في كتاباتها، تجد الكثير من الدفء الطفولي، ومداعبة خيال الأطفال بلغة سهلة وتوعوية، في آن، وفي حياتها تطّل على تخصصها في مجال التغذية.
بين التأليف القصصي والدكتوراه في استراتيجيات التغذية من المملكة المتحدة، توظف الدكتورة ريم صالح القرق، خبراتها في رفد التوعية عبر سلسلتها القصصية، سواء بالبعد الصحي أو بمحاولة الارتقاء باللغة العربية، لكونها تعتبرها «تجسيداً لهويتنا الوطنية»، أو تجسيد التراث الإماراتي، عبر طفلين يجوبان أرجاء الإمارات السبع لاكتشاف أبعاد الكثير من ملامح تلك الأرض، ومن يوميات «ود ووليد» ووقوفهما عند صور جميلة وحقائق مثيرة.
فابنتها «ود» كانت الدافع لكتابة السلسلة القصصية الأولى لها، التي صدرت بالتعاون مع «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم»، وواكبت الحنين إلى الوطن بعد أن كتبت الجزء الأكبر خلال دراستها في بريطانيا.
مسيرتها تتسم بالكثير من محطات النجاح، إذ حققت الدكتورة ريم القرق حلمها بدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية لعام 2009 بلوحة فسيفساء خشبية حملت اسم «رؤية الصحراء»، ليكون الإنجاز العربي الأول لامرأة عربية.
معها كان لقاء أحاط بالكثير من تفاصيل التغذية والأدب والطموحات والأحلام لدى د. القرق - الأم، ومؤلفة القصص، والأستاذة الجامعية.
ورشة قرائية مع د. ريم القرق
ابنتك كانت الدافع لك في التوجه نحو عالم الكتابة.. ما هي العوالم التي عايشتها عبر الكتابة؟
بدأت عالم الكتابة عندما كنت أستعد للسفر لاستكمال الدراسة في الخارج. كنت أرغب أن أتزود بمجموعة من القصص لطفلتي «ود»، تتناول ملامح بيئتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا، فابنتي كانت الدافع الرئيسي وراء استكشافي لهذا المجال الساحر.
حملت السلسلة القصصية الأولى اسم ابنتي «ود»، وتتألف من سبعة كتب، تتناول حياة «ود ووليد»، ويومياتهما، ورحلتهما منذ الاستيقاظ صباحاً، وركوب السيارة، ومشاهداتهما في كل إمارة من إمارات الدولة، حيث بعض عناوين السلسلة «ود ووليد في الثامن من ديسمبر»، «ود ووليد عند الطبيب»، «ود ووليد: خطة للنوم»، «ود و وليد في طريق العودة»، «ود ووليد في سوق الخضار»، وغيرها من قصص ذات طابع إماراتي بحت، وبعض قصص تلك السلسلة كتبتها وكنت في الإمارات، إلا أن باقي القصص واكبت دراستي في بريطانيا، حيث كنت أرسل القصص لدار النشر من هناك لأستمر في عالم الكتابة إلى اليوم.
ما هي العوالم التي تكتنف عالم الكتابة؟
لم يكن دخول مجال الكتابة بالصدفة، ولكن استمرارية العمل بهذا الشغف يبلور مدى التعلق بهذا العالم، والعمل على مشاريع وبرامج ننجزها، وهذا جزء من حياتنا الذي يندرج ضمن منهج العطاء للمجتمع، وآمل أن يعتبر هذا عطاء. فكتابة قصص الأطفال فتحت لي آفاقاً جديدة. واستطعت خلق عوالم مملوءة بالمغامرة والخيال، ما لم أعشه قبلاً.
تشاركين دوماً في مهرجان طيران الإمارات للآداب، كيف تقيّمين تلك المشاركة؟
المشاركة رائعة، حيث التنظيم يتسم بالكثير من المهنية، وهذا ما اعتدنا عليه من المهرجان، في ظل دعم للكتاب المحليين، وتنسيق المشاركة في جلسات المهرجان.
ففي الكثير من المشاركات السابقة، كانت هناك مواقف لا أنساها، لم أستطع خلالها الفصل بين المشاعر والعمل، لكوننا ندخل في دوامة مشاعر تقودك إلى تلمّس أثر كبير في النهاية.
على سبيل المثال، كانت ثمة جلسة مع المكفوفين، وفتاة، إلى جانبي، تقرأ قصتي بلغة «البريل»، ومن جهتي كنت أقرأ قصتي وتتابع معي، وتبادلنا القصص لتقرأ القصة كاملة. هذا العالم لم أكن لأراه لولا مشاركتي في مهرجان طيران الإمارات للآداب، ولو لم أدخل عالم التأليف.
وأرى أن مشاركتي في المهرجان تسهم في توسيع دائرة تأثيري، من خلال نشر تجربتي، وتشجيع القراءة الإبداعية للأطفال، حيث إن المهرجان يعزز التفاعل الثقافي ويدعم رؤية الثقافة والتعليم، ورسالتي في المهرجان تهدف إلى تشجيع القراءة للأطفال، وتعزيز الوعي بأهمية التغذية الصحية والمساهمة الإيجابية في عالم أدب الطفل.
