ترى أن النجاح في مجال ريادة الأعمال يقوم على تبنّي مفهوم التعلّم مدى الحياة، والتفوق بالمعرفة، لكونه قوة وسلاحاً فعالاً في وجه التحديات، إضافة إلى أداء العمل بحب وشغف، وعدم اعتباره مصدراً للدخل فقط.. هي نجلاء المدفع، المدير التنفيذي لمركز الشارقة لريادة الأعمال، «شراع»، والتي التقيناها لنتعرف من خلالها إلى هذا العالم المملوء بأسرار النجاح.
يجسد مجال عملك مفهوم التغيير من أجل بناء مجتمع قائم على النمو والتنوع والابتكار، فما المقصود بريادة الأعمال وأهمّ المقومات التي ساعدتك على إدارة عملك بنجاح؟
الريادة فكر وأسلوب حياة أولاً، وليست مجرد توصيف لمكانة الفرد في مجتمع الأعمال، هذه الحقيقة التي نعتبر الإعلام، بكل مؤسساته ومنصاته، شريكاً في تعميمها، فهي حد فاصل بين النجاح والتعثر، والريادة هي ريادة الفكر، والثقافة، والنظرة الإيجابية للعالم، والإيمان بالتغيير. فمنذ بداياتي العملية كنت أبحث بشغف عن تجسيد لمفهوم التغيير، وعن الأدوات التي من خلالها يمكننا تحقيقه، ما قادني، فكرياً وعاطفياً، نحو تبنّي ريادة الأعمال بشغف. من جانب آخر، مكّنتني دراستي في علم الحاسوب، إلى جانب عملي في مناصب قيادية في مؤسسات خاصة تهدف إلى تطوير ريادة الأعمال، من تكوين نظرة شاملة للمشهد الاقتصادي، المحلي والعالمي، كما مكّنتني أيضاً من التعرف إلى أهمية ريادة الأعمال في دعم النمو والتنوع والابتكار، وتحقيق التوازن في القطاعات، واستحداث كل ما هو جديد، وهذا ما قادني نحو مركز الشارقة لريادة الأعمال، «شراع».
ما التحديات التي واجهتك أثناء رحلتك في ريادة الأعمال، وكيف تغلّبت عليها؟
لكل عمل تحدّياته الخاصة، وفي عملنا واجهتنا أمور تتعلق ببناء ثقافة الريادة، وترسيخ المبادرة الذاتية، وقد تجاوزنا هذا التحدي بصياغة برامج ومبادرات تشجع الشباب على الشعور بالثقة، والأمان، وعدم الخوف من المخاطر، بل الجهوزية لها، من خلال استكشاف عالم ريادة الأعمال، ومواكبة مستجداته. من جانب آخر، وضعنا نصب أعيننا منذ بدايات عملنا، إقناع الشركاء الحكوميين والشركات الخاصة، بدعم رواد الأعمال، وبالمثابرة استطعنا أن نحقق إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، ولدينا الآن منظومة شاملة من الشركاء الداعمين.
ماذا عن «شراع» والأهداف التي يسعى إليها بشكل عام؟
تأسس «شراع» في عام 2016، بتوجيهات ورعاية الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مركز الشارقة لريادة الأعمال، ويعمل على دعم المواهب والأفكار المتميزة، وتوفير البيئة الحاضنة لأصحابها، كي يحولوها إلى مشاريع ذات أثر، اجتماعي واقتصادي تنموي، فهناك الكثير من طلبة وخريجي الجامعات والشباب الذين يمتلكون أفكاراً، وإرادة قد تصنع التغيير في قطاع، أو مجال ما، أو يقدمون إضافات نوعية لاقتصادهم ومجتمعهم، وهناك أيضاً أصحاب مشاريع لها حظها في النمو والتطور، وهنا يأتي دور «شراع»، وهو مرافقتهم في الطريق حتى يصلوا لأهدافهم.
