يرى البعض أنهم يحققون مكاسب سريعة بدون مجهود، وينظر لهم آخرون أنهم يعتمدون في المشاهدات على ادعاء المشاكل والكشف عن أسرار البيوت من أجل الربح، إلا أن الخطورة تكمن في اتخاذ البعض لهم كقدوة في تحقيق مكاسب مالية سريعة بدلاً من المثابرة في البحث عن فرصة عمل حقيقية تضمن لهم حياة مستقرة، فبات التقليد هو سمة هؤلاء.
وعلى الرغم من كل هذا التخبط في الآراء، أصبح «البلوجرز» أو «الانفلونسرز» كما يطلقون على أنفسهم، ظاهرة لا يستطيع أحد التغافل عنها حتى لو كان معارضاً لها، خاصة أن هناك نماذج ناجحة لا نستطيع أن نهضمها حقها، تستحق أن تطل على متابعيها كونها تقدم محتوى له قيمة وهادف يستلزم علينا الإشادة به.
وفي هذا التحقيق نرصد مدى تأثير هؤلاء على قيم العمل لدى الشباب، وهل بالفعل يتأثروا بمن يطلون عليهم عبر المنصات الاجتماعية المختلفة، أم يعتبرون متابعتهم وسيلة للتسلية وتمضية وقت الفراغ؟
شباب يتمنون دخول عالم الـ«البلوجرز»
إيمان عبد الحميد، 25 عاماً، تقول "أعشق حياة "البلوجرز" وأعتبر متابعتهم مرآتي لمعرفة العالم من حولي، فمن خلال مشاهدة مقاطعهم المصورة أستطيع أن أكون على اطلاع دائم بأحدث صيحات الموضة والمكياج كما أعتبرهم وسيلتي المفضلة للتسلية خاصة من يعتمد في محتواه على نشر مشاكله وأزماته مع الآخرين ليكون المتابعون جزءاً من الأحداث اليومية التي يمر بها؛ بل وفي أحيان كثيرة يطلب منهم أن يشاركوا بآرائهم ونصائحهم ليزداد الموقف سخونة، وكم أتمنى أن تتيح لي فرصة لأن أدخل هذا العالم الممتع المملوء بالأحداث والإثارة والأهم من ذلك مكسبه السريع، فما هي إلا ضربة حظ بفيديو ينال إعجاب الملايين ومن بعدها أصبح شخصية غنية ومشهورة".
أهالي يعجزون عن لجم إعجاب المراهقين بـ«المؤثرين»
من جهتها، تؤكد أسماء سيد، ربة منزل، «الشهرة التي نالها هؤلاء المؤثرون وتحقيقهم مكاسب مالية سريعة دفعت معظم من يتابعهم بالحلم بأن يصبحوا أثرياء بدون مجهود يذكر، وتغيرت نظرتهم لأنماط العمل وارتباطه بالمجهود الكبير لكي يحقق الإنسان قوت يومه، والمشكلة تكمن فيما نعانيه نحن في بيوتنا، فلدي ابنة (17 عاماً)، كل أحلامها تتركز في أن تصبح «بلوجرز»، وعندما أسألها عما تريد أن تقدمه للناس تخبرني أن هذا آخر اهتمامها، فالأهم هو نيل إعجاب المتابعين ولو على حساب ما تقدمه من محتوى، وعندما أحاول جاهدة أن أغير من نمط تفكيرها تجعلني أشاهد ما حققه البعض في حياته من مكتسبات مالية تجعل لساني يعجز عن تقديم النصيحة المفترض أن أقولها كأم مسؤولة».
شباب يتابعون «الانفلونسرز» ويتساءلون: هل مسار حياتي خاطئ؟
أحمد ياسين، 30 عاماً، يروي قصته وهو مشتت الذهن بين مستقبل يأمله وحاضر يرفضه، «تخرجت في كلية الهندسة قسم عمارة وجلست في البيت منتظراً وظيفة لمدة عام كامل، وعندما جاءت كانت بعيدة عن مجال دراستي الذي طالما حلمت بأن أكون بارعاً فيه وأن أحقق نجاح في تشييد أبنية مختلفة في شكلها الهندسي تحمل طرازاً فنياً بديعاً، لأستيقظ على واقعي المرير وهو عملي في شركة تسويق أتقاضى من ورائها راتباً لا يكفي حتى منتصف الشهر، ليثبت لي أنني أسير في الطريق الخطأ، خاصة أن ما يقوم به «البلوجرز» لا يتخطى افتعال مشكلة ونشرها عبر وسائل التواصل المختلفة منتظراً من يتابعه لينجح مقصده وينشر محتواه عبر المجموعات الأخرى، ليتحول الأمر بعد ذلك إلى ساحات للتراشق وتبادل الاتهامات وضياع الوقت في القيل والقال، ليظل هم على هذا الحال ويجني هو من ورائهم المال الكثير الذي ينقل حياته إلى ما نتمناه جميعاً».
