وحدها الإرادة تصنع من المعاناة وجهاً آخر للحياة وتهادن الألم وتحوله إلى نقطة ضوء تتلمس الطريق نحو «أول الدنيا».
حكايات لنساء تعرضن للاستغلال والإهمال والاتجار بالبشر وعايشن ظروفاً لا تترجمها الكلمات الأخاذة ولا مشاعر الشجن.
حكايات تعبر على خطى الوعي وتذكرنا أن ثمة دوراً لكل منا يجب أن يقوم به، وهو ما فعله مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء الذي استقبل نحو 70 ضحية في دور الإيواء خلال عامي 2021 و2022.والفئة الأكبر هي ضحايا اتجار بالبشر، كما تعامل بين عامي 2009 و2021 مع أكثر من 700 حالة، بينها أكثر من 300 حالة اتجار بالبشر بين 2009 -2019، وناهز عدد حالات الاتجار بالبشر إلى حالات العنف الآخر بين 2020-2021 أكثر من 400 حالة، وأعلى نسبة ضحايا كانت لنساء متزوجات تليهن غير متزوجات ثم مطلقات.
حكاية 1: من ضحية في شبكة دعارة إلى طبيبة لامعة في بلدها
لم تكن بداية المعاناة مع موت الزوج المعيل. جرف الموت وجه المعيل لأسرة «ل.ع» وجرف معه الشعور بالأمان بعد أن ضاقت بها ظروف العيش وهي أم لطفلين.
كان الخناق يضيق عليها يوماً بعد آخر، لم تستطع تلبية احتياجات أسرتها بعد أن عملت كطاهية في بلدها الأم وتمكنت بالكاد من توفير الطعام والمأوى لها ولطفليها. وارتأت السفر إلى خارج بلدها براتب 500 دولار عرضه عليها صديق في الخارج مقابل العمل كـ«جليسة أطفال». حزمت حقائبها للسفر والعمل في الدولة من باب الانتصار لمسؤولياتها وأمومتها، وهي في عمر الخامسة والثلاثين، بعد أن أمضت ردحاً من الزمن تعمل لساعات طويلة دون أن تتمكّن من تحسين واقع أسرتها.
كان القدر بالمرصاد لها مرة ثانية إثر وقوعها ضحية في شبكة للدعارة ودون أن تدرك أنها وقعت في فخ نصبته لها شبكة للاتجار بالبشر. قالت «عندما وصلت إلى هناك، سلبت مني جميع الوثائق وتم حبسي وأجبرت على العمل في الدعارة».
قدم مركز «إيواء» لي الدعم المالي لتغطية نفقات تعليمي. لقد ظلوا على اتصال معي وكانوا مهتمين بأخباري».
كانت فترة أليمة بالنسبة لـ«ل.ع» التي تخطت ماضيها بدعم من مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء الذي قدم لها رعاية شاملة، من طبية إذ خضعت لفحوص شاملة وعولجت من الكدمات، وتركزت الاستشارات النفسية على العلاج بالفن، ومكنتها جلسات العلاج والأنشطة الفنية من التعبير عن أعمق أفكارها ومخاوفها، وساعدتها على الشفاء. وشجعها الاستشاريون على تحقيق حلمها بدراسة الطب والإيمان بنفسها من جديد.
أعاد لها «إيواء» خلايا الحياة في عروقها وأعاد الأمل إلى عينيها، لم يساعدها «إيواء» على العودة إلى وطنها وأطفالها فحسب، بل تكفل بمصاريف تعليمها أيضاً لدى عودتها إلى وطنها وبعد تشافيها من جراحها لتحقق حلمها وتحصل على بكالوريوس الطب وهي اليوم طبيبة متميزة في مجتمعها، تشرح "لم أكن لأتمكن من فعل ذلك بدون مركز إيواء. لقد تأكدوا من أنني لم أتخل عن حلمي بالرغم من كل ما حدث وهم فخورون أني اليوم طبيبة تعمل على علاج الآخرين تماماً كما كانت تتلقى العلاج هنا قبل سنوات".
موضحة «قدم «إيواء» لي الدعم المالي لتغطية نفقات تعليمي. لقد ظلوا على اتصال معي وكانوا مهتمين بأخباري».
