مر محمد خان في السينما العربية كما لو كان مسافراً عبر الزمن. أحب السينما كما لم يحبها سواه. شغفه بها قاده ليس إلى التقدم من فيلم لآخر، بل إلى إنجاز كلاسيكيات تزداد قيمة مع الزمن.. وفيلم «طائر على الطريق» واحد من أبرزها.
هذا الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرج محمد خان مكتوب بعناية بشير الديك وبتصوير جيد من سعيد الشيمي وتوليف فعال من المونتيرة التي واكبت معظم أفلام المخرج.
دراما عاطفية حول سائق تاكسي في الإسكندرية اسمه فارس (أحمد زكي) الذي يعيش على الهامش الاجتماعي كملايين غيره. إنه إنسان طيب يحب الخير (يتوقف كل يوم ليحضر غداء لسائق عجوز يقوم بدوره حافظ أمين) ولديه صديقة منطلقة اسمها عصمت (آثار الحكيم). عصمت اسم رجالي وهي بالفعل لا تتصرف كأنثى ناعمة، ولو أنها أنثى كاملة تشعر بأنوثتها وتطلب من فارس النظر إليها ومعاملتها على هذا الأساس.
تتهاوى العلاقة بينهما بعدما تعرف فارس على فوزية (فردوس عبدالحميد) المتزوجة من صاحب مزرعة قاس ومستبد وعاجز جنسياً اسمه جاد (فريد شوقي). يقرأ فارس ما تعانيه فوزية من مشاعر وهي تتلقى تلك العاطفة ثم تبادلها بحب يكشف عن مستوى الكبت الذي تعيشه. تتواصل اللقاءات العابرة حين يقوم بتوصيلها إلى العيادة التي تتم معالجة زوجها من ألم في ساقه. الطبيب المعالج كان اقترح بقاء الزوج في العيادة بعدما شكا جاد من عجزه. تبرير ضعيف البناء لكن السيناريو قام به ليخلق مساحة من لقاءات. جاد لا يطيق فارس ويغار منه والغيرة تولد الشك في أن زوجته تخونه معه.
وفر السيناريو لشخصياته (وكلها تمثل أدوارها جيداً) الحالات العاطفية لكنه لم يوفر الكثير من الظروف المكانية ولا تنفيذ خان لمشاهده استند إلى رؤية فنية بقدر ما استند إلى الرغبة في سرد ما يرويه الفيلم ولو كان مكرراً أو غير مثير. إنه، من ناحية أخرى، يحاول معايشة الواقع ونقل أحاسيس تنبع مباشرة من الحياة اليومية، لكن هنا، ولا أدري إلى أي حد مسؤولية المعامل غير المتقدمة، تطغى المؤثرات الصوتية على الحوار لجانب موسيقى تبدو حشرية أكثر مما هي مساندة بحيث يصير من المزعج مجرد الإنصات إلى ما يقال، وتضيع رغبة المخرج في أن ينقل المعايشة المقصودة تحت وطأة الإكثار من استخدامها، كما تحت وطأة استخدامها من دون زخم أو مضمون في السيناريو الذي بين يديه.
بقدر ما تحاول الكاميرا أن تكون قريبة وشاعرية، بقدر ما هي في الإجمال تفتقر إلى ما يثريها. خان يمتلك الرؤيا وبدايات الأسلوب، لكن هذا الفيلم لا يبرهن انتقالهما إلى الممارسة الذاتية السليمة.
رغم هذه العثرات، يحمل الفيلم بصمات لا تنسى للمخرج الراحل. إنه فيلم مختلف في نظرته وطريقة معاملته لهذا المحور الذي كان يمكن له أن يسقط في ميلودراما طاغية لو وقع السيناريو في يدي مخرج آخر.
التمثيل الذي يؤديه كل من فريد شوقي وفردوس عبدالحميد مختلف عما قاما به قبل وبعد هذا العمل. شوقي الذي جسد الرجولة في معظم ما أداه من قبل كان الاختيار المفاجئ لتمثيل شخصية الرجل الذي يدرك أنه فاقد الرجولة ويدعي غير ذلك كاذباً على نفسه. دور جريء له فهمه بالكامل وأداه جيداً.
كان هذا الفيلم أول لقاء بين المخرج محمد خان والممثل أحمد زكي (تبعه عدة لقاءات منها «أحلام هند وكاميليا» و«مسر كاراتيه»). فالفيلمان السابقان لخان، وهما «ضربة شمس» و«الرغبة» كانا من بطولة نور الشريف.