هي أم الجميع، صاحبة القلب الكبير، وهي سند المحتاج وغوث الملهوف، هي المربية والحانية، وهي مثال الرأفة والإنسانية في أرقى معانيها.. قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، حفظها الله ورعاها.
تتجلى لنا صور ومقام سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي في يوم الأم؛ وإذ نستحضر كل معاني الوفاء والعطاء ونحتفل بأمهات العالم أجمع تتجلى لنا صورة سموها التي سكنت القلوب، والعطف الذي أحنى على الملايين في كافة أرجاء الأرض، فسموها رئيسة مؤسسة القلب الكبير، والقامة الكبيرة بسجلها وإنجازاتها تجاه اللاجئين والمحرومين من الأطفال، أغدقت عليهم من مشاعر الأمومة، وتعلمنا منها دروس الإحسان، ونهلنا من نصحها وإرشادها الذي لم تبخل به يوماً ما يعيننا على إدارة وتدبر أمورنا الحياتية، فهي أمنا ومربيتنا بحق، نصائح سموها وتوجيهاتها تستحق أن تكون نبراساً تهتدي به كل أسرة.
وفي حوار خاص حظيت به مجلة «كل الأسرة»، نحاول أن نسبر ونستشف من خلاله بعض من أفكار سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي وإرشاداتها وتوجيهاتها لكل فرد وأسرة في المجتمع:
أبناء الشارقة يرون سموكم أماً لهم ولأبنائهم، ونرى ذلك أيضاً في تفاعلكم مع أبناء الإمارة واللاجئين والمستضعفين في جميع أنحاء العالم. كيف تكوّنت مشاعر مسؤولية الأمومة لديكم مع الجميع في بقاع بعيدة في العالم؟
جميع المشاعر تنبع من صميم إنسانية الفرد، إنما الأمومة تولد مع استشعار المسؤولية تجاه الأبناء. ولا تكمن هذه المسؤولية في تربيتهم وشراء الألعاب والملابس؛ بل تتعدى ذلك لتصل إلى غرس القيم الإسلامية والمجتمعية وتعزيز السلوك الإنساني النبيل لدى الطفل في السنوات الأولى من عمره، فيتعلم مشاركة ألعابه مع أقرانه من الأطفال ويُحسن في تصرفاته ويبتعد عن السلوكيات المكروهة كالتنمر وهو أكثر سلوك سلبي منتشر بين الفئات العمرية الصغيرة، فعلينا أن نوجه الأطفال ليطبقوا حديث رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في قوله «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
فذلك كان الغرس الذي نشأنا عليه، وحُب الآخرين والعطف عليهم ومساعدتهم في شتى الظروف بات طريقاً تنتهجه قيادة الدولة الرشيدة. إنه مسلكنا الإنساني الذي من منطلقه حرصنا أن نصل إلى المحتاجين والمستضعفين لنكون عوناً لهم واليد التي تعينهم على تخطي الظروف القاسية، وذلك ما نحرص أيضاً على نقله لأبنائنا من الأجيال القادمة لتستمر هذه العطايا الإنسانية بيننا.
بلا شك أن الدعم الذي يقدمه صاحب السمو حاكم الشارقة لكم في إدارة المؤسسات المجتمعية والعمل على مصلحة الأسرة والمرأة في الشارقة هو انعكاس لدور سموه العائلي في التربية والرعاية. نود أن نتعرف إلى جانب من دعم سمو حاكم الشارقة لكم في رعاية العائلة والاهتمام بالأسرة في إمارة الشارقة؟
يولي صاحب السمو حاكم الشارقة، أبناء الإمارة اهتماماً ورعاية لا تقل عن اهتمامه بعائلته، فهو يقف شخصياً على احتياجات شعبه وتلبية كل ما يضمن توفير مقومات التعليم والحياة الكريمة. ففي كل قرار يتخذه صاحب السمو يكون الإنسان هو البوصلة فيه. حيث يحرص سموه على الحفاظ على كرامة الإنسان وتوفير العيش الكريم لهم. ولا ينتظر سموه من أبنائه أن يسردوا احتياجاتهم؛ بل يبادر بتوجيه جميع المؤسسات الحكومية، التي من ضمنها سلسلة مؤسساتنا المجتمعية، أن تقدم برامج ومبادرات وفعاليات تخدم الأسرة وجميع أفرادها، الذين هم أساس النسيج المجتمعي في إمارة الشارقة.
