يسرد الجناح المغربي تاريخ وتراث المملكة المغربية وحاضرها ومستقبلها، ويحاكي معالم المغرب وحكاياتها الملهمة وشوارعها ودروبها وفناء «وسط الدار»، أو ساحة البيت.
فالتحفة المعمارية للجناح، التي صممّها المهندس المعماري المغربي طارق والعلو، تتوسط منطقة الفرص في «إكسبو 2020 دبي» على شكل قرية ترابية عمودية عبر استلهام تقنيات البناء القديمة من الطين والخشب، مع استخدام التكنولوجيا الحديثة في قاعات الجناح المختلفة، على إيقاع عناصر مشهدية عابقة بالإنجازات.
قاعة «قابل سلفك»
يضفي الجناح ألقه على «إكسبو 2020 دبي» حيث يعتبر أحد المباني التي لن يتم تفكيكها بعد ختام الحدث ويتمايز بأصالته وحداثته، إذ قدم صورة بلد راسخ في تقاليده وعاداته وتراثه، وفي الوقت نفسه يتطلع إلى المستقبل بحب وحماسة: ثلاث عشرة قاعة على امتداد سبعة طوابق والجناح الأعلى ارتفاعا بـ33 مترا في إكسبو، كلها عناصر جمعت بين الموقع وما تحويه تلك القاعات من الموروث المغربي وإنجازات الحاضر واستشراف المستقبل لجهة رصد الفرص المستقبلية، مع إيقاع البرمجة الدائمة من أنشطة ثقافية، فنية، اقتصادية وعلمية للتعريف بالرؤية المغربية.
يواكب الدخول إلى الجناح عرضاً حياً عن الرحلة في جناح المغرب يتناول صور وملامح عابقة بالأصالة تختصر رؤية المشاركة المغربية في الحدث العالمي. في هذه البقعة الشاسعة لا يتحرك الزائر فقط، إنما يتحرك التاريخ أيضاً حيث ملامح الوجود الإنساني وتنوع الحضارات والتجارب.
تنفض قاعة «قابل سلفك» الغبار عن أقدم آثار معروفة للإنسان العاقل (هومو سابينس) في موقع جبل إيغود، وأدى هذا الاكتشاف، كما دوّن في اللوحة، إلى مراجعة عمر الإنسان العاقل بزيادة 100000 سنة عن عمره المعروف حتى ذلك الوقت، ويعرض جمجمة إنسان عاقل (نسخة طبق الأصل) عاش في المغرب قبل 315 ألف سنة.
تاريخ شجرة الأركانة
نقف أيضاً عند رحلة المستكشفين المغاربة، حيث شكل هؤلاء «صلة الوصل بين المغرب والعالم» كما دونّ القيمون على الجناح، وهؤلاء المستكشفون هم الرحالة ابن بطوطة المعروف برحلاته المكوكية والملقّب بـ«أمير الرحالة المسلمين» وتدوينه تفاصيل تلك الرحلات، والرحالة حسن الوزان الملقّب بـ«ليون الإفريقي»، وشريف الإدريسي وهو من مؤسسي علم الجغرافيا.
كل تاريخ المغرب وحاضره ترصده في«إكسبو 2020 دبي»، دون إغفال المستقبل، من قاعة «نواة الحياة» إلى قاعة «إطلاق الطاقات» وقاعة «الفن المغربي الحديث» والتي ترصد تطور الاهتمامات الجمالية والفكرية للفنانين المغاربة بألوان تشكيلية مختلفة، إلى قاعة حكايات أركان التي تروي تاريخ شجرة الأركانة، التي يتميز بها المغرب في الصويرة وأغادير وتفراوت دون سائر بلاد العالم، برمزيتها التاريخية بكونها «شعاراً متميزاً لتراث طبيعي وثقافي منقطع النظير»، حيث إنها «تنتج زيت الأرجان وتمتّص ثنائي أكسيد الكربون وتكافح التصحر وتشجع عمل المرأة وتوفر نموذجاً زراعياً مستداماً» كما يشير شرح اللوحة.
قاعة "قوة النباتات"
تتماهى حكايات الأرجان مع «قوة النباتات» حيث خصصت قاعة تجسد تنوع وثراء البيئة المغربية بأكثر من 4200 نوع من النباتات، بينها 600 نوع يستخدم لأغراض طبية أو عطرية ومنها النعناع، الحريشة، لسان الثور، الكراوية، لحية الشيخ، مرارة الحنش، البلوط الأخضر، اللويزة، حب الرشاد الخبيزة، الدغموس وغيرها. من خلال التجوال في الجناح، تحضر كل روائح المغرب وتفاصيله.
تحضر مراكش، المدينة الحمراء وعاصمة المرابطين، وأصداء صوت يوسف بن تاشفين وهو يعطي أوامره للبنائين بإقامة المدينة بالحجر الرملي الأحمر، وفي قلبها ساحة الفنا، التي تعد اليوم أكثر الساحات التراثية والسياحية ازدحاماً في إفريقيا ومن أكثرها تنوعاً في العالم، المساجد الأندلسية، القصور العريقة، المزارعون الأمازيغيون وأدواتهم التاريخية، ومُنافِسة فاس، عاصمة الدولة الإدريسية بالمغرب، حيثُ مرَّ الأمويون من الأندلس والفاطميون من مصر، متسابقين على حُكمها والسيطرة عليها.
موروث للمستقبل.. من الأصول الملهمة إلى التنمية المستدامة
لا يكتفي الجناح المغربي بالاحتفاء بالتاريخ فحسب، وإنما يُبشر بالمستقبل، وينتظره، ويرنو إليه بعين التحفز والعمل، يتبدى ذلك من العنوان الذي اختاره الجناح شعاراً له (موروث للمستقبل.. من الأصول الملهمة إلى التنمية المستدامة)، معتمداً على ثلاث ركائز تشكل الهوية الخاصة به، هي التزام المملكة من أجل مستقبل كوكب الأرض، وإظهار ثراء المغرب كبلدٍ عامرٍ بالكفاءات البشرية والكوادر العلمية المتخصصة، ودينامية التطور التي يعيشها المغرب حالياً.
في جناح المغرب، بواباتٌ شبيهةٌ ببوابات المدن الكبرى على أراضيه الشاسعة، ومدنه العريقة: طنجة وفاس ومكناس والرباط وتفراوت والدار البيضاء، غير أن العابر من أسفلها لا يعبر وحيداً، وإنما تجاوره تواريخُ عديدةٌ تعبر معه، على صهوات خيول فتوحات وغزوات وبناء مدن ونشر علوم وحضارة في أوروبا وإفريقيا، تعاود العبور الآن إلى المستقبل في« إكسبو 2020 دبي».
*تصوير: السيد رمضان
هل زرت جناج المغرب في « إكسبو 2020 دبي»؟