19 مارس 2024

انحدار نسبي يطرح سؤالاً.. هل يستمر تراجع أفلام المرأة هذا العام؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

انحدار نسبي يطرح سؤالاً.. هل يستمر تراجع أفلام المرأة هذا العام؟
جوستن ترييه.. مخرجة «تشريح سقوط»

بينما من السذاجة التفريق بين سينما تحققها النساء، وأخرى يحققها الرجال، لا بد من الاحتفاء بالنجاح الذي تحققه المرأة كمخرجة. لكن ما يجب أن نتذكـره هو دورها من مطلع ولادة السينما.

لاحظ مراقبون، يولون الاهتمام بحضور المرأة في السينما، أن هناك تراجعاً في نسبة عدد المخرجات اللواتي حققن أفلاماً في عام 2023 بلغ 13 في المئة عمّا كان عليه هذا الوضع في العام الذي سبقه، حيث كانت نسبة الأفلام التي أخرجتها نساء تصل إلى 33 في المئة، حسب ذلك الرصد.

لاحظوا كذلك أن نسبة النجاح التجاري لأفلام المخرجات الأمريكيات لم تتعد العشرة في المئة من نسبة النجاحات الاجتماعية بين أفلام هوليوود. وحسب التقرير «لولا «باربي» لما كانت هناك أي نسبة تذكر على الإطلاق». والمعروف أن الفيلم المذكور جمع ملياراً و400 مليون دولار، متربعاً على عرش الإيرادات حول العالم في سنة بلغت فيها الإيرادات أكثر من 6 مليارات دولار.

ولا يبدو أن «باربي» آيل إلى الفوز بالأوسكار في العاشر من هذا الشهر، في نطاق سباق أفضل فيلم، بسبب المنافسة التي يواجهها من فيلمي «أوبنهايمر»، و«قتلة مون فلاور».

لكن في حين يعتبر كثيرون أن عصر المرأة المخرجة بدأ في السنوات القريبة، وأن الموجة الحالية لا مثيل لها، قد يكون مفيداً التوقف عند بعض التاريخ الأول في هذا المجال.

الفرنسية أليس غي
الفرنسية أليس غي

تاريخ من مخرجات الأفلام الرائدات

في الواقع، حضور المرأة في السينما يعود إلى مطلع القرن الماضي، من خلال إسهامات مهمة، تؤكد وجوداً كثيفاً للمرأة في السينما. في تلك الحقبة برزت الفرنسية أليس غي، التي انتقلت إلى هوليوود قبل عام 1910، وبدأت تحقيق الأفلام كمخرجة وكمنتجة. تبعتها فرنسية أخرى لجأت إلى هوليوود أسمها لويس وَبر، التي اشتغلت على أكثر من 160 فيلماً. وفي عام 1907 بدأت جين غونتيير العمل في الإنتاج، منفردة أولاً، ثم تحوّلت إلى مخرجة سنة 1912، وكان فيلمها الأول وراء الكاميرا بعنوان «من المهد إلى اللحد» (From the Manger to the Cross) الذي تم تصوير معظم أحداثه في مدينة القدس.

أنيتا لوس
أنيتا لوس

إلى جانب هؤلاء نجد في مجال كتابة السيناريو رائدات أخريات، من بينهنّ جيني ماكفرسن (كتبت للمسرح أولاً)، ودوروثي أزنر، التي انتقلت إلى الإخراج بعد ذلك.

ولا تقل حكاية أنيتا لوس إثارة عمّا سبق. كانت في السادسة عشرة من عمرها فقط عندما بعثت، سنة 1912، لشركة «بيوغراف» (النشطة آنذاك) قصّـة كتبتها بعنوان «قبعة نيويورك سيتي» (New York City Hat). وهي لا جدال، فوجئت وسعدت كثيراً، وهي تتلقى عرضاً لشراء القصّـة بمبلغ لا بأس به في ذلك الحين، هو 25 دولار. بعد سنوات قليلة وصل أجرها إلى 300 دولار عن السيناريو، قبل أن تكتشف أن الرجال يتقاضون ضعف هذا المبلغ، أو أكثر.

المرأة في مهنة الكتابة السينمائية

والواقع، أن مهنة الكتابة فتحت الطريق أمام العديدات للعمل في السينما خلال تلك العصور، أمثال بيولا ماري ديكس، التي كانت كاتبة مسرحية، ثم انقلبت سينمائية بعد عام 1916، وهو العام التي ذهبت فيه لزيارة والدة المخرج سيسيل ب. ديميل، في لوس أنجلوس، فقررت البقاء والعمل في هوليوود. وهناك مارلون فيبرانكس، وآن بوشينز اللتان كانتا في مطلع دربيهما للكتابة المسرحية عندما حوّلتا اتجاهيهما إلى السينما، واشتغلتا فيها من منتصف العشرية الثانية في القرن الماضي.

بعض السينمائيات الناشطات آنذاك جئن من التمثيل أيضاً، كما حال أنيتا ستيوارت، التي بدأت التمثيل سنة 1918 وهي في الثالثة والعشرين من العمر، ثم قررت التحوّل إلى الإنتاج، وأكملت مشوارها كله على هذا الأساس.

التونسية كوثر بن هنية
التونسية كوثر بن هنية

ما بعد تلك الفترة الأولى، وإلى اليوم، حديث شاسع وطويل يصلح لكتاب، لكن حضور المرأة اليوم يختلف في إنه يشكل منهجاً منظّماً، وأكثر فاعلية، بالاستناد إلى بعض الأفلام الأخرى غير «باربي»، من بينها، وربما أفضلها، «تشريح سقوط» لجوستن ترييه. وهناك أيضاً الأمريكية باربرا كوبل، والتونسية كوثر بن هنية، والأمريكية جولي تايمور، التي أخرجت بعض الاقتباسات الشكسبيرية الجيدة، ومن بينها Titus قبل الانصراف إلى تحقيق فيلمها الشهير «فريدا» بطولة سلمى حايك.

بعض المخرجات في السنوات العشرين الأخيرة حققن نجاحات تجارية جيدة، كحال كاثرين بيغلو مخرجة The Hurt Locker، لكن العديدات كانت لهن إنجازات فنية بديعة، مثل الفرنسية أنييس فاردا، والألمانية رني رايفنشتول.

هل يستمر هذا الانحدار في العام الجاري؟ لا نتوقع ذلك، فالنّسب تصعد وتهبط، وربما تعاود الارتقاء هذه السنة من جديد.