هذه المرة فعلتها السينما العربية وحشدت جديدها في نحو ثلاثة عشر فيلماً من أجل المشاركة في مهرجان تورنتو الكندي الذي سينطلق في 7 سبتمبر المقبل.
تورنتو، مدينة فيها 62 مهرجان سينما سنوياً ومعهداً دائم العمل على مدار السنة وجمعيات نقدية وسينمائية عديدة. أبرز هذه المهرجانات وأكبرها هو «مهرجان تورنتو الدولي» الذي تم تدشينه سنة 1978 منضماً إلى النخبة من مهرجانات العالم الرئيسية بدءاً من مطلع التسعينات عندما ازداد نجاحه وتوسعت مصادره من الأفلام المحلية والعالمية.
من سنة بدايته وحتى مطلع التسعينات كانت التسمية الممنوحة له هي «مهرجان المهرجانات»، لأن برمجته كانت تعتمد على نحو شبه كلي على ما تعرضه المهرجانات الأخرى من أفلام.
بعد ذلك تم نفي تلك التسمية ليكتسب موقعه المميز، حيث تؤمه اليوم أفلام لم تعرض في أي مكان سابق. ما لم يتغير هو عدم رغبة القائمين عليه اختيار لجان تحكيم فعلية ومنح جوائز رسمية باستثناء قسم مخصص تحت عنوان «بلاتفورم برايز».. هذا لجانب استفتاء جماهيري لانتخاب أفضل فيلم من بين ما تم عرضه. هذا يزيده اختلافاً عن سواه ويحرر المشتركين فيه من حمى التنافس.
من ناحية أخرى، تكمن أهمية إضافية للمهرجان من خلال حقيقة أنه البوابة المثلى للسوق الأميركية شأنه في ذلك شأن مهرجان «صندانس» الأميركي مع فارق أن «صندانس» يختص أكثر بالتجارب الجديدة والسينما المستقلة. لهذا السبب يضمن المهرجان الكندي وفوداً من صانعي الأفلام تأمل في أن تنجز اتفاقات وصفقات على هامش تلك العروض.
الحضور العربي في مهرجان تورنتو السينمائي 2023
جديد المهرجان هذا العام ليس مئات الأفلام كما الحال دائماً بقدر استقباله 13 فيلماً لمخرجين عرب. أربعة من هؤلاء يعيشون في فرنسا وبريطانيا ويتم إنتاج أفلامهم فيهما، لكن الغالبية آتية من السعودية وتونس والأردن والمغرب.
تتقدم الباقة العربية ثلاثة أفلام سعودية تبعاً للنهضة الكبيرة التي تعيشها السينما السعودية، صناعة وإنتاجاً وعروضاً، اليوم.
الفيلم العربي الذي كان له أكبر صدى من بداية العام وحتى الآن هو جديد التونسية كوثر بن هنية «أربع بنات» الذي انتزع جائزة قيمة من مهرجان «كان» في ربيع هذه السنة. هو مزج ما بين الدراما والتسجيل. الأول يمنح الفيلم صفة الروائي والثاني يضعه في خانة معاكسة. بذلك هو جمع بين تناقضات مقصودة. يدور حول أم لأربع بنات اسمها ألفة (هندي صبري) تبحث عن ابنتين من بناتها قررتا الانضمام إلى جماعة متطرفة. ترغب الأم استعادتهما من مصير مظلم وإعادتهما إلى حظيرة العائلة. يزداد الفيلم غرابة مع أسلوب انتقال ما بين ممثلي الفيلم المحترفين وممثليه الحقيقيين. إنه كما لو أن غاية المخرجة سرد الحكاية ثم تأكيدها عوض أن تكتفي بالسرد وحده. يلفت هذا الأسلوب الاهتمام بالفعل لكن جدواه هو أمر آخر.
فيلمان آخران من عروض «كان» هذه السنة يعرضان في تورنتو، أولهما «طبيعة الحب» للمصرية- الكندية منيا شكري وهو دراما عاطفية بعيدة تماماً عن أي هم أو موضوع عربي، والثاني (من دون ترتيب ما) «أم كل الأكاذيب» للمغربية أسماء المدير. جدير بالذكر أن هذا الفيلم خرج من المهرجان الفرنسي بجائزة أفضل مخرج عن قسم «نظرة ما».
فيلمان في تورنتو.. مصري وأردني
كذلك يتوغل المصري كريم عامر في الحرب الأوكرانية عبر «متحدي» Defiant. في هذا الفيلم التسجيلي (بريطاني. أوكراني، أميركي) يقابل المخرج وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا الذي يعرض وآخران مسارات الحرب القائمة والقضية الوطنية التي تأبى التنازل. لا يخفى أن الفيلم يؤازر أوكرانيا ضد روسيا منضماً إلى عدد متزايد من الأفلام التسجيلية والروائية في هذا الصدد.
