الزيادة الضخمة في عدد الأفلام التي تدور حول آدميين ذوي قدرات خيالية مهولة تعكس رغبات نفسية مختلفة لا بين الأولاد فقط، بل بين الرجال أيضاً. ولكن لا بد من الانتباه أكثر فأكثر إلى تأثيراتها.
ليس من الصعب تخيل الأولاد الذين خرجوا من فيلم «شازام: غضب الآلهات» Chazam: Fury of the Gods وهم يصيحون «شازام» فلعل وعسى ينقلب الواحد منهم إلى سوبر هيرو كما يرد في ذلك الفيلم.
نعم هم أولاد يريدون اللهو ويستمتعون بالخيال المكتسب مما يشاهدونه من أفلام السوبر هيرو، لكن شيئاً من هذا الخيال يؤدي، بلا ريب، للانفصال عن الواقع، متخيلين اكتساب قوة استثنائية ومدركين، في الوقت ذاته، بأنهم عاجزون عن فعل ذلك على عكس بطل الفيلم الذي ينقلب من طفل إلى رجل مغوار (زكاري لڤي). البديل لذلك العجز هو تشغيل الذهن بالتصرف على أساس قدرات غير موجودة تتلبس الأطفال قبل دخول المدارس وبعد انصرافهم وفي المنزل وأمام الشاشات أو في أي واقع آخر.
هي شيزوفرينيا مسموح بها يمر بها الأولاد المستجيبين لما يشاهدونه من أفلام السوبر هيرو. في عمق مداركهم إنهم يمثلون ما لا يستطيعون فعله. في الواجهة رغبتهم في الانصهار لشخوص أخرى قادرة على الطيران تلقائياً أو إيقاف قطار قادم بيد واحدة أو إطلاق شعاع يحيل العدو إلى كومة مهملات أو- على الأقل- يردعه إلى الأبد.
هذا ليس سوى القشرة الخارجية حسبما لاحظ بول كيتا، رئيس تحرير مجلة Men's Health وأب لطفل لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد، كتب يقول: «كنت على خطأ عندما أخذت ابني إلى دكان لبيع مجلات الكوميكس القديمة. هناك أدركت أن أبطال هذه الشخصيات الخارقة تقوم بما أحاول ردع ابني عن القيام به».
عنف يولد عنفاً
كان بول قد لاحظ أن ابنه قد بدأ، في تلك السن المبكرة، التصرف على نحو مختلف عما قبل. كان بدأ يرفس ويضرب ويعض رفاقه في المدرسة حسبما قال له المشرفون عليه. زيارة محل المجلات القديمة جعلته يدرك أن ابنه مصاب بعارض مبكر من رفض الواقع والرغبة في التصرف كتلك الشخصيات التي يشاهدها على شاشات ألعاب الفيديو ومحطات التلفزيون أو سواها.
حاول بول كيتا تصحيح الأمر بالحديث إلى ابنه محذراً إياه بأن هذه الشخصيات التي تدور في باله ليست واقعية ولا يمكن تقليدها، لكن التحذير، كما كتب، كان متأخراً أو لم يكن مقنعاً: «الرغبة العاطفية لدى ابني سطت على الواقع وتصرفاته العدائية استمرت».
لابد أن هناك حكايات لا حصر لها تماثل هذه الواقعة أو تضيف إليها. ذلك أن ما نشاهده مرتسماً على الشاشة لا يمر عبثاً ولا تنتهي آثاره بنهاية الفيلم حين تصدح الموسيقا على أسماء كل الذين شاركوا في صنع هذه الأفلام. يهب الراشدون وقوفاً مبتسمين أو ساخرين، لكن من هم في سنوات المراهقة وما دون يغادرون الصالة وقد حفظوا الفيلم وحركات وتصرفات أبطال الفيلم وتشربوا الوهم الذي تعرضوا إليه لساعتين من مشاهد العراك والعنف وخزعبلات البطولة المطلقة.
إغواء المشاهد للعودة مرات ومرات
شازام كلمة تحول الناطق بها إلى شخصية كابتن مارڤل كما وردت أولاً في فيلم Adventures of Captain Marvel سنة 1941. كان «مغامرات كابتن مارڤل» فيلماً مسلسلاً (Serial) يسبق الفيلم الأساسي المعروض على مدى 12 أو 15 أسبوعاً كل حلقة منه تتألف من نحو 13 دقيقة وتبدأ حيث انتهت الحلقة السابقة وتمهد للحلقة المقبلة. هدفها كان جر قدم المشاهدين في كل أسبوع لمشاهدة كيف سيخرج بطلها من مأزق أو فخ أو كيف سينقذ نفسه وقد انهارت فوقه صخور كبيرة أو وجد نفسه سجين كهف بلا منفذ للخروج منه. في عدة أفلام كان يجد نفسه في حجرة صغيرة تتحرك جدرانها للإطباق عليه. كيف سينجو؟ «لا تنس العودة إلى الحلقة المقبلة في هذه الصالة لمعرفة الجواب»، كما يقول التعليق. البطل، كابتن مارڤل أو سواه، كان دائماً ما ينجو ودائماً ما يعود.
في الماضي كان هناك قدر كبير من السذاجة المعفاة من النقد.
