تنتمي لأسرة من طراز فريد أثبتت فيها الأم أن ما غرزته في أبنائها من حب العلم لم يمض هباء، ليلتحق ستة منهم بمجال الطب، ولم تكتف بطلة حوارنا بهذا بل وضعت بصمتها في مجالات عدة، حصلت على بكالوريوس الطب والجراحة في الكلية الملكية للجراحين بأيرلندا، ثم اخترقت مجال الكوتشنج، كما أثبتت وجودها في عالم الرياضة.
هي الدكتورة لميس أبوحليقة، رئيس قسم في مركز أبوظبي للصحة العامة، والمدربة الدولية المعتمدة في مجال الكوتشنج، التقيناها لنكشف عن جانب من حياتها متعددة الاهتمامات والخبرات:
عشت فترة من حياتك خارج الدولة لدراسة الطب، ما أكثر ما حملته معك عند العودة ومازال أثره عالقاً بذهنك؟
تعلمت من تلك التجربة الكثير ومنها أن الاعتماد على النفس يصقل من شخصية الإنسان ويجعله مختلفاً عمن لم يعيشوا نفس ظروفه، فقد درست في أيرلندا لمدة 7 سنوات والحقيقة أنها كانت فترة مميزة في حياتي، ليس لتجرعي العلم الأكاديمي على يد خبراء في الكلية الملكية للجراحين فقط، ولكن لكثرة التجارب والخبرات التي اكتسبتها. فالغربة كفيلة بأن تعلم الإنسان أن يعيش تجربته ويتحمل مسؤولية قراراته وخدمة نفسه، وأهم من ذلك كله احترام الآخر وتقبل ثقافة الغير والعيش بسلام مع الجنسيات الأخرى، وكلها أمور جعلتني أنظر لنفسي كوني سفيرة لبلادي فكان هدفي أن أظهر بالشكل الذي يليق بدولتي، وهذا ساعدني في أن أبحث دوماً عن التميز.
قدمت، كمدرب دولي معتمد، العديد من الورش، هل يتطلب التدريب مهارات معينة؟
منذ الصغر ولدي شغف بنقل أي معلومة أعرفها لغيري، وأستمتع كثيراً عندما يُنظر إلي كوني مصدراً موثوقاً لنقل المعرفة، وقد ساعدني ذلك في أن أقدم على هذا المجال، وهناك أيضاً مهارة لابد من توافرها للمدرب وهي القدرة على جذب انتباه المتلقي للمحتوى الذي يقدمه.
وتقدمين أيضاً العديد من الورش في مجال تطوير الذات، فما الذي تعززينه من مهارات داخل من يتابعك؟
أهدف إلى توسيع مداركه ورفع الوعي لديه وما يمتلكه من أدوات تسهل له تحقيق أحلامه المختلفة، فتطوير الذات وتحديد الأهداف طريق ممهد للنجاح.
تطوير الذات وتحديد الأهداف طريق ممهد للنجاح
بالإضافة إلى كونك مدرباً معتمداً، فأنت أيضاً كوتش تنفيذي في مجال القيادة، حدثينا عن الفرق بين جلسات الكوتشنج والاستشارة؟
الكوتشنج كلمة إنجليزية تم تعريبها لعدم وجود كلمة عربية توصفها، فالكوتش هو شخص لا يتدخل برأيه أو أفكاره عندما يجلس مع الطرف الآخر في جلسات حوارية فردية وإنما يهدف إلى رفع الوعي للمتلقي وإعطائه الفرصة لاكتشاف ذاته ومهاراته، ومن خلال ذلك يضع هو الخطة التي تساعده في الوصول إلى أهدافه. أما جلسات الاستشارة فهي مختلفة، إذ يقوم فيها المدرب بإعطاء أفكاره وآرائه وأحياناً يضع خطة للمتلقي يسير عليها بناء على خبراته المتراكمة وصولاً لحل لمشكلته، وهذا هو الفرق الذي قد يغيب عن كثيرين بين جلسات الكوتشنج والاستشارات.
كونك على تماس مع الأفراد، ما الذي يمكن أن يمنع الشخص من الوصول إلى أهدافه وتطوير ذاته؟
كثير من الأشخاص لا يستطيعون تحديد أولوياتهم وبالتالي لا يعرفون كيفية تحديد أهدافهم، حتى قيمهم ومبادئهم قد تكون مشوشة لديهم، وهناك من يعرف هدفه كأن يريد أن يكون شخصاً غنياً على سبيل المثال، إلا أنه يفتقر للالتزام والقدرة على تطوير الذات فيظل محلك سِر، وهناك من تتعدد أهدافه وتتنوع ويلهث من أجل تحقيقها في نفس الوقت فلا يصل إلى شيء، وآخر يفرض عليه شيء هو ليس هدفه الحقيقي فيمضي سنوات طويلة لتحقيقه دون جدوى.