بالعودة إلى العالم العربي، يعرض المهرجان «إن شاء الله ولد»، فيلماً جيداً آخر من الأردن حققه أمجد الرشيد حول تطبيق الشرع على امرأة مات زوجها العاطل عن العمل. بما أنها لم تنجب ذكراً (بل فتاة) فإن من حق أقارب الزوج امتلاك المنزل الذي تعيش فيه. دراما ذكية ولو أنها تتعامل، فنياً، مع أبسط أدوات التعبير.
مخاطر الصحراء
ثلاثة أفلام لثلاثة شبان تتوزع بين قسمي «اكتشاف» و«مدنايت مادنس».. وهي «مندوب الليل» لعلي الكلثمي، و«ناقة» لمشعل الجاسر و«هجان» للمصري أبو بكر شوقي الذي كان سابقاً أنجز فيلمه الأول «يوم الدين» (2018) وعرضه في مهرجان «كان». هناك طرف إنتاجي مصري- أردني أيضاً لهذا الفيلم، لكن الغالب أنه من تمويل سعودي كونه يدور في باديتها مع ممثلين سعوديين وموضوع يتحدث عن رحلة شقيقين في الصحراء أحدهما ينوي الاشتراك في سباق الجمال المقبل.
أما «ناقة»، المعروض في قسم «مدنايت مادنس»، فيتجه صوب خيارات أخرى. تقع الأحداث التي كتبها المخرج مشعل الجاسر في السبعينات. بطلة الفيلم (عدوة بدر) شابة جميلة لديها موعد خفي مع صديق يأخذها معه إلى حفلة في منطقة صحراوية بعيدة. لكن الشابة تريد العودة إلى بيتها قبل أن ينتبه والدها لتأخرها. تكتشف خداع صديقها وتنطلق للبحث عن طريق للعودة وسط صحراء مفزعة ومتاعب من كل نوع محتمل.
الفيلم السعودي الثالث «مندوب الليل» للمخرج الجديد علي الكلثمي، ويدور حول سقوط الشاب فهد (محمد الدوخي) في دوامة من صنعه والاختيارات الخطأ التي يقدم عليها. يعمل ليل نهار ليعيل والده ثم يطرد من عمله فيحاول بيع زجاجات خمر سرقها من تاجر يصنعها محلياً بلا ترخيص. توابع ذلك كثيرة في فيلم اجتماعي من نوع الكوميديا السوداء.
الأفلام الفلسطينية مطلوبة
هناك بعض الأفلام التي تدور حول مواضيع فلسطينية حتى وإن لم تكن من إنتاج فلسطيني (يسارع المخرجون عادة إلى وضع أسماء بلادهم جنباً إلى جنب أسماء الدول الغربية حتى وإن كان التمويل غربياً على نحو مطلق). أولها «المعلم» للمخرجة فرح نابلسي، بريطانية المولد من أبوين فلسطينيين، في (قسم «اكتشافات»). تتشابك الأحداث هنا لكثرتها: المعلم بسام (صالح بكري) يفقد ابنه في حادثة ثم زوجته التي انفصلت عنه. بريطاني يعمل في الخدمات الإنسانية (إموغن بوتس) يتدخل للمساعدة بعدما تم هدم منزل عائلة شقيقين. ثم دبلوماسي أميركي وزوجته يناشدان مجموعة فلسطينية خطفت ابنهما لإطلاق سراحه، لكن المجموعة تطالب بإطلاق سراح 1000 سجين فلسطيني في المقابل.
على نحو مختلف تقدم المخرجة الفلسطينية- الفرنسية لينا سويلم على تقديم دراما من بطولتها والممثلة هيام عباس بعنوان «وداعاً طبريا». حكاية أم (عباس) تعود مع ابنتها (سويلم) إلى فلسطين لتغمرها الذكريات حول شتات النكبة وما تلاها. الفيلم من تمويل وفرته أساساً فرنسا، وهذا حال فيلمين آخرين هما «سيسترهود» (Sisterhood) حول ثلاث شابات تصادقن منذ الصغر لكن أحداثاً أخيرة تفتح أعينهن على خلافات عرقية وطبقية وثقافية. الفيلم من إخراج المغربية نورا الحروش.
الفيلم الآخر هو «بعد النار» (After the Fire) لمهدي فكري ويتمحور حول عائلة فقدت ابنها الذي قتلته الشرطة الفرنسية في ضواحي ستراسبورغ.