عاد مسلسل الكرتون الإماراتي «فريج»، في موسمه السادس، بعد انقطاع نحو 11 عاماً، بحلّة جديدة، وتقنيات جديدة، مع الحفاظ على شخصياته الرئيسية «أم سعيد»، «أم سلوم»، «أم علاوي»، و«أم خماس».
واللافت هو انطلاق جميع مواسم مسلسل «فريج» على منصة شاهد، كما إطلاق الموسم السادس منه على المنصة نفسها، بحيث يورد الفنان محمد سعيد حارب، صاحب فكرة ومخرج ومؤلف مسلسل «فريج»، دوافع الانتقال إلى «شاهد»، ويتوقف عند سنوات الانقطاع الـ11، بوصفها «غياباً مدروساً»، لافتاً إلى أن عالمية «فريج» تنبع من محليّته، وتماسّه مع قضايا المجتمع الإماراتي.
في حوارنا معه، يطلّ محمد سعيد حارب على عوالم السينما، وعلى مرافئ الإبداع التي يرسو فيها، باعتبارها «أماكن جديدة لا ترسو فيها سفينة محمد سعيد حارب للأبد، ولكن هي مراسٍ أتعلم منها، وأقدّم رؤية تأتي من عالم الكرتون وتوظف في عالم آخر».
موسم جديد من عودة «فريج» بعد أكثر من عشر سنوات، ما هي رمزية تلك العودة؟
طبعاً، نحن سعداء بالرجوع إلى جمهورنا الكريم بعد انقطاع 11 عاماً، وهذا يدّل على أن جيلاً كاملاً كبر، وجيلاً كاملاً نضج أكثر، بموازاة نضجنا في الطرح.
في المواسم السابقة لم نكن متسلسلين في عرض المسلسل، حيث قدمنا ثلاثة مواسم وانقطعنا لعامين، ومن ثم قدمنا موسماً آخر، وعدنا للانقطاع عامين متتاليين، وقدمنا موسماً آخر قبل أن نختفي لمدة 11 عاماً.
هذا الغياب مدروس، لأنّ المواضيع غالباً ما تكون خاصة بزمن معيّن، وفكر معيّن، ونشء معيّن، وعندما نشعر بأنّنا غطّينا هذه المرحلة الزمنية، بمواضيعها وقضاياها والرسائل المعنية، وسبل تقديم الترفيه، من الناحية التقنية والفكرية والترفيهية ومن ناحية الصوت والشعر وغيرها، يصبح هناك امتلاء وغزارة في هذا الجانب، إذ لا نرغب أن نكون رهينة التكرار. لذلك، ارتأينا استغلال توقف المسلسل، والإبحار نحو مجالات إبداعية أخرى، سواء عبر الأفلام التي قدمتها، أو عبر تصميم تمائم «إكسبو دبي» وتجديد شخصية مدهش، وهي الشخصية الرسمية لمدينة دبي.
عدنا لنقدّم «فريج» في القالب التراثي نفسه، ولكن بطروحات مختلفة تواكب تقدم الزمن، من خلال وجود الذكاء الاصطناعي، والمشكلات المستجدة في مسار عاداتنا وتقاليدنا، وتسليط الضوء على مواضيع أكثر نضجاً، تتماهى مع نضج الجمهور إعلامياً.
والحمد لله، وجود «فريج» في هذا العام، وتقديم مواضيع تلامس الجيل القديم، والجيل الحديث، هو سبب من الأسباب الرئيسية لتكون العودة بكل هذه الجمالية، إضافة إلى تزويده بالتقدم التقني، حيث استثمرنا التقنيات المبهرة من تقنية طرح الرسوم المتحركة، والصوت، والشعر، والموسيقى، وغيرها، ليكون الوقت المثالي لتقديم موسم جديد.
هذا الانتقال إلى منصة «شاهد» ومجموعة إم بي سي، ما دوافعه، وهل هذا الانتقال يعزّز من جماهيرية «فريج» ويواكب شوق الناس؟
في البداية، أوجّه تحية شكر إلى مؤسسة دبي للإعلام على دعمها لمسلسل «فريج» في مواسمه السابقة، ولكن خلال هذه السنوات العشر الماضية، لاحظنا تطوراً ملحوظاً للإعلام الرقمي، أو طرح المسلسلات على المنصات الرقمية، ومنها منصة «شاهد»، التي تعتبر حالياً الأقوى في الوطن العربي، من ناحية طرح المحتوى بطريقة لا تؤثر فيه الإعلانات، ولا تشوّه سياقه التسلسلي بفواصل إعلانية في منتصف العمل.