تتحدثين عن دور منصات التواصل الاجتماعي في رفع الوعي الصحي، كيف سخرتها لهذا الغرض؟
كوني طبيبة فإن هدفي الأساسي هو رفع الوعي الصحي لدى الناس، فأبسط حقوقهم هي أن يعيشوا أصحاء وأن يدركوا قيمة هذا جيداً، ولذلك بدأت التفكير في الوصول لأكبر شريحة ممكنة لهذا الغرض، وفتحت قنوات للتواصل الاجتماعي على منصات متعددة، وناقشت وما زلت موضوعات تهم الجميع عن الصحة النفسية والأمراض المزمنة والخطيرة وكيف نتعامل معها، ومتى يلجأ الشخص للطبيب، ومصادر البحث عن العلاج الصحيح وغيرها من الجوانب التي تهم الكبير والصغير، النساء والرجال، والحمد لله وجدت تفاعلاً كبيراً من جانب المتابعين الذين أبدوا لي عن رغبتهم في الاستمرار، دفعني ذلك إلى أن أكون مثالاً يحتذى وليس ملقناً للنصائح فقط، فمارست الرياضة وقدمت الوصفات والأكلات الصحية التي تفيد الجسم بغرض الوعي والتفاعل والتأثير.
حدثينا عن طبيعة عملك في مركز أبوظبي للصحة العامة.
يعد مركز أبوظبي للصحة العامة الأول من نوعه في المنطقة ويهدف إلى الحفاظ على صحة سكان الإمارة وضمان سلامة الجميع، من خلال تعزيز مفاهيم الصحة العامة والوقائية، وطبيعة عملي كرئيس قسم ينصب في التعاون مع الجهات والمؤسسات المحلية في الإمارة لتحقيق تلك الرؤى والأهداف.
أيقنت دوري في أن أسهم في مساعدة الناس حتى لو كنت جالسة بالبيت
قمت بإطلاق «بودكاست - اسأل طبيب مع د. لميس أبوحليقة» منذ أكثر من 3 سنوات، ما هدف هذا البرنامج؟
«اسأل طبيب» جاءت فكرته بالتزامن مع بداية جائحة «كورونا»، عندما أيقنت دوري في أن أسهم في مساعدة الناس حتى لو كنت جالسة بالبيت، فكانت أول حلقة مع زميل لي وموضوعها عن تضخم «البروستاتا» عند الرجال، ولاحظت تفاعلاً كبيراً حول هذا المرض الذي غابت تفاصيله عن البعض، وتوالت الحلقات واستضفت أكثر من 30 طبيباً بين مواطنين وخليجيين، ورغم أن الموضوعات كانت معظمها صحية إلا أنها ارتبطت أيضاً بمناقشة موضوعات متعلقة بالجانب النفسي والمجتمعي والعملي أيضاً.
حصلت على جائزة الإمارات للسيدات فئة العمل المجتمعي في دورتها الـ 18، فما الذي يعنيه لك هذا التكريم؟
تعد تلك الجائزة الأقرب إلى قلبي كونها مرتبطة بالعمل المجتمعي، وتشرفت بتكريمي من قبل سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للطيران المدني، والراعي الفخري لمجموعة دبي للجودة، كونه حفزني كثيراً للاستمرار في مجال العمل التطوعي، الذي يدخل السعادة على قلب صاحبه بشكل كبير.
هل هناك تكريمات أخرى حصلت عليها؟
حصلت على عدة تكريمات، منها المركز الثالث فئة الإشراف الإداري ضمن جائزة التميز الداخلية لموظفي مركز أبوظبي للصحة العامة، وفزت بالمركز الأول في جائزة الخطوات القياسية ضمن «تحدي المشي 2018»، وما وراء تعلقي بهذا الفوز هو تجربتي مع زملائي في المركز، والتي وطدت علاقتنا وجعلتنا نتحمس كي نصل إلى أهدافنا.. وهناك تكريمات أخرى.
