يواكب الحديث عن تمكين المرأة في الإمارات مساراً من الجهد والتخطيط والتطبيق. فالاستراتيجيات التي أوصلت المرأة إلى تلك المكانة لم تكن وليدة الصدفة، بل استندت إلى رؤى واضحة واستراتيجيات هادفة ومدعّمة بقوانين وتشريعات ساندت الحراك النسوي ووصلت به إلى أن تحتل المؤشرات قائمة الدول في مجال التنافسية العالمية.
وفي آخر المؤشرات، حلّت الإمارات في المركز الأول عالمياً في 30 مؤشراً للتنافسية العالمية ترتبط بالمرأة للعامين 2022 و2023، ومن المؤشرات مؤشر المرأة في البرلمان ونسبة المقاعد التي تشغلها المرأة، إلى كون الإمارات احتلت المركز الأول عالمياً في عدد من المؤشرات الخاصة بالمرأة والعمل لعام 2023.
فكيف ترصد القيادات النسائية مسار القوانين والتشريعات ومدى إرساء مسيرة التمكين لمقومات ودعائم استكمال النهضة بكل هذه القوة؟
الحضور النسائي في المجلس الوطني الاتحادي
الشيخة عائشة بنت خالد القاسمي: التشريعات عززّت حقوق المرأة ومشاركتها الفاعلة في جميع المجالات
تؤكد الشيخة عائشة بنت خالد القاسمي، رئيسة جمعية الاتحاد النسائية بالشارقة، أن «دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في تعزيز دور المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، إذ حرصت منذ تأسيسها، على توفير الرعاية والدعم اللازم للمرأة، وقد حققت في هذا الصدد العديد من الإنجازات الملموسة على صعيد تمكين المرأة وتشجيعها على المشاركة الفاعلة في جميع المجالات، وقد حققت الإمارات تقدماً كبيراً في زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية، حيث تشغل العديد من النساء مناصب حكومية رفيعة المستوى ومقاعد في المجالس المحلية والوطنية».
الحضانات جزء من دعم المرأة العاملة
تتوقّف الشيخة عائشة بنت خالد القاسمي عند عدّة عوامل وتشريعات ساهمت في تعزيز حقوق المرأة الإماراتية وتعزيز مشاركتها، وأهمها:
توجز الشيخة عائشة القاسمي مسيرة المرأة الإماراتية «لم تعد هناك عوائق تقف في طريقها لتصل إلى تطلعاتها وطموحاتها، وهي تسهم بجد وإخلاص في خدمة وطنها من خلال تخصصاتها أو توجهاتها ودورها لا يقل أهمية عن دور الرجل، فهناك مساندة وتعاون بينهما من أجل أن تكون الإمارات في قمة الهرم بين دول العالم».
د. فاطمة الصايغ: صنّاع القرار أرسوا دعائم تمكين المرأة
مقومات التمكين جليّة سواء بالدعم عبر التشريعات والقوانين أو حتى بإيجاد أطر داعمة في بيئة العمل أو الأسرة وفي البيئة الاجتماعية عبر تغيير العقلية تجاه حضور المرأة وإمكاناتها.
تؤكد الدكتورة فاطمة الصايغ، أستاذة جامعية وباحثة في مجال دراسات المرأة، أن مرتكزات تمكين المرأة وتعزيز مسيرتها النهضوية تنطلق من كون «الدولة دفعت مسيرة المرأة ولم تترك الأمر للتشريعات والقوانين، إذ أنّ صناع القرار أنفسهم تولوا الأمر بأنفسهم وجعلوا من تمكين المرأة قضية أساسية للدولة منذ أكثر من ثلاثة عقود وهيأوا كل السبل لتطوير قدراتها ومهاراتها بينها التعلم الجيد، التعليم العالي، التدريب إلى استثمار كل الفرص ودعمها بالقوانين والتشريعات».
تعليم المرأة كان المرتكز الأساسي لحصول المرأة على حقوقها وكان نبراس الوعي تجاه معالم دورها
تصّر د. الصايغ على كون «صنّاع القرار هم مصدر الدعم الأساسي لتحظى المرأة بمكانتها اللائقة وتعزيز تواجدها في جميع المجالات ووصولها إلى مناصب في كل ميادين العمل وهم (أي صنّاع القرار) لعبوا دوراً أكبر من القوى المجتمعية أو ما يسّمى بالقوى الرجعية التي لم تتح لها فرصة المقاومة وإرجاع المرأة إلى المنزل كمكان طبيعي لها».
