23 نوفمبر 2023

واحد في شرق العالم العربي والآخر في غربه.. مهرجانان فنيان صامدان في وجه الرياح

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

واحد في شرق العالم العربي والآخر في غربه.. مهرجانان فنيان صامدان في وجه الرياح

ينطلق هذا الشهر مهرجانا البحر الأحمر ومراكش الدوليان. كلّ في بحر من الأفلام والمدعوين. هـذا على الرغم من الدعوات غير المنطقية لتغييبهما هذا العام.

بينما تم توقف المهرجانات العربية الأخرى (مثل القاهرة والجونا وقرطاج)، بسبب ظروف المنطقة، ومن باب التعاطف مع ضحايا المجزرة التي تقوم بها إسرائيل، وعلى أساس أنه لا يجوز الاحتفاء بنشاط فني (أو ثقافي أو رياضي كبير)، في هذا الوقت بالتحديد، أوضح مسؤولون في السعودية والمغرب أن لا علاقة بين وضع سياسي وعسكري، وبين نشاط فني من أي نوع.

واحد في شرق العالم العربي والآخر في غربه.. مهرجانان فنيان صامدان في وجه الرياح

المبدأ بالنسبة إلى هذين المهرجانين واضح: عدم إقامة دورة جديدة لأي من هذين المهرجانين هو فشل يتمناه العدو، أياً ما كان وجهه. هو إذعان للأحداث عوض التأكيد على أن المطلوب في مثل هذه الظروف بالتحديد، أن يستمر العمل على مثل هذه النشاطات والمؤتمرات، كما كان مخططاً لها. وفي نهاية المطاف، فإن توقف المهرجان لا يعني أن المسؤولين في البلدين لا يبالون بما يحدث في فلسطين، بل يعني أن أحد الردود الصحيحة هو الاستمرارية ضد التوقف.

يمكن إضافة عامل آخر، هو أن مهرجانات السينما ليست للّهو، بل خدمة لرسالات ثقافية وحضارية مختلفة. وما وراء الستارة أمور أخرى تفرض على المهرجانين أن يلتزما بالعمل الحثيث لإقامة الدورتين، وليس إيقافهما.

إيقاف مهرجان المغرب بعد جهوده لمواصلة نشاطاته إثر غياب سابق، ترك أثراً سلبياً في سمعة المهرجان الذي تولّى في مطلع هذا العقد مكانة عربية أولى، وعالمية لا يستهان بها.

بالنسبة إلى مهرجان البحر الأحمر، لا يمكن التفكير في تغييب الدورة الرابعة من مهرجان وُلد كبيراً، وترك سريعاً أثراً عالمياً واسعاً، بما يعرّضه لاهتزاز الثقة العالمية به. تصوّر أنه خطا ثلاث خطوات، ثم توقف، على أمل العودة في العام التالي، أي وضع يمكن أن يكون الحال عليه، خصوصاً في عالم مزدحم بالمهرجانات الكبيرة التي تتنافس في جذب الاهتمام، والأفلام، والحضور الدائم.

36 فيلماً سعودياً في مهرجان البحر الأحمر السينمائي

المهرجان السعودي هو الأكبر عربياً، ومن بين الأكبر دولياً أيضاً، وقد أعلن عن أفلام المسابقة والبرامج الموازية قبل يومين، وهذه تشمل رقماً مبهجاً للسينما في السعودية: فمجموع ما ستعرضه شاشات المهرجان من أفلام سعودية يبلغ هذا العام 36 فيلماً، بين طويل وقصير. وهذا رقم كبير لسينما تعتبر ناشئة منذ سنوات قليلة.

في المسابقة هناك فيلمان سعوديان من إنتاج محلي كامل، هما «نورا» لتوفيق الزايدي الذي سبق له أن قدّم عدداً لافتاً من الأفلام القصيرة الجيدة عرضها خلال دورات مهرجان أفلام الخليج في دبي، و«مندوب» لعلي كلثامي، دراما مجتمعية حول محاولة شاب إنقاذ وضع والده المتعثر.

كذلك أفلام شاركت السعودية في إنتاجها مثل «هجان» للمصري أبو بكر شوقي، الذي كان عُرض في مهرجان «كان» الماضي، و«إنشاالله ولد» لأمجد الراشد (إنتاج مشترك بين السعودية ومصر والأردن وقطر)، و«ما وراء الجبال» للتونسي محمد عطية (إنتاج تونسي- سعودي مع بلجيكا وقطر وإيطاليا).

لكن الزخم الأكبر من الإنتاجات السعودية تقع في تظاهرة «أفلام سعودية جديدة»، ومنها «مندوب الليل» لعلي الكلثمي الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان تورنتو الدولي، و«لإبني» لظافر العبدين، و«يلا، يللا» لمحمد حمّاد، و«أربعة بنات» لكوثر بن هنية، و«حلم حمى» لفارس غودوس.

