في عالم يزخر بالأسرار والغموض، حيث تتلاشى أحياناً حدود الواقع والخيال، يبرز فنّ الخدع البصرية كلوحة فنية تحبس الأنفاس، وتستثير العقول.. وفي هذا الحوار نسافر عبر الزمان والمكان لنلتقي أحد أبرز فناني الخدع البصرية في العصر الحديث، لاعب الخفة وخبير التلاعب الذهني المشهور عالمياً، دروموند موني كوتس، الملقب بـ DMC ، لنذهب معه في جولة سريعة داخل دهاليز الخدع والإبهار.
حضرت «كل الأسرة» عرض «المستحيل» الحصري في مسرح DMC ، في إحدى قاعات مطعم برودواي، بفندق قصر الإمارات، حيث حاورنا دروموند موني كوتس، لنكشف الستار عن عالم مملوء بالدهشة والإبداع.
فقد تحدث أحد أيقونات الألعاب الذهنية العالميين عن رحلته في عالم الخداع البصري، وكيف يمزج بين العلم والفن لخلق تجارب لا تُنسى، وأخذنا في جولة خلف كواليس أعماله الساحرة، مشاركاً إيانا أسراره وتقنياته التي تتخطى حدود المعقول، وأجاب عن بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الكثيرين حول كيفية تطوير هذا الفن، والحفاظ على جدّته في عصر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى النظرة العميقة لتأثير الثقافة والجمهور في فن الأوهام، كما قدم لنا هذا الفنان رؤية فريدة تتجاوز حدود الخدعة البصرية، لتلامس جوهر الإنسانية والإبداع.
هناك حالة من الدهشة والمتابعة المستمرة من قبل الجمهور للأوهام البصرية التي يؤديها المحترفون ذوو الخبرة الواسعة، ماذا يمكن أن نطلق على هذا النوع من العروض؟
أحبّ دائماً أن أصف دوري بأنني «صانع للمستحيل»، باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات المختلفة لخلق مجموعة من الخدع البصرية الجميلة للحظات، والتي تبدو تماماً غير مفهومة للجمهور، كما أننا، كمحترفين لهذا الفن، ندرس مئات التقنيات المختلفة من خفة اليد إلى علم النفس، من الأدوات السرية إلى التضليل، وننسجها جميعاً معاً لخلق أجمل تجربة ممكنة لجمهورنا.
لا يوجد شيء خارق في ما أقوم به، وأنا دائماً أقول للناس إذا منحوني خمسة عشر عاماً من حياتهم، يمكنني تعليمهم إعادة تكرار عرضي بأكمله. لم أؤمن أبداً بالقوى الخاصة، لكنني أؤمن بأن هذا النوع من الفنون، مثله مثل الموسيقى والتمثيل والرقص، فالناس يولدون بالشغف الفطري الذي يدفعهم خلال عشرات الآلاف من ساعات الالتزام المطلوبة ليصبحوا من الطراز العالمي في هذا المجال الفني.
أؤكد لكم بثقة تامة أنني يمكن أن أعلّم أي شيء أقوم به في عرضي الحي لأي شخص تقريباً
أخبرنا المزيد عن مهارة قراءة الأفكار؟ هل هي دراسة يمكن تعلّمها؟
قراءة الأفكار هي مساحة مثيرة للغاية، لكن مرة أخرى يمكنني أن أؤكد لكم بثقة تامة أنني يمكن أن أعلّم أي شيء أقوم به في عرضي الحي لأي شخص تقريباً، بشرط أن يكون لديه سنوات كافية من التدريب والتفاني. إنها نوع من الخدع يثير دائماً فضول الناس حول كيف يمكنني أن أخبرك باسم أفضل صديق لك في المدرسة منذ عشرين عاماً، الرمز الذي تستخدمه لبطاقتك المصرفية، أو اسم بطل طفولتك، لكن نعم، في جوهرها، هذه أشياء يمكن لأي شخص تعلّمها بالممارسة والدراسة.