كمؤرخة وأستاذة جامعية، تشير د. الصايغ إلى أن التعليم هو مرتكز وعي المرأة وتحصيل حقوقها «فالتعليم يثمر امرأة واعية تطالب بحقوقها وبالتالي جاءت التشريعات لتوفّر البيئة الخصبة للمرأة للإبداع والقفز قفزات متسارعة و«حرق مراحل» للوصول بها إلى مكانة راسخة في أقل من نصف قرن بفضل التشريعات التي أتاحت لها اختراق المجالات غير التقليدية أيضاً كالفضاء والطاقة وغيرها، إذ سبقنا الكثير من الدول الأخرى، وبفضل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» التي واكبت المسيرة بدعمها قانونياً ومجتمعياً».
وتوجّه الصايغ رسالتها للمرأة باعتبارها «دعامة رئيسية من دعائم التنمية في الإمارات، ومن دونك لا تصبح التنمية تنمية مستدامة وحقيقية لأنك روح المجتمع وروح المكان كما يطلق عليك صنّاع القرار».
المحامية موزة مسعود: القوانين أرست حماية المرأة وقدمت لها فرص عمل مساوية للرجل
لعب الجانب التشريعي دوراً بارزاً في الارتقاء بمكانة المرأة وانخراطها في كافة مجالات العمل ومكنّها من خوض ميادين مختلفة. تتناول المحامية موزة مسعود القوانين التي حفظت حقوق المرأة وجعلتها تعيش عصرها الذهبي كونها تعتبر «من النساء المحظوظات لتمتعها بجميع حقوقها في الدولة منذ نشأتها على يد المؤسس الوالد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والذي آمن، منذ البداية، بأن يد المرأة ويد الرجل تكملان بعضهما البعض، فشجعها على العلم والعمل في جميع مجالاته حتى وصلت إلى مناصب قيادية وحققت طموحها وسلطت الأضواء على إنجازاتها وتركت بصمة للأجيال القادمة لتكمل المسيرة على نهج حب الوطن والإخلاص للقادة وولاة الأمر».
تلفت المحامية مسعود إلى ما سنّته الدولة من تشريعات وقوانين تحفظ فيها حقوق المرأة وتحددها، ومنها:
«أم الإمارات» كانت الأم الحنون التي ساعدت المرأة الإماراتية ,تشريعياً ومجتمعياً ,لتصل إلى مرحلة التمكين
الكثير من القوانين سنّت لتسهل حياة المرأة الإماراتية وتكون سعيدة في أسرتها وعملها ومجتمعها، كما تلفت مسعود، موجهة الشكر لـ«سيدة عظيمة تسلمت الرسالة من الأب القائد لتكون الأم الحنون التي تدفع المرأة إلى الإبداع والتميز والعطاء غير المحدود في جميع المجالات وتساند المرأة العاملة أو مربية الأجيال أو طالبة العلم على مقاعد الدراسة داخل وخارج الدولة، وهي الأم الفاضلة أم الامارات الشيخة فاطمة بنت مبارك آل نهيان، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، حفظها الله، وكل الشكر لكل امرأة قدرّت جهود الدولة وأدت الرسالة بكل أمانة وإخلاص».
هاجر العيسى: رؤية شاملة ومتكاملة لإشراك المرأة في تصميم المستقبل
تجسّد هاجر حسين العيسى، أمين عام جمعية الإمارات للإبداع، نموذجا لقدرة الدولة على التماهي مع طموحات المرأة، حيث تؤكد على أهمية التشريعات والقوانين ودور القيادة في الارتقاء بمسيرة المرأة والدفع بها نحو آفاق من الإبداع.
