لم يتعاطف معها أي شخص علم بتفاصيل الجريمة التي ارتكبتها، حتى أسرتها تبرأت منها، رغم كل الحجج التي ساقتها لتبرير ما فعلته، خسرت كل شيء في لحظة غضب، حريتها وعائلتها وزوجها وحياتها الهادئة المستقرة، سولت لها نفسها قتل حماتها بدم بارد بحجة أنها كانت تعاملها بشكل سيء، حيث ألقتها من الشرفة لتسقط السيدة المسنة جثة هامدة، ثم ادعت أن الحادث قضاء وقدر.
تفاصيل مثيرة شهدها أحد الأحياء الشعبية بوسط القاهرة.
كانت مدللة في صغرها
نشأت بطلة القصة وسط أسرة متوسطة الحال، كانت الفتاة الوحيدة وسط ثلاثة من أشقائها، لذا كان والدها يميزها بالدلال والرعاية، حياتها كانت تسير بشكل طبيعي إلى أن انهارت الأحلام وأصاب الحزن الجميع بسبب وفاة الأب الذي توفي بعد صراع مرير مع المرض.
مرت الليالي والأيام والشهور بطيئة مملة حتى أنهت تعليمها الأساسي والتحقت بإحدى الكليات داخل القاهرة، وطوال هذه الفترة لم يتمكن أي إنسان من ملء الفراغ الذي تركه والدها، إلى أن التقت به داخل الحرم الجامعي لأول مرة في حياتها. يمكن القول أنه الشاب الوحيد الذي رق قلبها له، أناقته، وشياكته، هدوئه، وطريقة كلامه، كلها أسباب دفعتها للإعجاب به. خفق قلب كل منهما للأخر، كانت تعد الليالي والأيام حتى يجمعهما عش الزوجية.
انقضت أيام الدراسة وتقدم عريسها لخطبتها، كانت فرحتها لا توصف، كل الأمور كانت تسير في طريقها الطبيعي كما هو مخطط لها، لكن منذ اليوم الأول لزيارة أسرة عريسها لها، لاحظت تغير تعبيرات وجه والدته بشدة وكأنها جاءت إلى هذه الزيارة على مضض.
اللقاء الأول مع والدة حبيبها
كان يبدو على قسمات وجهها عدم السعادة والرضا بهذه الخطوبة. حاولت الفتاة التماسك وتكذيب مشاعرها، التمست لوالدة حبيبها الأعذار المختلفة خصوصًا أنه الابن الوحيد لها وربما تكون هذه المشاعر الممزوجة بالقلق طبيعية، لكن يبدو أن ما كانت تشعر به لم يكن مجرد مشاعر متناقضة فقط، وانما كان بركان من الاحاسيس غير الطيبة التي ستتسبب في أهوال في المستقبل.
تمت الخطوبة في حفل عائلي صغير ضم أسرة العروسين وبعض الأصدقاء، لكن كان ظاهرًا بشدة لكل الحضور عدم سعادة والدة العريس بهذه الزيجة وكأنها وافقت فقط نزولًا عند رغبة نجلها الوحيد.
حاولت الفتاة كثيرًا الاقتراب من حماتها حتى لا تحدث مشاكل بينهما لكن دون جدوى، لاحظت العروس أن حماتها تتجاهلها تمامًا، ترمقها بنظراتها وتضع العراقيل الواحدة تلو الأخرى في وجهها دون سبب واضح، إلا أن تمسك حبيبها بها كان له عنصر الحسم في إتمام الزواج. وفي غضون بضعة أشهر تم عقد القران والزفاف، انتقلت العروس الى شقة الزوجية التي كانت بنفس العقار الذي تعيش فيه والدة زوجها، العروس في الطابق الثالث، أما والدة زوجها في الطابق الخامس بنفس العقار.
كانت الفتاة تظن أن الأحوال ستتغير بعد الزواج، رسمت الأحلام الجميلة وبنيت القصور فوق السحاب، كانت طموحاتها وأحلامها بسيطة جدًا وهي العيش في هدوء مع من اختاره قلبها، هكذا ظنت المتهمة بطلة الواقعة.
مرت السنة الأولى من الزواج بحلوها ومرها وأثمر الزواج عن وجود طفل جميل، ربما خفف وجود هذا الطفل وطأة المشاكل بين زوجة الابن وحماتها. ولكن بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام على الزواج حصل الزوج على عقد عمل بإحدى الدول العربية، وعد الزوج زوجته أن يقوم باصطحابها معه بمجرد ترتيب الأوضاع واستقرار أموره في العمل، ووافقت الزوجة على مضض خوفًا من تواجدها بمفردها مع طفلها، لكن ما باليد حيلة.
لماذا كرهتها حماتها؟
غادر الزوج أرض الوطن وبدأت مرحلة جديدة من حياة الزوجة تواجه فيها الحياة بمفردها برفقة طفلها الصغير، ورغم تواجدها بمفردها وقيامها بخدمة حماتها، إلا أن حماتها لم تتحسن علاقتها بها، وعندما حاولت الزوجة الاستفسار منها عن أسباب معاملتها السيئة لها، اعترفت لها حماتها أنها تسببت في وقوع مشكلة كبيرة بينها وبين نجلها بسبب حبه لها وزواجه منها رغمًا عن إرادتها، كما أنها شعرت بأنها نازعتها في حب نجلها الوحيد الذي تحداها لأول مرة وأصر على الزواج منها.
