19 يونيو 2023

محمد رضا يكتب: المرأة المحاربة

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رضا يكتب: المرأة المحاربة

كانت زوجة شقيق جدي (رحمهما الله) اسمها أسماء وكانت أخت الرجال. ذات مرة كان شقيق جدي مريضاً وكانت تسهر عليه. لكن جيرانها كانوا أقاموا حفلة في الحديقة وهات يا غناء عالٍ ودبكة. عندما حل الليل ولم ينته الحفل قصدت جيرانها وطلبت منهم الكف عن الضجيج وأخبرتهم أن زوجها مريض.

لكن هؤلاء لم يأبهوا واستمروا باحتفالهم. حينها توجهت أسماء إلى جدي عبدالرحمن وطلبت مساعدته، وهذا هب مع بضعة رجال من الحي و... هات يا ضرب.

لم تقف أسماء بعيداً بل شاركت في ضرب الرجال أيضاً. لذلك سميت «أخت الرجال». بعد المعركة تدخل أولاد الحلال من باقي الجيران وتصافح الجميع. توقف الغناء والرقص لكن العزيمة تواصلت وأكل المدعوين ملئ بطونهم ثم عادوا. أحدهم اعترف لجدي أنه تلقى صفعة من زوجة شقيقه لن ينساها.

لا أعرف إذا توفى وهو ما زال يتذكرها لكني أتذكر الحكاية التي سمعتها من والدتي... رحم الله الجميع.

تذكرت الحكاية وأنا أتابع فيلم Guardians of the Galaxy-3 وبطلاته اللواتي يتصدين للرجال. ليس كل الرجال بل للأشرار الأشاوس منهم. وبالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يعرض لنا فيلم ما النساء الضاربات. من فترة بعيدة كانت كل نساء «بلاك بانثر 2» من المقاتلات اللواتي لا يمكن قهرهن.

هناك عدد متزايد من الأفلام تتحول فيه الإناث إلى مقاتلات لا يشق لهن الغبار أيضاً ولا ننسى من سبقهن في هذا الدرب من «كات وومان» و«ووندر وومان» إلى «بلاك ويدو» ومن «بلاكهوك» إلى «إلكترا» مروراً بنحو خمسين شخصية نسائية أخرى (آخرها شخصيات Black Panther: Wakanda Forever) بتنا نشهد صور نساء بالغات القوة ومماثلات في قدراتهن الأسطورية للرجال.

هن يقاتلن الأعداء بالضراوة ذاتها ويتمتعن بالقدرات القاهرة نفسها و-مثل الشخصيات الرجالية- يذهبن إلى أبعد ما يمكن في ممارسة أفعال القتل والعنف؟ هل من المفترض بنا أن نصفق لهن؟ هل أريد أن أصفق للرجال ذوي الرؤوس الفارغة والعضلات المفتولة؟

وفي حين تبارك بعض المجتمعات هذا الوضع على أساس من «حرية المرأة» و«مكانتها» وعلى اعتقاد بأن هذه الأفلام تعكس احترامها والاعتراف بقدراتها البدنية، إلا أن ما تجسده في الواقع هو ابتعادها عن النماذج المثالية للمرأة. فأغلبية البطلات ليست لديهن رسائل اجتماعية أو وطنية ما يجعل انفصالهن التام عن الواقع (كانفصال الأبطال الرجال كذلك).

زوجة شقيق جدي كانت في رأيي مضطرة. كانت تحب زوجها وتريد راحته. لكن حتى الحب لا وجود له في أفلام اليوم. أين ذهبت الأنثوية؟ لابد من التذكير أن «السوبر وومان» لا علاقة لها لا بحرية المرأة ولا بأهمية دورها الاجتماعي، هو مجرد تنفيث ضارب في الخيال، وفي الخيال يبقى.

 

مقالات ذات صلة