كانت الساعة الخامسة من فجر السابع من الشهر الماضي، عندما شبّ حريق في شقة فوزية، المهاجرة العربية المقيمة في ضاحية باريس الجنوبية. لم يكن زوجها نائماً في البيت، وهي قد هرعت إلى غرفة طفليها التوأم زايد وهاجر لتنقذهما من النيران. لكن الدخان أعماها واللهب أمسك بثيابها.
لم تفتح عينيها إلا وهي في قسم الطوارئ بالمستشفى. كانت تعاني حروقاً شديدة في كامل القسم العلوي من جسمها. ولم يكن جلدها وحده الذي احترق بل قلبها. لقد فقدت توأمها البالغ من العمر ستة أعوام.
والمصائب لا تأتي فرادى. خرجت فوزية من المستشفى لتجد نفسها في الشارع. لقد هجرها زوجها وضاعت منها شقتها. وهي شقة تقع في مبنى يفتقر لأبسط شروط الصحة والسلامة. وكان في مقدورها التقدم بشكوى ضد المالك والحصول على تعويض مجزٍ.
لكن دعواها مرفوضة لأن زوجها توقف عن دفع أقساط التأمين على الشقة.
كان على فوزية أن تنسى كل عمرها السابق وتبدأ من الصفر. هل يستطيع المرء نسيان عمره؟
لا أدري من الذي نصحها بإطلاق صرخة استغاثة عبر موقع إلكتروني متخصص في جمع التبرعات. كان الهدف جمع مبلغ يساعدها على إيجاد سقف يحميها والمضي في الحياة. إنها وسيلة لمساعدة العائلات الواقعة في ضائقة مالية. كما جرت العادة أن يلجأ إلى هذه الوسيلة الشباب الراغبون ببدء مشروع جديد. إنهم يوجهون رسالة يشرحون فيها تفاصيل المشروع ويطلبون العون من أي جهة كانت. هذا يدفع عشرة يوروات، وتلك تتبرع بثلاثة، إلى أن يتم جمع المبلغ المطلوب.
منعاً للاحتيال فإن الفلوس لا تذهب إلى طالبها مباشرة بل إلى الجهة التي تدير الموقع وهي التي تحولها إلى من يحتاجها بعد التأكد من وضعه. لكنها المرة الأولى التي يأتي فيها النداء من والدة ثكلى، لم تتعاف من حروقها بعد، وربما لن تعرف الشفاء التام بدون آثار. لذلك كان من الضروري تلبية حاجتها المالية الملحة لكي تتفرغ لعلاج إصاباتها.
غادرت فوزية المستشفى لتقيم بصورة مؤقتة لدى أقارب لها. وأمام حاجتها الملحة وظروفها الصحية وافقت المسؤولة عن الموقع الإلكتروني على استثناء السيدة المهاجرة من الإجراءات المتبعة وتحويل التبرعات إليها بدون تأخير.
إنها لا تملك ثياباً تسترها في الشتاء، والنار التهمت كل ما كان لديها. كما فقدت هاتفها ولم يعد لديها أي صورة من صور طفليها.
جرت العادة في فرنسا أن تتولى المدارس تصوير صفوف التلاميذ في بداية كل سنة دراسية.
يلبس الصغار أفضل ما لديهم ويأتي مصور محترف ليلتقط لهم صورة تذكارية. وبهذا فإن الطفلين زايد وشقيقته هاجر كانا حاضرين في صورة الصف التي جرى التقاطها قبل أسبوعين من الحريق. ولكم أن تتخيلوا فجيعة فوزية وهي تتسلم الصورة من إدارة المدرسة.
بعد أسبوعين من إطلاق النداء وصل المبلغ إلى ألف يورو. هل يسمح لها هذا باستئجار موضع قدم والاستمرار في جلسات التأهيل والعلاج؟ لقد كتبت تخاطبت المتبرعين: «أحتاجكم لتأمين إيجار الأشهر الأولى للشقة. بعد ذلك سأدخل دورة لتعلم رعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. أشعر أن هذه هي رسالتي في الحياة لإحياء ذكرى زايد وهاجر».