كيف يحافظ مؤدي الخدع البصرية على قدرته على تقديم شيء جديد دائماً، في ضوء الفيديوهات التي نراها حالياً على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تشرح وتكشف كيفية عمل هذه الحِيل؟
التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي هي بالتأكيد سيف ذو حدّين، مع وجود الكثير من المراهقين اليوم الذين يكشفون الأسرار، والتي لم يكن لديهم الموهبة، أو القدرة على خلقها في المقام الأول، مقابل الإعجابات والمتابعات. لطالما كان الكشف موجوداً في هذه الحرفة الجميلة، مع أشخاص ربما لا يستطيعون خلق شعور حقيقي بالدهشة، ولحسن الحظ معظم الكشف على وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى أساسي جداً، والعديد من أجمل الطرق والتقنيات التي نستخدمها على أعلى مستوى محمية من الكشف. الأمر يشبه ببساطة أن أعلمك عزف لحن بسيط على البيانو في خمس دقائق، لكن العزف من نوتة موسيقية كاملة غنية ومعقدة يبقى أمراً معقداً، وغير سهل لتعلّمه.
هل تختلف عروض الأوهام البصرية التي يتم تقديمها وفقاً لفئة الجمهور، أي هل هناك عروض للأطفال وأخرى للكبار؟
بالتأكيد، فالأمر هنا مثل الطعام والموسيقى، أو المسرح. ما ينجح مع جمهور شاب قد لا ينجح مع جمهور أكبر سناً، وأكثر ثقافة، والعكس صحيح. ولطالما كانت هذا جزءاً من الجمال بالنسبة إلي، لذا يجب اكتشاف العناصر التي تعمل مع بعض الجماهير، وليس مع الآخرين. الجنس والثقافة والعمر والدين، كل هذه العناصر تتطلب نهجاً محدداً جداً من حيث النبرة، والمحتوى، والعرض، وهي دائماً رحلة رائعة لاكتشاف ما يتردد بقوة مع أي جمهور.
لقد جعلت التكنولوجيا الحديثة وعروض الأضواء الساطعة والطائرات من دون طيار والهولوغرام والعديد من تقنيات الخدع البصرية الأخرى أسهل لأي شخص لأدائها، فما الفرق بينها؟
لقد جعلت التكنولوجيا بالتأكيد عدداً كبيراً من الأفكار الجديدة ممكنة، وكما أقول، كمحترفي الألعاب السحرية، غالباً ما نستخدم جميع أنواع التقنيات والأساليب المختلفة لصياغة هذه التجارب الجميلة، وعلى المستوى الشخصي، ليس شيئاً أعتمد عليه كثيراً في عملي الخاص. لطالما كنت أكثر تقليدية، لذا إذا كانت هناك بطاريات، أو أضواء وامضة مشتركة في العرض، فغالباً ما أسلك طريقاً مختلفاً.
كيف تصف تجربتك في الإمارات؟
أشعر بكثير من الحظ والشرف لكوني جزءاً من هذا الفصل الاستثنائي في هذا الجزء المميز من العالم، حيث هناك الكثير من النمو والإبداع والإثارة داخل الإمارات، لما هو قادم عبر جميع الصناعات والفنون الموجودة هنا، ولعب دور في تطوير ثقافة الخدع البصرية هنا هو شيء خاص جداً.
وحلمي هو بناء أول أكاديمية لهذا الفن في العالم هنا، وتشجيع جيل جديد كامل من محترفيه الذين يمكنهم إلهام وتسلية العالم لعقود عدة مقبلة.
لقد أشرت إلى تشابه اسم برنامجك «المستحيل» مع رؤية الإمارات التي لا تعرف المستحيل..
بالتأكيد. هذا شيء أشرحه في العرض الحي، وهو مهم جداً بالنسبة إليّ على المستوى الشخصي والأساسي. لطالما عشت حياتي مؤمناً بأن كل شيء ممكن. أن أصبح ساحراً محترفاً كان مساراً غير محتمل للبدء به، ومن ثم إنتاج اثنين من أكبر عروض الخدع البصرية على التلفزيون، كانت هذه أحلاماً وخيالات بعيدة المنال كطفل صغير، لكنني التزمت بها، وظللت مخلصاً لهذا الفن الجميل.
الإمارات موطن للتطوير والنمو، وتضم أروع الفنادق والمطاعم والمعالم السياحية في العالم، فمن المنطقي أن تصبح هذه الدولة المبهرة موطناً لأفضل السحرة، والمؤدّين للخدع البصرية في العالم، وأودّ أن ألعب دوراً في تطوير ذلك. عندما جئت إلى الإمارات بدأت أقرأ وأسمع في خطابات قيادة الدولة أن الإمارات تأسست على عقلية أن كل شيء ممكن، وأن الإمارات كأمة هي المكان الذي يتحقق فيه المستحيل، واسم عرضي الحي المستحيل، ينسجم مع هذه العقلية الجميلة.