حققت مسيرة المركز خلال السنوات الماضية إنجازات مختلفة لشركات ناشئة، فما طبيعة الدعم الذي تقدمونه لها؟
كل فكرة قوية لها أثر إيجابي على المستويين، الاقتصادي والاجتماعي، وتستحق من يؤمن بها، ويدعمها، ويوفر لها كل الشروط، كي تتجسد على أرض الواقع، وهكذا تتطور الأعمال وينمو الاقتصاد، وبلغة الأرقام، منذ تأسيس «شراع» قدّمنا الدعم لأكثر من 170 شركة ناشئة، ويشمل (التدريب، والتوجيه، وتسهيل الوصول للتمويل والعملاء والأسواق)، إذ تلقت الشركات الناشئة أكثر من 10 آلاف ساعة من التوجيه والتدريب، ولأننا نؤمن بأن ثقافة ريادة الأعمال يجب أن تتزامن مع التعليم والإعداد الأكاديمي، قمنا بإشراك نحو 15,550 طالباً في جلسات تحسين المهارات. ومن حيث تسهيل الوصول للتمويل والمستثمرين، الذي نعتقد أنه يشكل تحدّياً كبيراً لرواد الأعمال حول العالم، جمعت الشركات الناشئة في «شراع» أكثر من 161 مليون دولار، حتى عام 2022، مع زيادة قوية بنسبة 26% على أساس سنوي، ووفرت أكثر من 1600 فرصة عمل، محققة نمواً سنوياً مذهلاً بنسبة 19%. من جانب آخر، نحن نعتبر أن تعزيز التنوع والمساواة في الفرص في عالم ريادة الأعمال، أحد أهم الأهداف التي يعمل عليها المركز، ونتيجة لذلك، ارتفع عدد الشركات الناشئة التي تقودها النساء بنسبة 7%، وهي تمثل الآن 52% من المشاريع التي يدعمها «شراع».
ما أهم النصائح التي تحرصين على تقديمها لرواد الأعمال؟
عالم الأعمال متغيّر، ومتسارع، لذلك هناك ضرورة قصوى لتبنّي مفهوم التعلّم مدى الحياة، ما يفرض على كل رائد أعمال أن يضع لنفسه هدفاً بأن يكون متفوقاً بالمعرفة، لأنها قوة، وسلاح فعاّل في وجه التحدّيات، وهذا يتم من خلال متابعة المستجدات في الأسواق، وعالم الاقتصاد، ومن خلال القراءة والبحث بشكل متعمق في القطاع الذي يعمل فيه، كما يجب على رائد الأعمال اختيار المجال وفقاً لرغباته وشغفه، وألا تكون نصائح الآخرين هي ما تقود حياته، إضافة إلى العمل بحب وشغف، وأن يتعامل مع عمله كأنه جزء من وجوده، وشخصيته، وليس مجرد مصدر للدخل.
نجلاء المدفع وأعضاء فريق «شراع» خلال حفل جائزة المرأة العربية 2023
تهتم الإمارات بتوفير بيئة عمل جاذبة للمرأة، فأصبح هناك حضور بارز لسيدات الأعمال الإماراتيات، كيف ترصدين هذا الواقع؟
يوجد في الإمارات نحو 25 ألف سيدة أعمال، يُدرن استثمارات تتجاوز 60 مليار درهم، ومؤخراً تصدرت المرأة الإماراتية قائمة مجلة «فوربس» بأقوى 15 سيدة أعمال في الشرق الأوسط.
ما الذي تعنيه هذه الأرقام؟
تعني أولاً أن المرأة قادرة على التميز بالعمل، وإدارة استثمارات ضخمة، والتواجد في كل القطاعات، من دون استثناء، وهذا يشكل رسالة للمرأة نفسها، وليس للمجتمع والجهات الرسمية، مفادها أن ثقتها بإمكاناتها واستعدادها لخوض التجارب الصعبة يشكلان مدخلاً لنجاحها، ولا شيء يحول دون ذلك النجاح سوى اكتفائها بنصيب صغير، وغير طموح من المساهمة في مسيرة البناء والتنمية، وهذا يعني أيضاً أن الإمارات بيئة محفزة وصديقة للمرأة، ولا توفر جهداً في توفير كل أشكال الدعم لمن يبحثن عن التميز في مجال ريادة الأعمال، وتقديم إضافات نوعية على المشهد الاقتصادي، المحلي والعالمي، لكن المهم أن يبدأ مشوار النجاح بخطوة واثقة من المرأة نفسها.
