّهها لأي شخص يريد صناعة عطر يشبه شخصيته، هذه الأسئلة ترتبط بنوعية الأكل الذي يحبّه، الألوان، المشروبات، الزهور.. ومن خلالها يمكن صناعة عطر خاص به، يعبّر عنه، ويعزز صفاته الشخصية».
صانع العطور مثل الشيف
أما سعود الكريدي، خبير وصانع عطور، فكشف عن سر آخر من أسرار عالم العطور، وهو متذوّق العطور، وبيّن «العطور عالم، وبحر، وذوق، ونحن نصنع عطورنا على نهج معيّن، فصانع العطور مثل الشيف، له نهكته الخاصة، وطريقته التي تميّزه عن الآخرين، ونحن أيضاً نستعين بخبراء شمّ العطور لتقييم جودة أيّ عطر جديد.
ففي هذا المعرض على سبيل المثال، أشبّه كل علامة بالمطبخ الذي يُعد طبخته، أو خلطته بطريقة تختلف عن غيره، على الرغم من أن المكوّنات واحدة، ولكن بمجرد المرور من أمام أحد المتاجر وشمّ رائحة العطر، تعرف مباشرة اسم العلامة، ومن الذي صنعها».
تطوّر صناعة العطور
أما مصممة العطور منى السيد، فتحدثت عن دراسة تصميم العطور «لديّ علامة «جي إف»، وقد تخصصت في دراسة تصميم العطور كي أستمر في هذا السوق الذي يشهد منافسة شديدة، بعلم وفهم لكيفية مواكبة التطوّر، وتقديم عطور مميّزة.
ودراسة العطور تشمل أكثر من جانب، أبرزها التعرف إلى طريقة استخلاص العطور من خلال معرفة النوتة العطرية، فكل زيت عطري له خصائص معيّنة، وله كثافة عالية، أو خفيفة، فتعلّم كل هذه الأمور يقودنا إلى التعمّق بالتدريج في هذا العالم، وصناعة علامات إماراتية خالصة مئة في المئة، تنافس بقوّة، عالمياً ومحلياً».
المواطن الخليجي عاشق للعطور
يقول عادل العنيزي، صاحب علامة «تفاصيل» الكويتية «عالم العطور مثل أيّ مجال آخر، فيه خبايا، أخطاء، غش، تحدّيات.. ولكن صناعة العطور، بشكل خاص، لابدّ أن تكون متوارثة، وتعاملنا مع العطور في المجتمعات الخليجية هي التي عززت هذه الصناعة.
فالتعطّر لدينا عادة تتكرّر كثيراً في اليوم الواحد، وهو أسلوب حياة أسهم في استمرار نجاح العاملين في هذا المجال، ولكن بشرط أن يكون مبتكراً، كي يجدد من العطور التي يقدمها بخلق تركيبات خاصة. بل حتى التصميم الخارجي للعطر يلعب دوراً أساسياً في اكتمال عناصر الجذب، فمن جهتي اعتمدت على مصمم ملاعب كرة قدم سابق لتصميم شكل العلامة الخاصة بي، كي يقدم لي شيئاً خارج الصندوق».
تعزيز مكانة المرأة في صناعة العطور
حديثنا مع ريما عبدالله الشرفاء، صاحبة علامة «التنهات»، ركّز على مكانة المرأة الإماراتية في صناعة العطور، حيث أكدت أن دولة الإمارات تدعم المرأة في جميع المجالات، وفي مجال العطور حظيت بالكثير من الدعم والثقة، وأوضحت «لا يمكن أن يكون هناك دعم أقوى من ثقة قادتنا بعطور صنعت خصيصاً لهم، فهذا يعطي دافعاً كبيراً للاستمرار، والتميز.
فالمرأة هي أصل صناعة العطور في الإمارات منذ القِدم، فكل امرأة في هذا الزمن كانت تصنع العطور في منزلها، ونحن ورثنا هذه الصنعة، وطوّرناها كصناعة يشهد العالم بجودتها، فكل أسرة، وكل عائلة لها شيء معيّن يتميز بها في عالم العطور، وعلى الرغم من المنافسة العالمية الكبيرة، نجحت الإمارات في احتواء العطور العربية، والفرنسية، والعالمية، على أرضها بسبب تحفيز مجتمعنا لهذه الصناعة، خصوصاً المرأة الإماراتية التي تعمل في هذا المجال.
ففي يوم المرأة الإماراتية نحن نصنع عطراً خاصاً بهذا اليوم، ودورنا هو تحفيز الأجيال الجديدة لتعلّم أسرار هذه المهنة، وتعلّم النوتات الخاصة بها، والحفاظ على مهنتنا، ومكانتنا العالمية في هذا المجال».