العبور إلى جناح فلسطين في «إكسبو 2020 دبي» هو عبور إلى القضية بكل تفاصيلها، عبور نحو رائحة القدس وبساتين البرتقال في يافا واستنشاق عبق المسجد الأقصى.
يستقبلك مبنى الجناح برسائله النابضة بحس الانتماء «كانت تسمى فلسطين...صارت تسمى فلسطين»، تعانق كلمات محمود درويش جدران الجناح من الخارج والتي تزينت واجهته بلوحات لزهرة المدائن وساحة الأقصى ومسجد القبة.
«فلسطين ترحب بكم»، عبارة استقبال لرواد الجناح بكل اللغات والذي سيّج مدخله بأشجار الزيتون على الجانبين، مع المزولة (الساعة الشمسية) المثبتة على بائكة المسجد القبلي أو البائكة الجنوبية، وهي المعروفة بالدقة في التوقيت والتوقيت هو توقيت القدس.
في زوايا الجناح بطابقيه يحضر كل تراث فلسطين بعبقه وأناقته وألقه كأنما الجناح يرافق مع الشاعر سميح القاسم مواكب الشمس وأغاني الدروب ويواكب ثنايا الروح العصية على الموت.
تروي التفاصيل رحلة في أزقة القدس العتيقة وحكايات بعض من فلسطين ومآذنها وكنائسها وفسيفسائها وجمالياتها عبر توظيف التقنيات الحديثة في تقريب ملامح فلسطين لرواد المكان.
وعلى وقع الأهازيح الفلسطينية والموسيقى المنسابة بين تفاصيل الجناح، تشرح إحدى المرشدات بالإنجليزية تاريخ فلسطين وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية «فالحجارة المستخدمة في الجناح استقدمت من القدس لتعطي رواد الجناح شعوراً أنهم في القدس»، تقول بينما تنساب بك الصور إلى شوارع القدس القديمة بحاراتها وأسواقها وبضائعها وصناعاتها ومنتجاتها الحرفية والتراثية.
يرتقي التصميم العمراني للجناح بالهوية الفلسطينية حيث بنيت بوابته من حجارة مدينة القدس وتحاكي زواياه الداخلية الحواس الخمس لمعايشة حارات فلسطين وأحيائها بالعين وتنسم عبقها التاريخي ولمس بعض الرموز الأصلية التي تم إحضارها من قبة الصخرة وأريحا ورام الله وغيرها كما تذوق المائدة الفلسطينية افتراضياً من على طاولة مستديرة إلى مواكبة الفولكلور الفلسطيني من أغاني وأهازيج وألوان الدبكة المختلفة.
الصعود إلى الطابق العلوي مغامرة أليفة حيث المصعد الكهربائي يقودك، عبر شاشة العرض، إلى أحد أجمل أبواب مدينة القدس القديمة، وهو باب العمود - المدخل الرئيسي نحو المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ، وتأخذك الشاشة إلى أسواق القدس وشوارعها ونشاطها التجاري.
بعدها، يأخذك فيلم قصير إلى طبيعة فلسطين وثقافتها ويومياتها «على هذه الأرض ما يستحق الحياة... على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمّى فلسطين.
صارت تسّمى فلسطين»، يتردّد صوت محمود درويش في أرجاء المكان ليكسر «هدير الصمت» وينبش في يوميات الجراح ويبني بالكلمات المدوية وطناً من أمل ونشيد.
تأسرك مرارة الحنظل في بعض المحطات مع غلبة الحنين ولكن لا بد للفرح أن يتسلّل في كل منطقة من زوايا الجناح.
تستمر الرحلة في فلسطين. تزهو اللوحات في الممر بين منطقتي التذوق والاستنشاق بوجوه فائضة الجمال تستقي من رائحة الأرض نضرتها وتزدان بتطريزات الثوب الفلسطيني وألوانه.
في منطقة العبق كما أرغب بتسميتها، ارتأى المنظمون تجسيد فلسطين قريبة حيث يمرر الزائر يده فوق المستشعر الأحمر وينحني بقامته لاستنشاق عبق الإناء. عند كل مستشعر، إناء ينضح برائحة الأرض، عبق البرتقال من يافا، زيت الزيتون، الزعتر، الريحان، الصابون النابلسي، الميرمية وحملتها وجوه ازدانت بالزي الفلسطيني وخيوطه المطرزة بالضوء.
قطعة ألمنيوم من قبة الصخرة
استقطبت منطقة اللمس العدد الأكبر من رواد الجناح. فهي تقرب صورة حياة الفلسطيني إلى الأذهان وتجعله على تماس مع يومياته وبيئته مع معايشة كاملة لأجواء فلسطين.
يقف كثيرون مطولاً أمام قطعة معدنية من الألمنيوم: هي جزء حقيقي من الكسوة المعدنية لقبة الصخرة، ومدعّمة بشهادة أصلية توثق أنه «بعد إزالة كافة صفائح الألمنيوم التي شكلت جزءاً من مبنى قبة الصخرة المشرفة في إعمار عام 1994 م. وتشهد مؤسسة التعدين الكهروكيماوي في مدينة رام الله – القدس بأن قطعة الألمنيوم، وتحمل رقم 0023، هي قطعة أصلية من قبة الصخرة المشرفة (المسجد الأقصى المبارك)».
كل تلك المعروضات مدونة تحت اسم «دولة فلسطين».
تقدم منطقة اللمس سيراميك الخليل بألوانه الساحرة والمشغولة بدقة متناهية. فهذه الصناعة التي عرفت فيها بلدة الخليل منذ أكثر من 400 عام هي حرفة أساسية ومصدر دخل للعديد من العائلات الفلسطينية.
الكثير من الصناعات حاضرة وجاهزة لمعايشة تجربة اللمس: قطع من الفسيفساء من أريحا ، تلمسها لتلمس تاريخ أريحا، أقدم مدن الأرض والمساهمة في الحضارة الإنسانية.
حجر أبيض من البحر الميت يطل على العديد من المنتجات الصناعية باستخدام عناصر الملح الرئيسة ومنها الصابون، الكريم، الأقنعة وغسول الجسم ومنتجات أخرى لعلاج العديد من الأمراض الجلدية والعناية بالبشرة.
في منطقة التذوق، يحضر المطبخ الفلسطيني وتحضر المائدة الافتراضية بأطباقها الأصيلة والأصلية وتقاليد طهيها البسيطة وزيت الزيتون والتوابل والزعتر وخبز الطابون والحلويات ذات الشهرة الكبيرة في عالمنا العربي ومنها الكنافة النابلسية والتمرية النابلسية والقطايف المحشوة بالجبنة العكاوية أو الجوز.
يستكمل الجناح رسالته عبر أفلام وثائقية تعرّف بتاريخ مدينة القدس والتاريخ الفلسطيني وخصص زاوية للمشغولات التقليدية والصناعات الخشبية من بيت لحم ومنتجات تراثية من عدة بلدات فلسطينية.