أهم محفزات النجاح هو أن يشعر كل فرد بأهمية أفكاره
لكل قيادي ناجح فريق يدعمه، حدثينا عن الآلية التي تعتمدينها لإدارة العمل.
فريق عملي ألهمني وعلّمني الكثير، وعلى المدير الناجح أن يعي أهمية كل فكرة ورأي، وأن يحترم التخصصات حتى يكون لديه فريق مبادر ومبدع، ومن خلال إدارتي لفريق العمل، أدركت أن أهم محفزات النجاح هو أن يشعر كل فرد بأهميته، وأهمية أفكاره، وبتقدير مبادراته، ولا شيء يقتل روح المبادرة بقدر الشعور بإهمال الفكرة والجهد.
بعيداً عن مجال العمل، هل لديك هوايات تحرصين على تخصيص وقت لها في يومك؟
أفضل الهوايات هي تلك التي تثري الفكر، وتغذي المعرفة، وتعمل على تخفيف ضغوطات الحياة، إلى جانب توثيق علاقة الفرد بأسرته، ومجتمعه، لذلك تشمل هواياتي البقاء على اطلاع بما يحدث في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال، وهو أمر مهم بالنسبة إلي، وأحرص أيضاً على متابعة قنوات البودكاست، وقراءة الكتب، والمدونات، التي تضيف لمعارف الفرد ومهاراته، وتضعه في صورة ما يستجد في العالم، بشكل عام، كما أحب قضاء الوقت في الطبيعة خلال الإجازات لتصفية الذهن، واستعادة الطاقة، إلى جانب قضاء أوقات كافية مع العائلة.
من أكثر الشخصيات الملهمة في حياتك؟
صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي تعلّمنا منه أن الإنسان هو صانع التنمية، وكل نجاح يبدأ ببناء الفرد، وتطوير معارفه وقدراته، وقد كان للشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، تأثير كبير في مسيرتي المهنية، كما ألهمتني الشيخة لبنى القاسمي، لأن منهجها في العمل، القائم على الجمع بين الأخلاق، والقيم الشخصية النبيلة، والممارسات الرسمية، ثبت أنه أقصر الطرق للنجاح، واكتساب الجمهور، وأيضاً يلهمني رواد الأعمال الذين أعمل معهم، وبشكل خاص الذين بدأوا عملهم الريادي بعد التخرج بإمكانات بسيطة، وإرادة كبيرة، ليتحولوا إلى مؤثرين كبار في القطاعات التي يعملون فيها، وفي المشهد الاقتصادي بشكل عام.
ماذا عن أسرتك وأكثر من تتلقين منه الدعم؟
كانت أسرتي، ولا تزال، سنداً وداعماً لمسيرتي المهنية، فهي من شجعتني على الذهاب والدراسة في الخارج، ومهّدت لي الطريق كي أخطو خطواتي نحو المستقبل، بثبات وعزيمة، وما زلت أتلقى الدعم، واستلهم القوة منها عند كل محطة في حياتي.
ما هو الحلم الذي يراود نجلاء المدفع دائماً؟
أن أردّ الجميل للشارقة، هذه الإمارة الحاضنة للطموح والإرادة، والداعمة بقوة لأبنائها، فالنجاح يصبح مهمة صعبة إذا لم يكن المجتمع متبنّياً لأبنائه، ومؤمناً بهم، لهذا أعمل من خلال «شراع» على تعزيز نظام بيئي مزدهر، يطلق ويدعم الإمكانات البشرية التي لدينا.
* تصوير: السيد رمضان - ومن المصدر