تشرح العيسى «شاركت المرأة الإماراتية في مراكز صنع القرار وحققت أرقاماً قياسية على أرض الواقع بتقلدها المناصب العليا في جميع القطاعات الحيوية ومنها الصحة والاقتصاد والتعليم، كما تشغل اليوم 9 حقائب وزارية ونصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، وكلها شواهد على أن دعم مكانة المرأة في الإمارات يتّم بناء على رؤية شاملة ومتكاملة، وخطط وطنية لإشراكها الفعلي في تصميم المستقبل وبناء الوطن، وترسيخ دورها كطاقة مؤثرة للتطور والابتكار بما يعزّز تنافسية الدولة في استشراف المستقبل».
وتستمر الدولة في بناء قدرات المرأة بما «يضمن توسيع نطاق مشاركتها التنموية، إلى جانب الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتماسكه من خلال تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة ومواكبة التغيرات المستجدة، والبناء على الإنجازات المتحققة والحفاظ على المكتسبات واستدامتها، حيث تتضافر هذه الاستراتيجيات والتوجهات لتوفير مقومات الحياة الكريمة والرفاه الاجتماعي بأسس عالية الجودة للمرأة، لتعزيز مكانتها في المحافل الإقليمية والدولية».
لا تغفل هاجر العيسى دور المرأة في تلك المسيرة «استفادت المرأة من الدعم ومن الفرص التي منحتها الدولة لها للوصول إلى المكانة المرموقة. فالعلاقة بين الدعم الرسمي وجهود المرأة هي علاقة طردية، فكما دعمت الدولة المرأة الإماراتية بالسياسات والتشريعات، قدمت المرأة قدوة حيث نرصد نساء يحتذى بهن في علمهن وجدهن واجتهادهن لوضع بصماتهن على صفحات التاريخ الإماراتي منذ بداية الاتحاد».
منى التميمي: صوت مسموع للمرأة على صعيد دورها الأسري والمجتمعي
أثبتت المرأة الإماراتية مكانتها في سوق العمل. منى التميمي، نائب الرئيس للتسويق والاتصالات المؤسسية في ديار للتطوير، نموذج لتمكين المرأة وأهمية الدعم في إرساء الدور الفاعل للمرأة في خوض غمار أي ميدان.
تؤكد التميمي على الدور المحوري للمرأة الإماراتية في نسيج المجتمع الإماراتي حيث «تسعى دائماً للاستفادة من الفرص المتاحة لها للتطور وإثبات وجودها في سوق العمل، ما أوصلها لمكانتها الراهنة».
تقول «لطالما كانت دولة الإمارات داعمةً لتمكين المرأة الإماراتية وتعزيز مشاركتها في العمل بمختلف القطاعات. فكما أكدّت سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة «مؤسسة دبي للمرأة» و«مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين»، على أنّ التوازن بين الجنسين هو نهج إماراتي أصيل منذ تأسيس الدولة، وأنّ المبادئ والمرتكزات التي تبنتها الإمارات تضمنت مواد دستورية تؤكد على المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع وتشريعات قانونية وسياسات وأطراً تنظيمية داعمة لحقوق المرأة وتعزيز دورها في مختلف مسارات التنمية».
فالمرأة الإماراتية أثبتت حضورها على الصعيد السياسي ومراكز صنع القرار دون أن تغفل دورها الاجتماعي والأسري.. توضح التميمي «وصلت المرأة الإماراتية إلى مناصب قيادية عليا في مجالات عدة سواء في السياسة، الاقتصاد، القضاء، الفضاء وغيره، في خطوة تعكس ثقة القيادة الإماراتية في المرأة، والحرص على قيامها بدور فاعل وأساسي في مسيرة التنمية وصناعة المستقبل، لتتصدر الإمارات المراتب الأولى في نسبة مشاركة المرأة العربية في هيئات صنع القرار والمراكز القيادية».
هذا الدور يتكامل مع دور المرأة الإماراتية المحوري على الصعيد الأسري، حيث «يعّد الأساس لبناء مجتمعنا الإماراتي. فعلى سبيل المثال، بات للسيدة الإماراتية صوت مسموع في اتخاذ قرارات مصيرية تساهم في الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والمادي لأسرتها، من أهمها الشراء والتملك العقاري سواءً على الصعيد الشخصي للسكن أو بغرض الاستثمار، لاسيما مع تطور القطاع العقاري في الدولة».