تخصصت في مجال طبي حيوي وهو السياسات والإدارة الصحية، فما العوامل الأخرى، عدا ابنتك، التي دفعتك إلى خوض الكتابة؟
رأيت أن ابنتي، والجيل الحالي، لا تتوافر لهم كتب باللغة العربية بالمستوى المطلوب. فلم أستطع إلا استكمال هذه المسيرة لخدمة هذا الجيل. ففي بعض الأحيان، دراستنا، أو عملنا خارج الدولة يفتح أمامنا مجالات ولغات مختلفة، ولكن لا بد أن تكون مؤمناً بلغتك التي تمثل هويتك الوطنية لتدرك مسارك وانتماءك، ولذلك أحببت أن يتزود هذا الجيل بكتب تثري لغته العربية، وأن ألعب دوراً في سد تلك الثغرة، بما أمكن.
رحلتي في أدب الأطفال كانت مختلفة، فلم أبدأ من دراسة تخصصية، بل استلهمت من ابنتي لتشكيل خيوط القصص التي تمتلك قِيماً تعليمية.
تحقيق المساواة في الفرص التعليمية والصحية للجميع يقود إلى دعم مسار المجتمع نحو التغيير الحقيقي
من علوم التغذية إلى الأدب.. إلى أي مدى وظفت اختصاصك في علوم التغذية في إسهاماتك الأدبية؟
تخصصي في علوم التغذية دعمني في فهم تأثير التغذية في تطور الطفل، وقدمت ذلك بطريقة إبداعية، ربطت بين النصائح الصحية والحكايات التعليمية. فكل كتبي تتضمن رسائل توعوية عن التغذية، فهناك 21 إصداراً، وكل تلك الإصدارات تحمل الكثير عن اللغة العربية. فأنا أدرّس في الجامعة التغذية، وأعمل على سياسات الدولة في مجال التغذية، وكتبي للأطفال كلها ترفد التوعية، إما بالصورة، وإما الجملة، وإما المعلومة التغذوية.
فدوري المفضل يتقاطع بين أدب الأطفال وعلوم التغذية، لأنهما يلهمان التعليم والتغيير الإيجابي.
ما القضايا الاجتماعية التي تشكل لدى د.القرق هاجساً وتسعين إلى الإضاءة عليها من خلال دورك كناشطة اجتماعية وكأم؟
همومي تتنوع بين دوري ككاتبة، وأم، وأستاذة جامعية. الكتابة للطفل تشمل قضايا التعليم والتغذية، ودوري الاجتماعي في المجتمع .وآخذ في الاعتبار سلامة الطفل، وصعوبات التعلم عند الأطفال الذين عملت معهم بطريقة مكثفة، حيث كانت هناك عناوين وكتب توجهت لتلك الفئة، وأدرجت ضمن أكثر من عنوان منها السلامة الإلكترونية والسلامة العامة بالتعاون مع حملة «سلامة الطفل» في الشارقة، حيث هناك قصة تدور عن طفل يعود من المدرسة يومياً، ويجلس أمام جهازه للّعب، ويعقد صداقة، عبر الشاشة، مع طفل يحمل اسمه نفسه، ويكتشف أنهما يتشاركان الهوايات والأحلام، وما يحبه، ويتهيأ له أنه صديقه ليكتشف أنه صديق وهمي.
فالرسالة هنا واضحة، وهي ضرورة تعزيز سلامة الأطفال الإلكترونية، وعدم ولوج هذا العالم من دون رقابة وتوعية وتعليم أطفالنا مبادئ التواصل عبر الفضاء الإلكتروني، وتوجيههم بالطريقة الصحيحة التي لا تؤذيهم، أو تقودهم إلى مسارات أخرى.
كما أرى أن تقييم الاستراتيجيات التغذوية يمكن أن يعزز صحة الأسرة، حيث أعمل على تبسيط المعلومات وتوجيهها للعائلات بأسلوب يتناغم مع حياتهم اليومية.
في عمر الـ25، كنت أول امرأة عربية تدخل موسوعة «غينيس»، أخبرينا عن هذا الحدث؟
الإنجاز في موسوعة غينيس بفسيفساء «رؤية الصحراء»، يعكس تفردها وجمالها. الصحراء تحمل لي رؤى عن الصمود، والجمال في البساطة. فهذا العمل استغرق مني العمل فيه 4 أشهر متواصلة، وكنت سعيدة أن أدخل غينيس بلوحة تروي حلم دبي والصحراء.
ما هي مرتكزات عملك حالياً وكيف تواكبين الاستراتيجيات التغذوية للأسرة؟
ككاتبة، وأم، وأستاذة، تشغلني هواجس مجتمعية كثيرة. أسعى جاهدة لتعزيز التعليم، والصحة العامة في المجتمع، وأعمل على تحقيق المساواة في الفرص التعليمية والصحية للجميع، وهذا يتضمن تعزيز الوعي بأهمية التغذية الصحية، وهي مسألة ضمن أولويات اهتمامي، كأستاذة في «جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية».
في مجال الطب، أرى أن تقديم استراتيجيات تغذوية فعّالة للأسر يتطلب فهماً عميقاً للثقافة والعادات الغذائية، الإماراتية والعربية، وتحتاج هذه الاستراتيجيات إلى توجيهات ملائمة تناسب تلك الثقافات، مع التركيز على تعزيز الوعي بالتغذية المتوازنة والتغذية الصحية.
وبالاستفادة من خبرتي الطبية وتبنّي أساليب تفاعلية وتثقيفية، يمكنني تقديم نصائح واضحة وعملية تدعم الأسر لتحقيق نمط حياة صحي ومتوازن، ما يعزز الصحة العامة في المجتمعات الإماراتية والعربية.
ماذا تأملين مع بداية عام جديد؟
لا أتمنى سوى الأمن والسلام لجميع أطفال العالم.
* تصوير: صلاح عمر