ستة من إخوتي درسوا الطب وخمسة في نفس الكلية بأيرلندا
لديك 5 إخوة تخصصوا بجانبك في مجال الطب، هل ممكن أن تحدثينا عن دور الأسرة في دعم أبنائها وحرصها على تقديم مثل هذه النماذج المشرفة للوطن؟
عدد أبناء هذه الأسرة سبعة، ستة منهم درسوا الطب وخمسة في نفس الكلية الملكية للجراحين في أيرلندا، ويرجع هذا كله إلى رغبة والدتي التي ورغم أنها دكتورة أكاديمية إلا أن حديثها المستمر عن مجال الطب وكيف أنه رسالة إنسانية غرز بداخلنا حب هذا العلم، وأتذكر ونحن صغار كم الموسوعات الخاصة بعلم الطب والتشريح التي كانت تجلبها لنا، ودائماً ما كانت تردد أن الطبيب له منزلة كبيرة عند الله تعالى كونه سخره لخدمة عباده، دفعنا ذلك إلى اتخاذ المسلك الذي رسمته لنا.
لديك اهتمام بمجال القراءة والثقافة العامة، كما أنك عضو في مؤسسة بحر الثقافة، ما الاستفادة التي تحققت بانضمامك لتلك المؤسسة؟
منذ صغري وأنا شغوفة بما تحتويه مكتبة الوالدة من كتب، والتي كانت تتنوع بين كل المجالات، فقرأت في الأدب والترجمة وتطوير الذات وغيرها، دفعني ذلك عند الكبر إلى الانضمام لمؤسسة بحر الثقافة والتي بدأت كصالون أدبي، وكم يسعدني تواجدي ضمن أعضائها والتقائي بكثير من الأدباء والشعراء وفتح مجال للنقاشات الأدبية العميقة والاستفادة منهم.
تحبين الرسم وشاركت في عدة معارض، فكيف دمجته مع اهتمامك بالصحة العامة؟
بدأ شغفي بالرسم منذ الصغر وعندما أتيحت لي الفرصة شاركت في معارض محلية ودولية، إذ أعتبره أحد أنواع العلاجات النفسية التي تخلص الإنسان من ضغوط الحياة وتجعله يسافر عبر الزمن إلى عالم آخر، وهذا ما دفعني إلى الدمج بينه وبين الكوتشنج، وأطلقت على جلساته الاستشفاء بالفن، وفيها يستطيع الإنسان إطلاق العنان لمخيلته وتحديد أهدافه والتعبير عنها من خلال الرسم.
كما شاركت في العديد من المبادرات التطوعية المرتبطة بمجال الرياضة، حدثينا عن هذا الشغف وما أثره في حياتك.
بدأ اهتمامي بالرياضة من منطلق البحث عن اللياقة الجسدية وضبط الوزن والاهتمام بصحة الجسد، وبحثت عن رياضات مختلفة ووجدت ضالتي في الركض وشاركت في سباق للسيدات واستمتعت كثيراً فيه، وتوالت السباقات داخل الدولة وخارجها حتى أصبح لدي أكثر من 40 ميدالية معظمها لسباقات الركض وغيرها، وأود أن أشكر أعضاء فريق ديسرت شيلد وفريق أبوظبي للجري لكل ما قدموه لي من دعم وتشجيع.
كيف توازنين بين اهتماماتك المتنوعة وبين أسرتك وأبنائك، وما أكثر ما تحفزينه بداخلهم؟
الأمر ينصب في كيفية إدارة الوقت وتحديد الأولويات، وبداية أود أن أشكر كل من أثر إيجاباً في حياتي وعلى رأسهم، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، على دعمها اللامتناهي للمرأة الإماراتية، ثم والدي ووالدتي وإخوتي وزوجي وأبنائي، والذين أعتبرهم أول اهتماماتي، ثم تأتي بقية الأعمال والمسؤوليات، والحقيقة أن أكثر ما أزرعه في أبنائي هو حب العلم بشكل عام وحب ما يتخصصون فيه، وتعلم ما يجذبهم حتى يبدعوا فيه.
ما أهم مشروعاتك المستقبلية؟
لدي العديد من المشروعات، منها توسعة عملي في مجال الكوتشنج، أما فيما يخص الرياضة فأسعى إلى المشاركة في سباقات عالمية ورفع علم بلادي في تلك المحافل الدولية بجانب خوض غمار العمل التطوعي بشكل أوسع.
رسالة توجهينها للسيدات.
اهتمي بنفسك وبصحتك وتابعي الفحوص الدورية التي تقيك كثيراً من الأمراض، وركزي على الأمور الإيجابية بحياتك، وعليك ترتيب أولوياتك وتحديد أهدافك، واعلمي أن العمر مجرد رقم وأن الحياة ملأى بكثير من الأشياء الجميلة التي تستحقي أن تعيشيها.
* تصوير: محمد السماني