تستغرق كل حلقة من «فريج» 15 دقيقة، وبذلك فإن وضع ثلاثة فواصل إعلانية يشكل إرباكاً لتسلسل العمل، وبالتالي، فإن المشاهدة المجانية تتخللها الإعلانات، ولكن هناك قناة مخصصة تعمل على مدى 24 ساعة لعرض المواسم السابقة، ومن يرغب في مشاهدة المسلسل من دون إعلانات، يدفع باقة اشتراك.
أما الدافع الآخر لتوجّهنا نحو «شاهد»، فهو ميل الجمهور إلى مشاهدة المحتوى متى ما يرغب ويريد، ويعيد، ويكرر، وهذه الميزة متوافرة بقوة في منصة «شاهد»، ولله الحمد أن منصات أخرى بدأت تتلمّس حضورها في الإمارات، ولكن ارتأينا، في الوقت الحالي، اختيار منصة «شاهد» لكونها الأنسب للمسلسل، وبالأخص أنه مسلسل إماراتي، ومن أوائل الأعمال الإماراتية التي تطرح في «شاهد».
«فريج» في نسخته السادسة يحمل بصمات جديدة، وأفكاراً جديدة، وينمّ إنتاجه عن مجهود كبير. هل يمكن القول إن فترة توقفه كانت عاملاً في عودته بهذه القوة، وهل تنوي إرجاعه سنوياً؟
بصراحة، أي طرح لـ«فريج» يكون وراءه إنتاج أو مجهود كبير. ولكثرة ما اعتاد الناس على مشاهدة الكرتون بهذه السلاسة، ينسون بالفعل أنّه كرتون مبتكر، بكل أجزائه وبكل فقرة، وكل حركة، وكل مجسم تمّ رسمه. فهذا يستغرق جهداً كبيراً، وتفكيراً في كيفية تقديم الشخصية، ألوان الشخصية، وتفاصيلها، تفاصيل المكان، والقصة، الصوت، الصورة، الموسيقى التصويرية، وهذا كله نتيجة مجهود جبار من جنود كثيرين مجهولين في فريق العمل.
وكما ذكرت سابقاً، أنّه بعد انقطاع 11 عاماً، هناك أفكار جميلة، وتقنيات تساعد على طرح هذه الأفكار الجديدة وتقديمها، حيث باتت هناك سلاسة وسرعة أكثر في الإنتاج، ليس لتقديم المنتج، ولكن لتلمّس النتائج بسرعة أكبر، بحيث استطعنا التنقيح والتجميل والتحسين من المسلسل، أو تعديل القصة بفضل التقنيات، ما ساعدنا على رصد النتائج والقدرة على التعديل، ما أدّى بالمسلسل إلى «نقاوة جميلة»، وطرح أجمل. وبالعكس، مع تطور الوقت والزمن وآليات العمل، استطعنا تقديم منتج بجودة أكبر.
ماجد الفلاسي، الصديق الذي رحل وترك صوت «أم سعيد»
ندرك تماماً أثر غياب شخصية «أم سعيد» حيث أصررت على بقائها رغم وفاة الصوت الرئيسي لها وهو صديقك ماجد الفلاسي. هل هذا الإصرار هو إحياء لذكرى الصديق الفلاسي؟
هذا السؤال يطلّ على شخصية «أم سعيد» التي كان يلعب دورها، المغفور له بإذن الله، الصديق والأخ ماجد الفلاسي. ماجد ليس صديقاً، ولا ممثلاً فقط، بل هو أخ، وعزيز، وجاري، والفقد على مستوى شخصي جداً، وهو من أسّس شخصية «أم سعيد»، وأعطاها هذه الروح الجميلة التي سكنت هذه الشخصية. غياب ماجد لا يعني توقف «أم سعيد» لكونها شخصية تمّ ابتكارها قبل دخول ماجد إلى مجال الإعلام، وهو (أي ماجد) كان على دراية بوجود موسم سادس لـ«فريج»، وكان متحمساً جداً لهذا الموسم أثناء التحضير له، ولكن القدر لم يسعفه لنحقق معه هذا الجزء، وهذا شجعني كثيراً، على أن أكمل المسيرة في «فريج»، في محاولة إيجاد صوت يطابق شخصية «أم سعيد» ولا يطابق صوت ماجد، لأن صوت ماجد لا يتكرّر.
ولكن سلامة السويدي أبهرتني، وأبدعت، واستطاعت فعلاً، أن تمثل وتلامس روح شخصية «أم سعيد»، و«الكراكتر» (أي الطابع) الذي كنا نحتاج إليه لشخصية «أم سعيد»، والحمد لله، الصوت الجديد لاقى قبولاً كبيراً من الجمهور.