ماذا يجيب المؤثرون في مواقع التواصل؟
لمواقع التواصل الاجتماعي وجه آخر يطل من خلاله نماذج تحقق مشاهدات عالية كونها تقدم محتوى له قيمة عند متابعيها.
نسمة الجوهري «استايلست»، لديها 5 ملايين متابع على حسابها في «إنستجرام»، تقول «أعتبر نفسي قدوة لبنات جيلي وأحرص دائماً على انتقاء كل ما أقدمه للمتابعين لي، وأكثر ما يزعجني فهم البعض لعملنا كونه «بيزنس» فيقتحم المجال بشكل يسيء للباقين، دون أن تكون لديه موهبة تدفعه لأن يشاركها مع الآخرين. كما يضايقني من يستعرض حياته بشكل مهين بهدف الحصول على أكبر نسبة من المتابعين، فالحياة الشخصية من وجهة نظري خط أحمر وما يوجد على الساحة الآن هراء، مثل تلك الحسابات التي تحمل عناوين مثل يومياتي مع أبنائي أو زوجي ويستعرضون أدق أدق التفاصيل، وعلى الجانب الآخر نجد من يكشف عن تفاصيل حياته الرومانسية مع خطيبته أو زوجته، فكل هذا من وجهة نظري محتوى غير جيد وفي الغالب يكتب له الفشل والاندثار».
وتضيف نسمة الجوهري "آن الأوان لأن تكون هناك رقابة على الإعلام الرقمي على كل من لديه حتى ولو ألف متابع وصولاً لمن لديه الملايين، وذلك للتصدي لكل محتوى يفتك بأفكار ومعتقدات الشباب، فما نراه ونسمعه من فضائح وخلافات ومشاكل على الملأ تخطى كل الحدود التي تربينا عليها، ونصيحتي لمن ترغب في دخول هذا العالم الواسع أن تكتشف أولاً هوايتها ثم تدعمها بالدراسة، فأنا درست القانون ولحبي للأزياء والموضة التحقت بدورات في هذا المجال حتى أصبحت أقدم خبرتي للفنانين والمذيعين وغيرهم من المشاهير".
منة نبيل «انفلونسر» و«فوتوجرافر»، تضيف «أحاول أن أقدم الحجاب بصورة جيدة تحمل لمسة عصرية وفي نفس الوقت محتشمة، والحقيقة أن مسألة الإقبال على السوشيال ميديا ظاهرة صحية كونها تحمل أفكاراً جديدة ولمسات مختلفة، فتبادل الخبرات مفيد، خاصة وأن لكل واحد فينا طريقة تفكير مختلفة تميزه عن الآخرين، المهم أن نعتمد أساليب النجاح الصحيحة والتي تعتمد على المحتوى الجيد وهو الأساس ثم الرغبة في بلوغ الهدف، إضافة إلى الاجتهاد والمثابرة في الاستمرارية، فالعمل في السوشيال ميديا مثله كأي عمل آخر يمكن أن يحقق فيه الإنسان ذاته بطريقة محترمة، ويمكن أن يستغله البعض لتحقيق مكاسب معينة ولو على حساب مبادئه ومعتقداته».
إيناس نور «صانعة محتوى»، تشير «صناعة المحتوى رسالة يمكن أن يكون تأثيرها أكبر من توقعاتنا، لذلك فالمسؤولية التي تقع على عاتقنا كبيرة وليست سهلة، فالمحتوى الذي نقدمه للمتابعين يمكن أن يؤثر في حياتهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة لذلك لابد من صناعة محتوى قيم ذي فائدة ونشره على المنصات الرقمية بمسؤولية ليقدم قيمة للمتابعين، خاصة أننا لا نستطيع معرفة أعمارهم ومدى تأثرهم بالمحتوى الذي يصلهم، فأنا أؤمن بأن صناعة المحتوى أصبحت وظيفة حقيقية، ومصدر رزق للكثيرين كونها باباً لتهافت العلامات التجارية لإيصال منتجها أو خدمتها بطريقة أسرع وأكبر ليقدموا عروضاً مادية مغرية لمعظم صناع المحتوى، فكسب المال واحد من أهم الأسباب التي تجعلنا نرى وجوهاً جديدة بصفة شبه يومية، وكذلك الشهرة السريعة التي يتمناها الكثيرون من خلال السوشيال ميديا».