هذا من جانب أما السبب الثاني فكان رغبتها في زواج نجلها بكريمة شقيقتها التي ورثت عن والدها كل أمواله وتتمتع بالثراء، وبسبب عدم زواجه منها اضطر للبحث عن فرصة عمل خارج البلاد وتركها بمفردها. وأضافت الحماة أن ظهورها في حياة نجلها قلب الطاولة عليها ودمر مخططها، ما دفعها لاختلاق المشاكل دون سبب واضح أو مقنع حتى تمنع هذه الزيجة من الاستمرار.
كانت العلاقة بين زوجة الابن وحماتها شبه منقطعة
سمعت الزوجة هذا الكلام لأول مرة، ما زاد من شدة غضبها من حماتها، فدبت بينهما الخلافات بشكل غير مسبوق، حتى وصلت الأمور بينهما إلى حد القطيعة النهائية رغم تواجدهما في منزل واحد. مر عام كامل على تواجد الزوج خارج البلاد كانت العلاقة بين زوجة الابن وحماتها شبه منقطعة، الكلام والتعامل في أضيق الحدود فقط وكأنهما غرباء، حتى أخبر الزوج زوجته بعودته إلى أرض الوطن في اجازة سريعة لبضعة أيام لإنهاء بعض الأمور المتعلقة بعمله ثم العودة مرة أخرى وفي هذه المرة يصحبها معه برفقة طفلهما الصغير.
كانت فرحة الزوجة كبيرة، صعدت لشقة والدة زوجها أبلغتها بهذا الخبر السعيد كانت تظن أن هذا الخبر كفيل بإعادة المياه لمجاريها بينهما لكن خاب ظنها، حيث قابلتها حماتها بفتور شديد، ثم قامت بطردها من المنزل وصبت غضبها عليها مؤكدة لها أنها لا تستحق أن تكون زوجة نجلها الوحيد.
ارتفعت الأصوات، ووقعت مشادة عنيفة بين الطرفين تطورت إلى مشاجرة قامت على إثرها الزوجة بدفع حماتها من الشرفة لتسقط على الفور جثة هامدة.
فوجئ الأهالي بصوت الارتطام القوي، هرول الجميع على مصدر الصوت، كانت المفاجأة جارتهم المسنة مسجاه على الأرض غارقة في دمائها. حاول الأهالي نقلها بسرعة إلى مستشفى العاصمة في محاولة منهم لإسعافها لكن دون جدوى حيث أكد الأطباء أنها فارقت الحياة فور سقوطها إذ لم يتحمل جسمها شدة الصدمة وقوة الارتطام.
على الجانب الآخر شاهد الجيران زوجة الابن تخرج مسرعة من منزل حماتها تحاول الهرب وهي في حالة يرثى لها، تم التحفظ عليها واستدعاء رجال شرطة العاصمة، وعند سؤال الزوجة عن أسباب سقوط حماتها من الشرفة، أكدت أنها لا تعلم شيئًا عن هذا الأمر وفوجئت بهذا الخبر مثل غيرها بل ورجحت أن تكون حماتها أصيبت بدوار واختل توازنها، ما تسبب في سقوطها بهذا الشكل.
كان كلام الزوجة متناقضًا وغريبًا بالإضافة إلى أن الشهود جميعًا أكدوا أنهم شاهدوا زوجة الابن تخرج من شقة حماتها في حالة ارتباك شديدة، بما يؤكد أن هناك شبهة جنائية في الحادث.
تم التحفظ على الزوجة لحين استكمال التحقيقات الجارية معها وانتظار تقرير الطب الشرعي، الذي أثبت لاحقاً وجود خدوش وجروح في جثة المجني عليها سبقت سقوطها من الشرفة، وبالحصول على عينة من أظافر المتهمة ومطابقتها بالخدوش على جثة المجني عليها تبين تطابقها، بما يؤكد ضلوع زوجة الابن في سقوط السيدة المسنة بطريقة أو بأخرى.
تمت محاصرة الزوجة الشابة بالأسئلة والأدلة والقرائن وكلام الجيران وشهود العيان، فلم تتمكن من الإنكار وقدمت اعترافات تفصيلية لكل ما حدث، مشيرة في اعترافاتها إلى أنها لم تكن تقصد كل ما حدث، مؤكدة أنها كانت في حالة دفاع شرعي عن النفس بعد قيام حماتها بصفعها على وجهها بقوة بعد مشادة كلامية عنيفة بينهما تطورت إلى مشاجرة، ما أجبرها على دفعها بقوة دفاعًا عن نفسها ومن ثم فوجئت بسقوطها بهذا الشكل.
تمت إحالة المتهمة إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسها 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معها، تمهيدًا وإحالتها إلى محكمة جنايات القاهرة للنظر في أمرها.