د. بدرية الشامسي - تصوير/ السيد رمضان
تحمل راية التراث في كل الميادين التي عملت فيها، ولا تألو جهداً في رصد الكنوز التراثية من أفواه الإخباريين والرواة وتوثيقها..
هي الدكتورة بدرية محمد الحولة الشامسي، أستاذ مساعد في جامعة الشارقة، وأول إماراتية تحصل على شهادة الدكتوراه في علم التراث، بدأت مسيرتها في التدريس ثم تركت بصمتها في كل مجال عملت فيه وابتكرت الكثير من المشاريع لغرس حب التراث لدى الطلبة.
في لقائنا معها، تروي بشغف مسيرتها وطموحها اللامحدود للتميز وغوصها الدائم في وجوه التاريخ:
د. بدرية الشامسي - تصوير/ السيد رمضان
فترة الدراسة كانت في مدارس رأس الخيمة الحكومية، ماذا تذكرين عن تلك المرحلة وألقها؟
أذكر تلك المرحلة وأحن إليها كثيراً. لا تزال ملامحها راسخة في ذاكرتي، وكثيراً ما أسترجعها مع صديقات الدراسة وأتذكر مدرساتي وصفوفي وأحتفظ بكراساتي وكتبي والكثير من أشيائي الجميلة منها «اوتوجراف» دوّنت عليه عبارات من صديقاتي ومدرساتي، كما أحتفظ بصور من احتفالات المدرسة باليوم الوطني للاتحاد، رحلاتنا المدرسية، صوري مع صديقاتي ومدرساتي بين أروقة المدرسة. والجميل أنه بعد تخرجي في الجامعة، درّست في نفس المدرسة التي درست فيها، وحتى أني، بين فترة وأخرى، أزور المدارس التي قضيت فيها مرحلتي الدراسية سواء مدرسة هند، ومدرسة البيضاء والصباحية الثانوية. هذه المدارس تغيرت إذ بنيت فصول وهدمت أسوار لكن الذاكرة لا تزال تحتفظ بالصورة الأولى. ورغم إيماني بمقولة «إذا غادرت مكاناً لا تعود إليه من جديد»، لكن الحنين للأيام الجميلة يدفعك دوماً للعودة حتى لو فقدت الأماكن ملامحها ووجوهها.
بدأت مسيرتك في مجال التدريس، كيف وظفت تخصصك -تربية الموهوبين في الميدان؟
الحمد لله، أضفت لشهاداتي العلمية تخصصات مختلفة ومنها البكالوريوس في علم التاريخ، والماجستير في تربية الفائقين والموهوبين، وشهادة الدكتوراه في علم التراث، كل تلك التخصصات ساعدتني في مجال التدريس الجامعي خاصة وأنه يشاع عن التاريخ كونه مادة للحفظ وهذه مقولة غير صحيحة، فالتاريخ يفهم ولا يحفظ، فإذا فهم الطالب الأحداث عرف كيف يُعبر عنها ويجيب على أسئلتها. أضفت لدراسة التاريخ أساليب وطرق تدريس قائمة على التفكير والإبداع والحل المبدع للمشكلات، ما يجعل الطالب يفكر وينقد ويبتكر. طرحت أسئلة التاريخ بطرق بعيدة عن الحفظ والتكرار مثل: ماذا تتوقع أن يحدث لو قام فلان بكذا؟ ضع نتائج مختلفة للمعركة الفلانية، ما رأيك بما قام به القائد الفلاني؟ وغيرها من أسئلة تجعل الطالب يحب المادة ويستمتع بدراستها ويخلع عنها رداء الحفظ الذي ألبس لها. طموحي أن تفتح مدرسة خاصة بتدريس الموهوبين من الصف الأول حتى الثالث الثانوي تعتمد طرق ومعايير الكشف العالمية للكشف عن الطلاب الموهوبين.
أسعى لتوثيق كل ما يخص تراثنا الإماراتي ولإحياء كل عاداتنا وتقاليدنا وغرسها في نفوس الجيل الجديد
أنت أول إماراتية تحصل على شهادة الدكتوراه في علم التراث، كيف ترصدين تماسك مع التراث ومكوناته؟
كان لي الشرف أن أكون أول إماراتية تحصل على شهادة الدكتوراه في التراث، وأفتخر بهذا. للآن، لا يوجد تخصص للتراث في جامعات الإمارات، لذلك درست خارج الدولة. أحرص على النهل دوماً من ذاكرة الجدات أو الرواة والإخباريين في كل مجال من مجالات التراث، وتوثيق تلك المعلومات لتترجم في كتب أثري بها مكتبتنا التراثية، وإذا كانت ثمة بصمة ممكن أن أتفرد بها هي أن أخدم وطني في كل محفل وأمثله بصورة يفخر بها.