صوت ماجد الفلاسي لا يتكرّر ولكني فوجئت وانبهرت بصوت سلامة السويدي وهي تؤدي صوت «أم سعيد»
ولكن كيف استطعت أن تدرّب الصوت البديل، وهل استخدمت أيّاً من وسائل الذكاء الاصطناعي لتقريب «تون» الصوت إذا صحّ التعبير؟
بالنسبة إلى التدريب، كل الأصوات تحتاج إليه. ثمة أصوات كثيرة لممثلين محترفين، ولكن الأصوات المبتدئة سواء صوت «أم سعيد» مع ماجد الفلاسي في بدايته، أو سلامة السويدي حالياً، وهي في الأصل مذيعة مرموقة في مؤسسة دبي للإعلام، فهؤلاء كلهم يحتاجون إلى صقل تمثيلي لا بد منه، وهم يطلبون هذا الشيء، ومن جهتنا، نحرص على تقديم نبرة الصوت، والحس التمثيلي الذي يطابق الشخصية.
أما الذكاء الاصطناعي فيختلف عن هندسة الصوت. الذكاء الاصطناعي هو أن تطلب من الكمبيوتر أن يأخذ صوتاً معيناً ويحوّله إلى صوت آخر، وهذه التقنية لم نستخدمها أبداً تكريماً لصوت ماجد، إذ لم نرغب في تغيير الصوت، ولكن صوت ماجد هو صوت رجل، واضطررنا لرفع الطبقة وتقريبه إلى صوت امرأة عجوز، في حين أنّ صوت سلامة السويدي هو صوت نسائي، وعمدنا إلى تخفيض «طبقتين تون» ليكون الصوت قريباً من صوت شخصية «أم سعيد الأصلية»، باستخدام الهندسة الصوتية، وليس الذكاء الاصطناعي.
نعرف أن «فريج» تمّت دبلجته أو دبلجة بعض حلقاته إلى اليابانية، هل هذا الأمر يسهم في انتشار فريج عالمياً ونقل مفردات التراث الإماراتي للعالم؟
نعم، تمّت دبلجته إلى اللغة اليابانية، وهذه شهادة نعتز بها، وبالأخص أن اليابان هي بلد الكرتون. انتشار فريج عالمياً ليس مغزى نهدف إليه، بل نهدف إلى ترسيخ هويتنا، تراثنا، ملامح حياتنا، لأهل بلدنا وللوطن العربي. فهذا هو الهدف الرئيسي، وأي شيء يأتي بعده يمكن إدراجه من قبيل الصدفة الجميلة، وأمر يبعث الفرح في نفس الإنسان، لكون إنتاجه بات يواكب المستوى العالمي، وبهذه الجودة.
في النهاية، نحن سعداء بهذا الإنجاز، ولكن الإنجاز الأكبر هو إسعاد الجمهور في الخليج، وفي الإمارات، وفي الوطن العربي.
وهل ترجمة الحلقات إلى لغات أخرى قائمة وبالأخص مع «شاهد»؟
قد تكون الترجمة إلى لغات أخرى كالإنجليزية، وهذا ليس مؤكداً. فقد دأبنا على تقديم العمل باللهجة الإماراتية، ومن ثمّ نعرج بعدها، بعام أو عامين، لتقديم بدائل لتوافره بلغات أخرى، ولذلك، نأمل أن يتوافر بترجمة أجنبية على منصة «شاهد».
هذا المسلسل الكرتوني الأول في الإمارات ما زال يحافظ على روح الفكاهة، كيف استطعتم الحفاظ على هذا المنحى من الكوميديا الهادفة؟
الكوميديا الهادفة أساسها احترام الجمهور، واحترام الشخصيات، والمادة التي تقدمها، وبالأخص أننا نتكلم عن قصة أربع عجائز إماراتيات، وهذه شريحة موضع احترام وإجلال في مجتمعنا الإماراتي، ونفخر بها، ونجلّ ما قدمته من تضحيات وتربية للجيل الحالي. عاشت تلك الشريحة أياماً بسيطة وجميلة، ومن المهم جداً تسليط الضوء عليها.
نقدم المواضيع بطريقة كوميدية تحترم الجمهور، من سن الـ5 سنوات إلى الـ60 عاماً، ونكون حريصين دوماً على توافر ما يشبه «البوكيه»، أي تشكيلة جميلة من أدوات الطرح في الحلقات، سواء الطرح الموسيقي، التراثي، القصصي، والشعري، وحتى الطرح الكوميدي، حيث إن هذه الطروحات تسير في سياق متناغم يحترم ذائقة الجمهور، وفكره، ونبتعد كليّاً عن الضحك المبني على الإسفاف.