حياتي الشخصية خط أحمر و«الترند» وسيلة سهلة للشهرة لا تضمن الاستمرارية
تكمل إيناس نور «بلا شك عرض المشاكل والحياة الخاصة للجميع أمر غير لائق وأنا ضد هذه الفكرة فقد عشت ظرفاً عائلياً صعباً جعلني أبتعد عن السوشيال ميديا لأكثر من 18 شهراً وعند عودتي لم أكشف عن الأسباب رافضة استغلال ذلك لزيادة المتابعين وبالتالي زيادة العروض، واعتبرت حياتي الشخصية خطاً أحمر، فمسألة «الترند» للأسف يبحث الأغلبية عنها وعلى الرغم من أنها وسيلة سهلة للشهرة، فإنها لا تضمن الاستمرارية لذا لابد لصانع المحتوى أن يؤمن برسالته ويشارك الناس مهارة يعرفها، أو خبرة تعلمها».
وتضيف إيناس نور «نصيحتي لمن ترغب دخول المجال متابعة المحتويات الجيدة، فإن اعتياد ذلك ينعكس إيجاباً على صاحبته، عكس متابعة ومشاهدة محتوى ضعيف كونه ينعكس ذلك على ما تصنعه لنفسها، والأهم من ذلك تقديم محتوى بسيط بعيد عن التصنع يظهر موهبتك عند الناس».
مختصون: السوشيال ميديا غول كاسح بحاجة إلى قوانين
يحدثنا الدكتور حسن علي، العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة السويس في مصر، عن هذه الظاهرة قائلاً «لم تستعد معظم المؤسسات الإعلامية في مجموعة كبيرة من دول العالم للعصر الرقمي بالشكل الذي يليق بضخامتها، فالبيئة الإلكترونية الجديدة لم يحسب حسابها وتأثيرها لعدم وضوح الرؤية التي هي عليها الآن، حتى المشرعين القانونيين لم ينتبهوا لهذا الغول الكاسح الذي يسمى بالسوشيال ميديا، وشرعوا القوانين على وسائل الإعلام التقليدية مقروءة أو مسموعة أو مرئية، كل ذلك أدى إلى وجود فجوة أخلاقية؛ بل أزمة حقيقية أفرزت عن كثير من مخرجات هذا العالم الواسع».
يقدم الدكتور حسن علي بعض الحلول لملف الإعلام الرقمي، ويشير «مع تغير مفهوم الإعلام الرقمي ووجود خلل في تنظيم عمل هذا المجال في عدد من الدول أفرز ذلك وجود مؤثرين مختلفين عن السابق فظهرت مصطلحات جديدة مثل «البلوجرز» و«الانفلونسرز»وغيرها، والذين تزداد سرعة انتشارهم وثرائهم بزيادة عدد متابعيهم، فهناك من تجد على صفحته 12 مليون متابع، وبمتابعة المحتوى ربما تجده لا يرقى لأي مستوى»، وهذا يستلزم الآتي:
صانعو المحتوى.. مغانم كثيرة وسريعة
أما الدكتورة أميمة أبو الخير، أستاذ علم الاجتماع المشارك، فتبين «بعد أن اجتاحت العولمة العالم بأثره وحولته إلى قرية صغيرة، وصاحبتها ثورة الاتصالات والتكنولوجيا والتي بدونها ما كان للعولمة أن تحدث بهذا الشكل، أفرز ذلك بعض الآثار أهمها مواقع التواصل الاجتماعي والتي أدت إلى:
وتضيف الدكتورة أميمة أبو الخير «من وجهة نظر علم الاجتماع، فإنه خلال جميع المراحل التاريخية التي تشهدها المجتمعات تقع العديد من المشكلات والظواهر التي تختلف من مجتمع لآخر ومن حقبة تاريخية لأخرى حسب درجة هذه التغيرات ونوعها وشدتها وتأثيرها، وكل المصاحبات من التحديات والمشكلات والظواهر الناجمة عن وسائل التواصل الاجتماعي هي ترجمة لهذه التغيرات؛ إذ يفتقد المجتمع توازنه وتصبح هناك فجوة بين الأخلاق والقيم والمثل والمعايير المتفق عليها أو المعلن عنها في المجتمع وبين تطبيقها أو ممارستها على أرض الواقع».
المحتوى السيئ يسهم في زعزعة الهوية وخلق إنسان بلا مضمون ولا معنى
تقدم الدكتورة أميمة أبو الخير عدة توصيات لتقليل مخاطر تقديم المحتوى السيئ: