تنتابني قشعريرة حقيقية حين أتفرج على تسجيلات لمواطنين في روسيا وهم يغطسون في بحيرات ثلجية أو يتمرغون عراة في الثلج. يقولون لك إن التبريد مفيد للجسم، يقوي الدورة الدموية وينشط الذاكرة. لكنني لا أود تصديق هذه النظريات، حتى لو كانت حقائق. كذب المتثلجون ولو صدقوا.
آخر الصرعات الواردة من بلاد الشمال تفيد بأن الاعتياد على التدفئة يضر الصحة. والسبب مفهوم. إن الغاز شحيح والوقود غال ومصادر الطاقة غير مضمونة وتعاني التذبذب. لذلك تدعو الحكومات في أوروبا مواطنيها إلى ارتداء المعاطف والجوارب الصوفية في البيت، بدل تشغيل المدفأة الكهربائية. حسناً أن أهل أوروبا أدرى بشعابها، لكن دخول تقنيات التبريد إلى ميدان الرشاقة والتجميل فهو أمر يحتاج إلى جرأة.
رأيت بيلا حديد، عارضة الأزياء العالمية، فلسطينية الأصل، وهي تغطس وجهها في وعاء مملوء بالثلج. وقرأت في التعليق على الصورة أن لهذا الحمام الجليدي مفعول عملية شدّ الجلد. يعني بدل التعرض لمشرط الجراح والمعاناة من غرز الخياطة فإنك تستطيعين التخلص من ترهلات الوجنتين والرقبة وأنت في بيتك، بدون مستشفى ولا تخدير ولا قلق من النتائج.
لكن هذه الإعلانات خداعة. إن بيلا حديد في منتصف عشرينياتها ولم تبلغ مرحلة التجاعيد. وهي مشدودة التقاطيع بثلج وبدون ثلج. وهي خدعة تلجأ إليها شركات التسويق باستمرار. مع هذا فإن الكذبة ما زالت تنطلي على الكثيرات. وحتى قبل رؤية صورة الآنسة بيلا حديد فإنني شاهدت صديقات يستخدمن قطع الثلج لتقليل انتفاخ الجفون. حلول مؤقتة لمشكلات وجودية.
أعرف أن تقنية التبريد ليست جديدة، وهي قيد التطبيق منذ أكثر من عشر سنوات. تذهب الزبونة إلى عيادة لكي تخضع لجلسات تذويب الشحوم المتراكمة في الجسم. تقوم الخبيرة بتمرير جهاز على مناطق معينة ولفترة محددة من الزمن. ولا أفهم هل تذوب الشحوم بالحرارة، كما يحدث عند طبخ لحم الغنم، أم أنها تتسرب من تحت الجلد بفعل البرودة؟ يجيب أحد كبار أطباء القلب الفرنسيين بأن هناك شحوماً بيضاء لدى الإنسان وأخرى سمراء. البيضاء ضارة والسمراء مفيدة في ضبط حرارة الجسم.
وهناك مراهم يلجأ إليها من يعانون الصداع المزمن أو داء الشقيقة. يدهنون الجبهة بها على أمل طرد الألم. هل يمكن «تجميد» الشقيقة؟ وهناك في الأسواق اليوم بخاخات لتبريد الشعر، وأحمر شفاه ذو لمسة ثلجية، ودهون باردة لتخفيف انتفاخ السيقان المرهقة من المشي. كل هذا كوم وتجميد البشر كوم آخر. تدخل المجمدة بقرارك الشخصي، وأنت تعاني مرضاً عضالاً، لتخرج منها بعد عشرين سنة وقد وجد الطب علاجاً لمرضك.
أكتب عن الثلج في هذا الصباح البارد وأنا أشتهي شعاع شمس من بلادنا. الشمس هي العافية.