تجسد حكاية «ل.ع» ضرورة التمسك بالحلم رغم ما يعترضنا، «قد تتخلى ضحية الاستغلال عن أحلامها ظناً بأنها لا تستحق حياة أفضل. وتركز الاستشارات النفسية في مثل هذه الحالات على مد يد العون لتلقي الضحية بماضيها وراء ظهرها وتستعيد احترامها لذاتها». تؤكد الناجية تلك المقولة «لقد ساعدتني برامج العناية المكثفة وإعادة التأهيل والترفيه، في التغلب على ألمي».
حكاية 2: أجبرت على الزواج في العشرين وتركها زوجها وحيدة ومفلسة
بدأت قصة «م.ن» منذ الطفولة، حيث الإهمال الأسري رسم ملامح ماضيها، حاضرها ومستقبلها ووشم على وجهها ألماً مدفوناً. فقد كانت طفلة عندما أرسلتها والدتها للعيش مع عمتها وكبرت وفي قلبها غصة كونها تعرف أن والديها تخليا عنها. منحت الأم الحق لنفسها بإجبارها على الزواج في سن العشرين، وهو زواج لم يدم طويلاً حيث نشبت الخلافات مع زوجها الذي طلقها وتركها وحيدة ومفلسة ورهينة الوحدة من جديد. وصلت إلى مرحلة فقدت الأمل في عيش حياة سعيدة واتصلت بإحدى الجهات التي تقدم خدمات الدعم الاجتماعي طلباً للمساعدة، فأحالتها الجهة إلى مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء، أملاً بأن ترسم ملامح أكثر تفاؤلاً لوجهها المسكون بالوجع.
الهجر والحرمان من عطف الوالدين يؤثران في مرحلة الطفولة على علاقات الشخص في مرحلة البلوغ
هذه الحالة المتخمة بالإهمال والإيذاء النفسي كان لا بد من إيلائها الاهتمام على أكثر من مستوى. فعلى الصعيد الطبي، خضعت الناجية للفحص الطبي لمسحات أنف بانتظام للتأكد من عدم إصابتها بفيروس «كورونا» وذهبت في زيارات روتينية للرعاية الطبية والعناية بالأسنان، وقدم الأطباء النفسيون في «إيواء» النصح لها كي تتغلب على الشعور بالهجر واليأس، وعملوا على تحسين حالتها النفسية لتكون أكثر إيجابية وتتخلص من القلق، كما ساعدها المركز على تحقيق هذا الهدف وألحقها بمؤسسة تعليمية مناسبة كما بالعثور على وظيفة.
وفي ظل الدور الفاعل لشركاء «إيواء» من «ضمان» صحياً وهيئة الدعم الاجتماعي وقبولها في إحدى المؤسسات التعليمية، استطاعت «م.ن» أن تحقق التوازن بين العمل والتعليم وعيش حياة كريمة، مع زيارات مستمرة من إيواء والرعاية اللاحقة. وباتت تؤمن بأن لحياتها معنى حقيقياً «فالهجر والحرمان من عطف الوالدين يؤثران في مرحلة الطفولة على علاقات الشخص في مرحلة البلوغ ويحتاج الضحايا إلى الاستشارات النفسية للخروج من دوامة السلبية وانعدام الثقة بالنفس».
حكاية 3: زوجها حاول المتاجرة بها ففرت إلى مركز "إيواء" لنجدتها
رحلة طويلة للعودة إلى الوطن خاضتها «ف.م» بعد معاناتها من عنف أسري وبدني وجنسي. كانت تعيش مع زوج ارتبطت به رغماً عن أهلها ولكنه تخلى عن مسؤولياته في الإنفاق على أسرته وحتى تخلى عن ضميره في الحفاظ على عرضه بل وحاول المتاجرة بجسدها مقابل المال. حاولت الاستمرار والصبر على واقعها إذ كانت حاملاً وتتحمل مسؤولية أطفالها الصغار عندما وجدت نفسها عالقة في منزل متهالك على أرض أجنبية تحت رحمة زوج يحاول إجبارها على المتاجرة بجسدها. وفي أحد الأيام، تعرضت للإيذاء على يد رجلين، حينها قررت أنها لن تتحمل المزيد من المعاناة، وفرّت من منزلها وتواصلت مع سفارتها التي تواصلت بدورها مع «إيواء»، الذي وفرّ لها المأوى الآمن والرعاية، «عندما جاءت إلى مركز إيواء مع أطفالها، كانت حاملاً. دعمها المركز خلال فترة الحمل وقدم لها الاستشارات وساعدها في الحصول على وثائق رسمية ومنزل ودعم مالي. وخلال الوقت الذي قضته في «إيواء»، كانت تشعر وأطفالها بالأمان والاهتمام».
