مبدعة، متعددة المواهب، تنتقل بين أجناس الفن المختلفة لتدمجها بطريقة تحمل لمسة خاصة بها، فهي شاعرة وروائية وفنانة تشكيلية، فازت بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عام 2022، لتكون أول إماراتية تحصد وبجدارة هذا الفوز.. هي الأديبة ميسون صقر القاسمي، التقيناها لنتعرف إلى مشوارها مع دروب الفن الواسعة.
تعدين أول إماراتية تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عام 2022، هل لك أن تحدثينا عن وقع الجائزة عليك؟
تعد تلك الجائزة وساماً على صدري كونها تحمل اسم مؤسس دولتنا الحبيبة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولأنني أعد أول كاتبة إماراتية تنالها في فرع الآداب منذ نشأة هذه الجائزة، فقد حصدها ثمانية آخرون في الفروع الأخرى، لأنضم إليهم وكلي فخر كونها اعترافاً من الدولة بقيمة الفن والأدب والثقافة، بجانب أنها جائزة لها مكانتها على المستوى العربي والدولي.
ما سبب اختيارك لفكرة الكتاب الفائز ومغزى موضوعه؟
«مقهى ريش.. عين على مصر»، كتاب يتناول أحد أشهر مقاهي العاصمة المصرية، القاهرة، وهو ملتقى كبار المثقفين والأدباء المصريين والعرب، إذ يشكل منذ تأسيسه في عام 1908 نافذة تطل على مصر كلها في فترات زمنية متباينة، وشهد غناء أم كلثوم للمرة الأولى في القاهرة، بعد أن تم تخصيص مساحة تقدر بثلاثة أمتار من المقهى لتمثل المسرح الذي غنت عليه كوكب الشرق وأيضاً الفنان زكي مراد، وتواصلت مع ملاك المقهى العريق واطلعت على وثائق كشفت جوانب مهمة من تاريخ القاهرة وأظهرت ملامح من حب المصريين لبلدهم. ومثلت كتاباتي عن المقهى نافذة للدخول إلى التاريخ والفن والحالة الاجتماعية في مصر خلال فترات زمنية مختلفة، فعندما كتبت عنه لم أقصد المكان المجرد، بل ماضيه وما يمثله من نقطة ارتكاز شهد تشكيل الوعي الأدبي والثقافي وعزز الساحة الفنية بكثير من التجارب المثمرة، والحقيقة أنني ظللت أكتب في هذا الإصدار لمدة 10 سنوات وكان هدفي تقديم محتوى يستحق التقدير وكلل عملي بالفوز بتلك الجائزة العريقة.
تقيمين بين الإمارات ومصر، فما سر تعلقك بأم الدنيا حبيبة القلب كما تصفينها؟
دائماً ما أقول إن الإمارات الوطن الأم، ومصر حبيبة القلب، ففيها قضيت سنوات طويلة من عمري، وعرفت عن طقوس وعادات وتقاليد شعبها الكثير، وتعرفت إلى العديد من الأدباء والشعراء، وعلى الرغم من هذا التوغل في تلك الحياة المصرية وما تحمله من متعة حقيقية، ظللت متمسكة بجذوري وهويتي الإماراتية وسأظل حتى آخر نفس في عمري.
لديك 13 مجموعة شعرية، ما العامل المشترك الذي يربطها؟
روح الشاعرة ميسون هي العامل المشترك الذي يظهر بوضوح في هذه المجموعة، فالفنان يجدد وينوع ويبدع في كل ما يقدمه، إلا أنه يظل حاملاً روحه وشخصيته وهويته في كل مرة يخط بها القلم.
لك روايتان «ريحانة»، و«في فمي لؤلؤة» فما سبب قلة الكتابة في هذا الجنس الأدبي؟
لأنني أعتمد في رواياتي على صياغة التاريخ وتدوين أحداثه ودائماً ما يحتاج البحث فيه لسنوات طويلة، فالرواية الأولى تسرد فترة تاريخية عن واقع منطقة الخليج في فترة ما قبل النفط وما مرت به من فترات زمنية متلاحقة، أما الرواية الثانية فكانت حصاد سبع سنوات من البحث والقراءة والتأمل، وهي مزيج من الشعر الشعبي والحكايات القديمة التي تستعرض حقبة تاريخية تلك المتعلقة بتجارة الغوص من أجل صيد اللؤلؤ والمرجان وحكايات الصيادين والأساطير المرتبطة بتلك التجارة، وارتباط ذلك كله بكونها كانت بمثابة حائط صد، إذ استطاعت تلك التجارة حماية المنطقة من المحتل، الذي أراد أن ينتفع بخير بلادنا لحسابه ليقف أهالي تلك المنطقة ويتصدون له بكل قوة وعزيمة وإرادة صلبة.
