أستريد ليندجرين
هي واحدة من أشهر الكاتبات في السويد، وفي العالم. بيعت من ترجمات رواياتها 145 مليون نسخة. أي أننا لو صففنا تلك النسخ واحدة فوق الأخرى لحصلنا على جدار يشابه جدار الصين العظيم. ولهذا فإن بلدها يستعد في نهاية هذا الشهر للاحتفاء بالذكرى العاشرة لرحيلها.
قيمة هذه الإنسانة لا تكمن في كتاباتها ورواياتها فحسب بل في أنها كانت الصوت الأعلى في الدفاع عن الأطفال ضد العنف. وعندما أقول العنف فإنني لا أقصد ذلك الذي يمكن أن يتعرض له الصغار في الشارع أو من رفاق المدرسة بل العنف المنزلي. أي تلك الضربات واللكمات والصفعات التي تأتي من الوالدين، ومن الأم تحديداً.
تتعرض الزوجة للقمع والأشغال الشاقة والضائقة المادية وسوء المعاملة فلا تجد تنفيساً إلا في جسد فلذة كبدها.
وهناك من ترى في الطفل قيداً يحرمها من هجر منزل الزوجية والفرار من العذاب الذي تلقاه من شريك الحياة.
لكن أستريد ليندجرين تؤكد أن هناك أمهات يقسون على أبنائهن بدون سبب، لنزعة مريضة في أنفسهن، أو لأن المجتمعات المحافظة توصي بتقويم الولد والبنت من خلال الضرب، لكي يكبرا طائعين ملتزمين بالأخلاق الحميدة.
كانت السويد أول بلد في العالم يسنّ تشريعات تجرّم إساءة معاملة الأطفال. حدث ذلك قبل سنوات، يوم وقفت أستريد تلقي خطاباً أمام اجتماع للسياسيين والحقوقيين علماء الاجتماع. قالت إن هناك والدة طلبت من صغيرها أن يهب إلى الحديقة ويعود بعصا لكي تضربه بها. خرج الولد وعاد ليقول لأمه «لم أعثر على عصا أو غصن مكسور يا أمي... وجدت حجراً ويمكنك أن تضربيني به». وكانت تلك واقعة حقيقية.
بكى المستمعون، رجالاً ونساء، وصوتوا مع تجريم العنف ضد الطفولة. وخلال ذلك واصلت أستريد ليندجرين تأليف كتب الأطفال والسيناريوهات وأشهرها سلسلة كتب «جوارب بيبي الطويلة» و«أطفال بولرباي الستة». كانت قد نشأت في بيت يحب القراءة. وتلك نعمة لا يعرفها إلا من جربها. فالكتب هي المدرسة الحقيقية للكثيرين من الذين تفوقوا في مجالات العمل، سواء الأدبية منها أو العلمية.
في صباها أرادت أن تشتغل صحفية، كانت تلك أقصى أمنياتها، لكن مطالعة القصص الخيالية فتحت أمامها آفاقاً سحرية. بدأت تكتب قصصاً من وحي خيالها وتعرضها على معلمتها في المدرسة. وبدل أن تنهرها المعلمة وتطلب منها الاهتمام بدروسها فإنها شجعتها وكانت تقرأ قصصها بصوت عال على تلميذات الصف.
عند إنهاء دراستها عملت مصححة لغوية في الصحف. تزوجت وصارت أماً. وحدث أن أصيبت ابنتها بالتهاب الرئة وهي في سن السابعة فراحت تلازم سريرها وترتجل لها الحكايات. وقد اخترعت لها شخصية بيبي ذات الجوارب الطويلة. ثم فكرت أن حكاياتها قد تثير اهتمام أطفال آخرين، فقررت أن تطرق أبواب دور النشر وهي تقترب من الأربعين. والمثل يقول «أن تصل متأخراً خير من ألا تصل مطلقاً».
وقوبلت نصوصها بالرفض عدة مرات. ثم شاركت في مسابقة أدبية وفازت. كان لابد للأبواب من تنفتح أمام إصرارها.
عاشت أستريد 95 عاماً. والصغار الذين يطالعون قصصها جيلاً بعد جيل يتعلمون مبادئ نبيلة، والاعتماد على النفس، والجرأة في اتخاذ القرار، وعدم التلكؤ في المساعدة. بل إنها، كما جاء في سيرتها، تشجع على شيء من التمرد الإيجابي. وكانت في كل مقابلاتها الصحفية تؤكد أنها لم تخترع شيئاً من رأسها بل كتبت عن طفولتها وأحلامها، وربما كوابيسها. إن هناك كوابيس وردية لا تزور سوى البشر الطيبين.