الإمارات باتت سبّاقة في الطرح السينمائي خليجياً من ناحية جودة الأعمال وتنوّعها
خلال فترة الغياب، عملت في مجال الإخراج السينمائي وحققت نجاحاً لافتاً في فيلمي «راشد ورجب»، و«ملك الحلبة»، وعرض الأخير عبر نتفليكس.. كيف ترصد معالم السينما في الإمارات؟
الحمد لله، كنت حريصاً على أن أخرج من عالم الكرتون، وأبحث عن عوالم أخرى للإبداع، كالكتابة الشعرية للأغاني العربية وأنجزت أعمالاً غنائية عدّة، مع عدد من المطربين، من إنتاجي وكلماتي، وبعضها من ألحاني.
دخلت إلى عالم السينما من أوسع الأبواب بثلاثة أعمال، أحدها عمل عالمي كرتوني، و هو «النبي» لجبران خليل جبران، مع الممثلة القديرة سلمى حايك، وبالتعاون مع مؤسسة الدوحة للأفلام، ومن ثم أنجزت عملاً إماراتياً عزيزاً على قلبي وهو «راشد ورجب» تمّ إنتاجه بكل التقنيات الحديثة والضخمة، وهو عمل عالمي في طرحه، وصورته، وموسيقاه.
وهناك فيلم كان صعباً جداً بالنسبة إلي، وهو «ملك الحلبة»، فيلم أكشن سعودي مصري.
ليس بالضرورة أن تكون الأماكن الجديدة هي أماكن ترسو فيها سفينة محمد سعيد حارب للأبد، ولكن هي مراسٍ أتعلم منها، وأقدّم رؤية تأتي من عالم الكرتون وتوضع في عالم آخر، فيكون النتاج مزيجاً غريباً، وكله يؤدي إلى أن الفرد ينضج أكثر في طرحه التقني، والفكري، والإبداعي.
وعلى صعيد السينما، ففي الإمارات، ورغم صغر مساحة الدولة، ومحدودية دور العرض التي تشهد في الإمارات تزاحماً وتسابقاً من الأفلام العالمية، هناك دعم كبير من السلطات الإنتاجية للأفلام، مثل شركة «إيميجيشن» في أبوظبي، وهي حريصة على دعم المخرجين الإماراتيين، وتقديم أعمالهم بأحلى حلّة، وتشجيعهم على تقديم أفكار غير مألوفة وغريبة، ما ينعكس على السوق، ليس بالمعنى التجاري، بل فنياً، حيث أشعر بأن الإمارات باتت سبّاقة في الطرح السينمائي خليجياً، من ناحية جودة الأعمال وتنوعها.
نعرف أن جائحة «كورونا» غيّرت من قواعد الصناعات الإبداعية، كيف تواكب هذه الصناعات الإبداعية من خلال الاستوديو الإبداعي الخاص بك؟
كلنا تأثرنا جراء جائحة «كورونا»، ولكن جمالية الإنتاج الكرتوني أنه يقوم، بشكل كبير، على استخدام الحاسوب.
عندما شعرنا بثقل الجائحة، وآثارها، قررنا العمل من البيت، وكنا نلتقي يومياً عبر تقنية «زوم»، ونتناقش ونرى الرسومات، ولم يتعطل عملنا، في وقت أن الكثير من الشركات عمدت إلى الإغلاق، سواء شركات تنظيم الفعاليات وشركات السينما أو شركات التصوير الحي، ولكن أمكن استكمال عملنا من البيت في مجال الكرتون، وكنا محظوظين من هذه الناحية.
سبق وحققت خطوة باتجاه العالمية سواء عبر فريج أو فيلم «النبي» لجبران خليل جبران، ما الطموحات التي تحاكي محمد سعيد حارب، وماذا تحدثنا عن بعض مسارات المستقبل؟
العالمية ليست هدفاً، بل النجاح في بيئتي هو الهدف. فالعمل الجيد، والأغنية الجميلة، والقصيدة الجميلة، والكتاب الجميل، كلها إبداعات تفرض نفسها في الدولة وخارجها.
مسلسل «فريج» مسلسل تمّ إنتاجه بتقنيات عالية، ووصل إلى العالمية لسبب واحد هو لكونه مهتماً ومختصاً بمحليته.
فمن يسعى إلى العالمية بمغزى أن يكون عالمياً فقط، فهذا يعتبر أسوأ طريق إلى العالمية. لقد أصبحنا في عالم متناغم ومتداخل، وما يتم إنتاجه في الإمارات يصل إلى قطر والسعودية والكويت، وإلى الدول العربية كلها، ويخرج عن حدود الوطن العربي. فهدفنا الأول والأخير، أن نقدم أعمالاً ترفيهية تراثية جميلة، ترضي الفنان، وترضي المتلقي أيضاً، وهذا الهدف الأسمى بالنسبة إلي.