لا أسعى إلى التجربة بل هي ما تفرض نفسها علي وتقرر الخروج إلى العلن
لديك تجربة لفيلم قصير حصل على جائزة، ألم يشجعك ذلك على إنتاج المزيد؟
عملت فيلماً تجريبياً مدته دقائق محدودة وكان عن التسامح الديني بين امرأة مسلمة وأخرى مسيحية، وأطلقت عليه عنوان «خيط وراء خيط»، وشبهت فيه التزمت الديني بالعباءة التي إذا خلعناها تنفك خيوطها وتتحرر الأفكار وينتشر التسامح والتجانس بين الأديان، وقد حصل على جائزة لجنة التحكيم في أفلام الإمارات بأبوظبي. وبالنسبة لإعادة إنتاج تجربة أخرى، فأنا لا أسعى إليها ولكنها هي ما تفرض نفسها علي عندما تتبلور الفكرة بداخلي وتقرر الخروج إلى العلن.
تمزجين بين فن وآخر بسهولة، فما سبب عدم التمركز في جنس فني واحد؟
ربما يرجع ذلك لطبيعة شخصيتي والتي لا تستطيع الاستمرار في سياق فني واحد، فلدي قناعة بأن الفنون متداخلة وتكمل بعضها البعض، فلا تكتمل قصيدة عندي سوى برسمة تضيف لها شيئاً ما، فأنا أحب المزج بين الشعر والرسم، وبين السرد القصير والطويل، وأحياناً بين اللهجة الإماراتية والمصرية، وغيرها من تداخل الأجناس الأدبية التي تضيف للعمل قيمة وثراء، فالكتابة حرة ويجب أن يتعامل الأديب معها بدون قيود.
يعنى ذلك أنك مع الموهوب ذي الأساليب الفنية المختلفة؟
إذا لديه موهبة حقيقية.. فإذا كان يحب الرسم فعليه استغلال ذلك في كتاباته، وإذا لديه شغف بالتصوير والقدرة المادية فلمَ لا يمزج ذلك بموهبته الأساسية؟ وإذا كان محباً لكتابة الرواية ويستطيع مزجها بقصيدة فهذا شيء يعطي للعمل قيمة، فالمهم أن تكون لديه القدرة والموهبة التي تستحق إبرازها، فأنا دائماً ما أشبه نفسي بالفلاح الذي يحمل فأسه ويحرث الأرض ثم يزرعها بفسيلات كثيرة ومتنوعة.
وصفك الأديب الجزائري واسيني الأعرج أنك عندما تكتبين تحملين معك قضية متجذرة وعميقة، فما تعليقك على ذلك؟
لا تخلو أي كتابة من موضوع وفكرة لدى صانعها ربما لا تكون عميقة ولكنها تحمل شيئاً ما يريد الكاتب أن يقدمه للقراء، وبالنسبة لي فإقامتي بين الإمارات ومصر جعلت لكتاباتي عمقاً ربما لأنها دائماً ما تكون مرتبطة بالأحداث التاريخية التي أسلط الضوء عليها لتكون شاهداً على تلك الحقب المهمة.
الحراك الثقافي في الإمارات يحظى بتقدير كبير وما على الكاتبات سوى الإبداع
بماذا تنصحين الكاتبات الصاعدات في الإمارات؟
القلم هو عنوان صاحبه وهو من يعبر عن شخصيته، وعلى من لديها موهبة الكتابة والإبداع أن تؤمن بما تكتبه وتخلص فيه، حتى يلامس قلمها قلب ووجدان وفكر القارئ والمتابع لأعمالها، وعليها أيضاً أن تقبل النقد والنقاش كون ذلك يضفي للعمل أهمية وقيمة حقيقية، والحمد لله الحراك الثقافي في الإمارات يحظى بتقدير كبير وما على الكاتبات سوى الإبداع كل في حقلها الفني الذي تحبه.
هل لك هوايات أخرى بجانب الكتابة والشعر؟
كنت أعشق الفروسية والسباحة ولكن ذلك كان في الصغر، أما الآن فهوايتي متابعة مجريات الحياة العامة وأحداثها المتلاحقة من باب الفهم والاطلاع واستيعاب ما يجري من حولي وحتى أكون على دراية بالواقع الذي نعيشه بكل ما يحمله من خير وشر للبشرية.
ما مشروعاتك المستقبلية التي تحلمين بأن ترى النور؟
أتفرغ حالياً للقراءة والاطلاع وعندما تتبلور فكرة وأريد أن أكتب عنها أظل أبحث وأدقق في كل ما يتعلق بها، حتى تكتمل الصورة وتكون الرؤية واضحة لدي، فأنا بطيئة في كتاباتي ومعظمها تأخذ مني وقتاً يستغرق لسنوات طويلة حتى ترى النور.