الأمهات ضحايا العنف الأسري قد ينشغلن بمعاناتهن وآلامهن الخاصة ويصعب عليهن تقديم الرعاية المناسبة لأطفالهن
تلقت الأم والأطفال الرعاية الطبية ورافق موظفو «إيواء» الأم في عدة زيارات إلى المستشفى، بل وساندوها أثناء الولادة. وعلى الصعيد النفسي، خضعت للعديد من جلسات العلاج السلوكي بشكل فردي بالإضافة إلى جلسات الإرشاد الأسري. ومع ذلك، تركت سنوات زواجها المؤلمة أثراً في صحتها النفسية، فاحتاجت هي وأطفالها إلى العديد من جلسات العلاج النفسي السلوكي والإرشاد التربوي. كما ساعدها مركز إيواء في الحصول على وثائق إقامة لها ولأطفالها، وتواصل مع دائرة الشؤون الاجتماعية للحصول على الدعم نيابة عنها. كم تلقت الأم أيضاً الدعم القانوني في تجديد وثائق الهوية ومنها جوازات السفر وخصص «إيواء» منزلاً لها ولأطفالها، وتأكد من حصولهم على دعم مالي.
تعيش الأم اليوم مع أطفالها بأمان، وتدبر أمورها دون عناء بفضل الدعم الذي تتلقاه من الحكومة، وقد تخطت تجربتها المريرة ويمكنها أخيراً أن تشعر بالرضا وتتحلى بالقوة والثقة من أجل مستقبل أطفالها، مع إدراك أن «الأمهات ضحايا العنف الأسري قد ينشغلن بمعاناتهن وآلامهن الخاصة ويصعب عليهن تقديم الرعاية المناسبة لأطفالهن. إلا أن تقديم الاستشارات الأسرية يعزّز التفاهم بين أفراد الأسرة ويساعد على تخطي آلام الماضي معاً».
تعبر «ف.م» عن امتنانها بقولها «ساعدني مركز إيواء في الحصول على منزل وراتب شهري حتى أعيش بكرامة. وعندما أتينا إلى إيواء لأول مرة، شعرنا بالأمان وكأن الموظفين هناك هم عائلpiتنا».
المدير العام لـ«إيواء» سارة شهيل مع الأطفال ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي
تأسس مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء عام 2008 ليقدم الرعاية والتأهيل والتمكين لضحايا الاتجار بالبشر في الدولة، وفي عام 2020 توسّعت مهام المركز وأصبح تابعاً لدائرة تنمية المجتمع ليشمل كافة حالات العنف والإيذاء في أبوظبي.
تدريب موظفي المركز على إجراءات الأمن والسلامة في مقر العمل ودور الإيواء
يقدم «إيواء» خدمات شاملة وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية، ويحرص على نشر الوعي من خلال المبادرات والبرامج المجتمعية بهدف تغيير النظرة السائدة في المجتمع تجاه العنف، كما يساهم في البحوث ووضع السياسات التي ترمي إلى وقف العنف.
وتقوم رؤيته على «بناء جسور الثقة مع المجتمع والمستفيدين لضمان عدم ترددهم عند الإبلاغ عن الحالات، مع ضمان الخصوصية و السرية التامة».
ويمكن للضحايا التواصل عبر البريد الإلكتروني أو رقم التواصل:
ومنذ إطلاق SAVE 800 (800 7283) عام 2011، أبلغ العديد من الأشخاص وفاعلو الخير عن حالات عنف متنوعة وبلغت عدد مكالمات الخط الساخن من 2011 إلى 2019 أكثر من 4000 مكالمة وتلقى «إيواء» من 2020 إلى اليوم أكثر من 1000 مكالمة.