وكما يتبدّى من بعض هذه الأسماء، تشمل الإنتاجات السعودية تمويل أفلام عربية من إخراج عرب، غير سعوديين، من أمثال أمجد الراشد، وكوثر بن هنية، وأبو بكر شوقي، وأجنبية التي كان من أبرزها هذا العام الفيلم الذي افتتح مهرجان «كان» السينمائي هذا العام، وهو «جين دو باري» الذي حققته وقامت ببطولته مايوَن، والذي سيعرض في قسم العروض الخاصة هذا العام، شأنه شأن 14 فيلماً آخر في هذه التظاهرة.

أما عدد الأفلام المتسابقة فيبلغ 17 فيلماً، وهذه تشمل، لجانب «إنشاالله ولد» لأمجد الراشد، و«ما وراء الجبال» لمحمد بن عطية، و«نورا» لتوفيق زايد، أفلاماً من العراق والمغرب وبريطانيا (فيلم بريطاني- فلسطيني عنوانه «الأستاذ» لفرح نابلسي)، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، والهند، من بين أخرى.

واحد في شرق العالم العربي والآخر في غربه.. مهرجانان فنيان صامدان في وجه الرياح

شخصيات عالمية في مهرجان مراكش السينمائي الدولي

لم يعلن مهرجان مراكش بعد عن قائمة أفلامه. هذه، يقول مسؤول، سوف تعلن قريباً وخلال أيام. لكن ما تم الإعلان عنه الاحتفاء بعشر شخصيات عالمية ستصل إلى المهرجان المغربي للاشتراك به، يتقدّمها المخرج مارتن سكورسيزي (ليست الزيارة الأولى للمغرب)، والمخرجة اليابانية ناوومي كواسي، والمخرج والممثل فيغو مورتنسن، والمخرج الروسي زڤياغاينتسڤ، والممثل الدنماركي ماس ميكلسن.

ميكلسن هو أحد إثنين سيمنحهما المهرجان تكريماً خاصّاً.. الثاني للممثل والمخرج المغربي فوزي بن سعيدي.

ويكون من بين الحاضرين المحتفى باشتراكهم أيضاً الممثل الأمريكي ويليام دافو، والمخرج الهندي أنوراغ كاشياب، والممثلة البريطانية تيلدا سوينتن.

في هذا النطاق قد يتجاوز مهرجان مراكش ما سيوفره المهرجان السعودي من أسماء كبيرة في عالم السينما، لكن مهرجان «البحر الأحمر» يعمل على شبكة شاملة من جوانب الصناعة، بما فيها التسويق وصناديق الدعم وتشجيع الصناعة السعودية الفعلية.

جدير باللاحظة أن رئاسة لجنة التحكيم تختلف، بطبيعة الحال، بين المهرجانين: اختار مهرجان «البحر الأحمر» المخرج الأسترالي باز لورمن، الذي من بين أفلامه «روميو+ جولييت»، و«مولان روج» (افتتح مهرجان كان في أحد السنوات) و«ألفيس».

في المقابل اختار مهرجان مراكش الممثلة الأمريكية جسيكا شستين، لرئاسة لجنة تحكيم دورته العشرين.

المهرجانات السينمائية العربية.. إضافة مطلوبة

كل ما سبق يضع ثقلاً على المهرجانات العربية الأخرى. نجاحات مهرجان «البحر الأحمر» والعودة القوية لمهرجان «مراكش» أضافا حضوراً نوعياً إلى كل ما هو سينما عربية: الصناعة والتسويق والإنتاج والاحتفاءات بالسينمات، المحلية والعربية والدولية. على الرغم من أن «الجونة» ونجاحاته السابقة، والقاهرة وتاريخه الكلاسيكي، ومهرجان قرطاج ومكانته المهمة للسينما العربية والإفريقية، حققت بدورها الكثير من النجاحات ومعالم الحضور الأساسية.

في الواقع، كل واحد من هذه المهرجانات الرئيسية هو إضافة مطلوبة للواقع السينمائي العربي، لكن في حين أن مهرجان «الجونة» يتمتع بميزانية قادرة على التنفيذ، فإن ميزانية المهرجان المصري الأول، «القاهرة»، كثيراً ما حدّت من قدرته على التخطيط الإداري والتنظيمي الأفضل.

الملاحظ أيضاً، أن أي من المهرجانات الثلاثة قد يكون عرضة للغياب في أي عام. على سبيل المثال، كان «الجونة» ألغى دورة العام الماضي، حتى يتسنى له إعادة تنظيم الإدارة، والاستعداد لدورة هذا العام كبداية جديدة. وإذ سيغيب مرّة أخرى، فإن المشكلة ستكمن في العام المقبل عندما يقرر المهرجان استعادة مكانته السابقة، بعد سنتين من الغياب. هذا حدث مع مهرجان مراكش الذي توقف، أيضاً لأسباب إدارية، لعامين، ثم عاد في العام 2021 تحت طموح البداية من جديد.

اقرأ أيضاً: حسين فهمي: متفائل بنجاح مهرجان القاهرة السينمائي والقادم أفضل

 

مقالات ذات صلة