اليقين بنعمة وجود الأم يجعلنا أبناء واعين بأهمية الوقت الذي نقضيه معها
إذا أردنا الحديث عن علاقة سموكم بوالدتكم، حفظها الله، ما الهدية التي تقومين باختيارها لوالدتكم في يوم الاحتفاء بالأم؟
علاقتي بوالدتي مبنية على مشاعر الأمومة الدافئة وحنانها مقابل البِر والاحترام والتقدير مني كابنة، ولا ترتكز هذه العلاقة على هدايا يوم الأم؛ بل هي مستمرة بهدايا وبدونها، فيجب ألاّ نحصر الهدية في غرض معين يقدم للأم فقط، فاللحظات التي تُبنى اليوم هي الذكريات التي سنسردها لبعضنا لاحقاً. هناك علاقات مبنية على أشياء أهم من الهدايا، فبعض الهدايا فارغة من الإحساس بالحب والمودة والأمان، هي مجرد رموز. إن اليقين بنعمة وجود الأم يجعلنا أبناء واعين بأهمية الوقت الذي نقضيه معها؛ بل الأهم هو كيفية قضاء هذا الوقت، لذا ما يهمني هو الأمان في حضن أمي، وبرّي لها أهم هدية، فأنا أتواصل معها بشكل يومي وأزورها دائماً للحديث في المواضيع التي تدخل السرور إليها.
كيف تبدو أجواء «يوم الأم» في عائلة سموكم بحضور أبنائكم وأحفادكم؟
إن أجمل الهدايا التي تلقيتها هم أبنائي وأحفادي ولا يغنيني شيء عن وجودهم حولي وهم بأتم الصحة والعافية. ويوم الأم لا يختلف في تفاصيله عن باقي الأيام التي تجتمع فيها العائلة. هي فرصة نتبادل فيها الذكريات مع الصغار والكبار، وقضاء الوقت معاً في ما يبهج قلوبنا في هذه الأجواء العائلية، ونستشعر الامتنان بنِعَم الله علينا وبوجود الأم والأب والأبناء والأخوة وكل من هم سند لنا في حياتنا ونسيجنا العائلي بشكل عام.
حرصتم سموكم على أن تكون لمؤسساتكم المجتمعية دور رئيسي في دعم منظومة الأسرة والمرأة ومكانتها كأم إلى جانب كونها امرأة عاملة أو رائدة أعمال. كيف تعمل المؤسسات لتحقيق ذلك مع تطور الزمن والتغيرات الحياتية المتوقعة وغير المتوقعة؟
مسيرة مؤسساتنا بدأت منذ أربعين عاماً برؤية أساسها الارتقاء بالأسرة وأفرادها جميعاً. ففي مجتمعنا، الأسرة ليست مجرد منظومة مجتمعية؛ بل هي تقاليد وقِيم وترابط إنساني حرصنا على ديمومته عبر السنين. كانت البداية مساحة ترفيهية للمرأة حتى أصبحت اليوم ما يقارب 20 مؤسسة، كل منها تهتم بأحد أفراد الأسرة أو اهتماماته أو تنميته وتطوير مهاراته. ومواكبة تغيرات الزمن تظل دائماً نقطة موسومة في خطط المؤسسات واستراتيجياتها، ومن هذه الخطوات المهمة كان على سبيل المثال فتح مراكز مؤسسة ربع قرن خلال أيام نهاية الأسبوع بعد استحداث نظام العمل لأربعة أيام، فلم نود أن يضيع اليوم الإضافي في الإجازة في النوم أو اللعب أو تعزيز اللعب الإلكتروني غير المفيد، وقد سمح ذلك للمنتسبين أن يمارسوا أنشطتهم المفضلة مع أصدقائهم في أوقات أطول، كذلك سنحت الفرصة الآن للأهالي بمرافقة أبنائهم ومتابعتهم في استكشاف مهاراتهم عبر مراكزنا.