تكريم د. بدرية الشامسي في جائزة راشد للتفوق
التراث عالم عابق بأصالة الماضي، كيف توثقين ملامحه والإلمام بهذا المخزون بشكل علمي؟
التراث مخزون في ذاكرة كنوزنا البشرية من الرواة والإخباريين من أجداد وجدات وأمهات وآباء عاصروا الماضي العظيم أو حملوا ذاك الماضي من آبائهم وأمهاتهم وينقلونه لنا. منذ أن درست دبلوم التراث عام 2010، حرصت على التقاط كل ما أسمعه عن التراث من أفواه الرواة أو الإخباريين وتسجيله وحفظه، وتحويله لكتب أثري بها المكتبة الإماراتية التراثية، والحمدالله استطعت أن أجمع مادة ضخمة ومهمة عن استخدامات الطب الشعبي جمعتها من أفواه رواة وإخباريين متخصصين في المجال، ستصدر إن شاء الله قريباً في كتاب. كما وثقت عادات وتقاليد الزواج في الماضي، وكانت هذه المادة عنواناً لأطروحة الدكتوراه حيث جمعت المادة من أفواه أكثر من 200 راوٍ وراوية إلى الإخباريين، نتج عنها كتاب صدر عام 2020 عن دائرة الآثار والمتاحف برأس الخيمة. كما سيصدر لي كتاب قريباً عن الابتكار في التراث الإماراتي، حيث أثبت أن التراث الإماراتي قائم على الإبداع والابتكار فأجدادنا كانوا يطبقون أسس الابتكار في كثير من حياتهم.
د. بدرية الشامسي - تصوير/ السيد رمضان
ما العادات والتقاليد التي تسعين لإحيائها؟
أسعى لتوثيق كل ما يخص تراثنا الإماراتي ولإحياء كل عاداتنا وتقاليدنا وغرسها في نفوس الجيل الجديد من أبناء الإمارات. أحاول إحياء تلك العادات بتذكير الطلاب بها من خلال المحاضرات وربطها بأمثلة من الواقع. وبما أني رئيس اللجنة الثقافية بكلية الآداب بجامعة الشارقة، أحرص دوماً على إعداد محاضرات عامة للطلاب مرتبطة بالموروث الشعبي باستضافة محاضرين متخصصين في المجال لتعريفهم بعاداتهم وتقاليدهم وموروثهم الثقافي وأكلفهم أحياناً بكتابة تقرير حولها لترسخ تلك المعلومات في ذاكرتهم. أتمنى اجتراح تخصص في علم التراث يدرسه ويتخصص به طلاب الجامعات. فكما تولي الجامعات اهتمامها بالتخصصات العلمية، يجب أن تهتم بالتخصصات الأدبية والثقافية والتراث واحد منها.
أوصي دوماً الأمهات بتعزيز ارتباط أبنائهن بجداتهم ليتعلموا السنع ويتعرفوا إلى الحكايات الشعبية والأمثال، وغيرها من موروثهم الثقافي
برأيك، ما أبرز التحديات التي تواجه الحرف التقليدية، وهل المبادرات الحكومية والخاصة قاصرة عن النهوض بالحرف؟
أكبر التحديات التي تواجه الحرف التقليدية هو غياب أصحابها سواء بالوفاة أو المرض دون أن تورث للأجيال التي تليهم نتيجة لضعف الإقبال على تعلمها وظهور السلع الحديثة المنافسة للسلع التقليدية. رغم ذلك، ثمة مبادرات حكومية تسعى لإحياء الحرف التقليدية كمبادرة مجلس«إرثي» بإمارة الشارقة التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، التابع لمؤسسات سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، والذي يهدف إلى دعم وتشجيع وتمكين المرأة الحرفية اقتصادياً واجتماعياً من خلال الحرف اليدوية ولإعداد برامج تهتم بإحياء الحرف التقليدية.
حزت جائزة العويس للإبداع، ما الذي تستشرفينه من آفاق وماذا عن حلمك بأن تكون هناك وزارة تختص بالتراث؟
أتمنى أن أثري المكتبة الإماراتية بالكتب الخاصة بتاريخ وتراث دولة الإمارات، فهناك مواضيع كثيرة تخص تاريخ الإمارات السياسي والاجتماعي والثقافي، وهنالك قامات إماراتية جديرة بالدراسة والتوثيق والتحليل، لذلك احرص دوماً على تشجيع طلابي من طلبة الماجستير والدكتوراه في جامعة الشارقة - كلية الآداب والعلوم الإنسانية في قسم التاريخ، على البحث في المواضيع التي تخص دولة الإمارات وتاريخها السياسي والثقافي والاجتماعي. لا يزال الحلم مستمراً وسيتحقق قريباً إن شاء الله بفضل فكر واهتمام حكومتنا الرشيدة بالتراث والتي تسعى لترسيخه في كل المحافل والمناسبات، وسيأتي يوم يعلن فيه عن تشكيل وزارة تعنى بالتراث بكل أنواعه لتتوج جهود الجمعيات والمؤسسات المهتمة بالتراث.
تكريم د. بدرية الشامسي في جائزة راشد للتفوق
ما دور المرأة الإماراتية في حفظ التراث؟
المرأة الإماراتية هي ذاكرة وحارسة التراث وخاصة اللامادي منه. فالمرأة هي الراوية الأولى، وهي حاضرة في تربية الأبناء والسنع وفي الحكايات الشعبية الطب والتداوي وفي الصناعات المحلية وعادات المأكل والمشرب. المرأة هي المعلمة الأولى للثقافة الشعبية، فالبيت الذي تعيش فيه جدة يكون أبناؤه محظوظين بمدرّسة ينهلون منها ثقافتهم المحلية وأسلوب تعاملهم مع الآخرين. أوصي دوماً الأمهات بتعزيز ارتباط أبنائهن بجداتهم ليتعلموا السنع ويتعرفوا إلى الحكايات الشعبية والأمثال، وغيرها من موروثهم الثقافي، وهذا لا يعني إلغاء دور الجد الذي لا يقّل أهمية عن دور الجدة.