في ذلك الفيلم، تحت إخراج مزدوج من جون إنغليش ووليام وتني، لعب فرانك كوغلان دور الفتى الذي ينطق بالكلمة السحرية فيصبح كابتن مارڤل في ثوان (قام به توم تايلر). الممثل المتحول (فرانك كوغلان) لم يحفظ الاسم جيداً خلال التصوير ولم يتدخل المخرجون لإرشاده، فمرة يقول «شازام» ومرة «شازيم» ومرة «شازوم». لكن الخيال هو ذاته.
لعل أطفال ومراهقو ذلك الحين كانوا أكثر فطنة، أو ربما أفلام السوبر هيرو آنذاك لم تكن مزودة بالإمكانات الرهيبة للمؤثرات البصرية. لذلك كان التأثير محدوداً والخيال أضعف من أن يستولى على الواقع.
الحال مختلف جداً في العصر الحالي والتأثير السلبي (كونه لا يوجد هناك تأثير إيجابي) مضاعف حجماً وخيالاً. في عالم اليوم باتت الرغبة السائدة لدى العديد من الشبان دون العشرين تحقيق بصمة ذاتية لكي يشعر بالأهمية وبالتميز. تشخيص السوبر هيرو في البال يؤدي إلى محاولة ممارسته بالفعل بما هو متاح من قدرات. الإدراك بأن الفرد العادي غير مؤهل لذلك يحتل مؤخرة الوعي. في المقدمة فعل ما يمكن فعله لكي يقترب إلى حد التلاصق مع الشخصية التي يحب.
جانب آخر في «السوبر هيرو».. كسر القانون
الجانب الآخر من أفلام «سوبر هيروز» لا يقل عن الأول في تأثيراته السلبية. نعم «سوبرمان» و«باتمان» و«ذا أفنجرز» و«كابتن أميركا» وسواهم شخصيات تصنع أفلاماً مسلية لملايين البشر. عادة ما ينجلي كل عام عن وجود سبعة أفلام من هذا النوع في قائمة الأعمال الأكثر رواجاً حول العالم بإيرادات تتجاوز أو تحاذي مليار دولار لكل فيلم.
لكن في تحليل دقيق فإن ما نشاهده هو استبعاد القانون من منصة الحلول. لا رجال الشرطة قادرون على الحد من الجريمة ولا القضاء لديه ما يكفي من القدرات للجم المجرمين والأشرار، ولا القانون أيضاً يستطيع فعل شيء لدرء الخطر الماحق. هذا إلى جانب فساد مستشر في موازاة قلة حيلة لدى المسؤولين كباراً وصغاراً.
هذا ما يترك للسوبر هيرو الواحد (أو للمجموعة الكاملة في أفلام «ذا أفنجرز» أو «ذ فانتاستك فور») حرية العمل خارج القانون ليطبق القانون... لكن أي قانون؟
يكشف فيلم السوبر هيرو الواحد هذه الأيام عن نحو 50 مشهد عنف على الأقل. البطل الخارق (أياً كان) يقدم على أكثر من نصف هذه المشاهد بنفسه. الباقي من نصيب الأشرار. وحسب مبدأ يقول إن قيمة وقوة البطل من قيمة وقوة عدوه فإن السجال بين الطرفين لابد بدوره أن يأتي قوياً وعنيفاً ويشمل الضرب والقتل وإسالة الدماء.
هذا كله يصل إلى أسماع وأبصار الصغار سناً ومن العبث تماماً الاعتقاد بأن فاعليته تنتهي بانتهاء الفيلم والعودة إلى الحياة خارج قاعات السينما أو بعيداً عن شاشات المواقع والمنصات.
هل الأذى من نصيب الصغار فقط؟
يقول دكتور روبرت أولمبيا، المتخصص في دراسة الشؤون الاجتماعية، إن الكبار يتأثرون بأفلام السوبر هيرو مشيراً إلى أن مبيعات التذاكر لا تمثل غير الراشدين فقط. وحسب قوله: «واثق بدرجة مئة في المئة من أن الكبار سناً يتعرضون للتأثير السلبي ذاته الذي يتعرض له الأبناء».
طبعاً ليس كل الراشدين، لكن هذا الاستثناء قليل الحجم، فالغالبية تقصد هذه الأفلام للمتعة وتحصل عليها وتغادر الصالات وهي تمني النفس بالمزيد منها.
والخطر الأكبر أن أحداً من شخصيات البطولة الخارقة لديه أي حد أدنى من الاعتراف بأن العنف خطأ. هذه الشخصيات وهذه الأفلام كتبت لتمجيد القوة وليس للاعتراف بأخطائها. في دراسة لها نشرت البروفسور كارا داران «لا يوجد في أي فيلم كوميكس شخصية تعترف بذنبها أو بفهمها بأن العنف فعل خطأ. تكاد هذه الشخصيات أن تتندر على أفعالها على نحو: هل تتذكر عندما قتلت كل هؤلاء الناس؟».
الفارق الكبير بين تأثير العنف في الراشدين وبين تأثيره في المراهقين عموماً هو أن الراشدين يدركون أنهم غير قادرين على التماثل مع أبطال الشاشة ما يجعل بعضهم يوجه طاقته لدخول الأندية الرياضية وبناء العضلات وحمل الأوزان الثقيلة وذلك حسب رأي طبيب مختص آخر (كنيث ميتشفيتز) الذي يشير في دراسة له إلى أن حياة السوبر هيرو الخاصة، أي بعيداً عن بذلته وقبل أن ينتقل من شكل الإنسان العادي إلى آخر مختلق، هي ما يستطيع المشاهد الراشد تقليده وتلك الحياة ليست بدورها سلمية أو مبهجة.