لم يتضاءل دور الأم يوماً، مكانتها ودورها الأسري لا يبدله شيء
نسمع بعض الآراء التي تقول إن دور الأمهات أصبح يتضاءل مع الزمن مع الاعتماد المستمر على المساعدات المنزليات في تربية الأبناء. مع هذه التغيرات الحياتية الحتمية، كيف تأثر دور المرأة في بيتها بناء على هذه الأفكار؟
لم يتضاءل دور الأم يوماً، مكانتها ودورها الأسري لا يبدله شيء، وقد تأتي تلك التساؤلات لأن الكثير يظن أن الأمهات سابقاً كنّ يعتمدن على أنفسهن في أمور المنزل وتربية الأبناء ومتطلبات الأسرة، وذلك غير صحيح، فقد كان الآباء سنداً للأمهات في تلبية متطلبات العائلة، كما تلقين الأمهات سابقاً مساعدة كبيرة من أمهاتهن أو أخواتهن وحتى من جاراتهن في بعض الأحيان، فذلك ما يصنع النسيج المجتمعي المتكافل. مع تغير ظروف الحياة ومواكبة المرأة لهذا التغير بدخول ميدان العمل والمساهمة في دفع عجلة التنمية المجتمعية، كان لابد من وجود المساعدة في عمل المنزل فزادت الحاجة إلى المساعدة المنزلية، وحرصاً من الإمارة على تقديم المساعدة ورعاية الإبناء قررنا أن نوفر المساحة المناسبة للأبناء التي تساعدهم على استثمار أوقات فراغهم في التعرف إلى مهاراتهم وتطويرها لنصنع منهم قادة أصحاب كفاءة وخبرة في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة. وهناك عدد كبير من العائلات في إمارة الشارقة تثق بمراكز ربع قرن التي تحتضن الفرد ابتداء من عمر ست سنوات وتبني فيه مهارات الفرد المُنجز والقيادي تدريجياً حتى يتخرج منها سفيراً لوطنه، يعكس قيم المجتمع الإماراتي وعاداته الأصيلة ليكون فخراً لوالديه ومجتمعه وقيادة دولته أيضاً.
ما التوصيات التي تود سموكم إيصالها إلى الأمهات والآباء أيضاً حول دورهم في تنشئة الأجيال القادمة؟
لا يوجد ما هو أهم من القيم الاجتماعية التي أتمنى أن يظل انعكاسها في شخصية كل إنسان إماراتي. إن احترامنا لأنفسنا ولتاريخنا وموروثاتنا الأصيلة نلمسها في تعاملاتنا مع الآخرين والانطباع الذي نتركه لديهم. لو تسأل اليوم عن أبناء الإمارات في دول العالم ستسمع الإشادة دائماً بأخلاق الإماراتي وكرمه وأسلوبه في التعامل بالحسنى، فتلك الصورة التي نرى أثرها اليوم هي امتداد للقيم التي أرسى دعائمها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لتصبح هوية الإمارات وأبنائها. فمن الضروري أن نستمر في تعليم أبنائنا للثبات على هذه القيم التي تربينا عليها منذ الصغر بالأخلاق والعفة، إضافةً إلى أن أهمية التمسك بقيمنا الإسلامية والعربية هو ما يجعلنا شخصيات متحضرة وراقية. أما الجري نحو تقليد الآخرين دون فِكر وفهم فهو أمر لا أقبله لأبنائنا ويحزنني عندما أراه.