أن يسلب شخص ما أموال الموسرين لتوزيعها على المحتاجين يجعله «روبن هود»، ولكن ماذا لو كان يجمعها لهدف شخصي ينوي تحقيقه بعد عشرين عاماً؟
في الواقع لم يكن على روبن هود القرن الحادي والعشرين سلب الموسرين أموالهم، بل كان يأخذها برضاهم وامتنانهم ليجمع ما يزيد على السبعة ملايين دولار طوال عشرين عاماً بمجرد رسم ابتسامة لطيفة على وجهه، وعبارة صغيرة على لوحة بخط يده تخبر زوار حديقة الحيوانات في مدينة بريستول بالمملكة المتحدة بأنه عليهم دفع ثلاثة جنيهات رسم استخدام أي من الموقفين المخصصين للسيارات، أو المنطقة الإضافية في الأراضي العامة المخصصة للفعاليات الترفيهية.
منطقة المواقف الإضافية وحدها كانت تستوعب أكثر من 700 سيارة عندما تمتلئ المواقف الأصلية ويحتاج الأمر للعثور على المزيد منها ما يعني أن ما يجمعه من رسوم يفوق ما قد يحصل عليه موظف كراتب يومي لقاء عمله الإداري الشاق، ولم يخطر في بال أحد أن يكون محصل الرسوم نفسه، ليس موظفاً فعلياً بل هو روبن هود الباحث عن مصاريف تقاعده بذكاء وجرأة مذهلين.
لم يخطر في بال أي من زوار الحديقة يوماً سوى شكر الإدارة على تأمين مواقف سياراتهم، ولم يدر بخلد أحد أن يتساءل عما قد يجعل حديقة مزدحمة بالزوار طوال العام لا تفكر بوضع جهاز تحصيل النقود بدلاً من تعيين شخص يقوم وحده بهذا العمل المرهق طوال اليوم.
كان إجراء حكومياً معتاداً لم يبدُ كأمر يستحق القلق، أو يستدعي إيقاف محصل الرسوم الطيب للسؤال عن اسمه أو التحقق من هويته أو بطاقته الوظيفة لا من قبل إدارة الحديقة ولا أي من الزائرين، فمجرد وجوده يسهل على الجميع دفع الرسوم ويجنبهم ازدحام الطوابير على مدار العام.
ولم تقتصر خدمات «روبن هود» القرن الحادي والعشرين على تحصيل رسوم أصحاب السيارات، بل كان يساعد أصحاب الحانات بتوفير كميات هائلة يومياً من قطع النقد المعدنية لمساعدتهم في تشغيل الأجهزة التي يستخدمها رواد الحانات للعب والترفيه عن أنفسهم بدون الحاجة لزيارة المصارف.
أما كيف انكشفت حيلة «روبن هود» التي انطلت على المدينة بأكملها وعلى النظام الذي عجز عن التمييز ما بين الموظف الحكومي الحقيقي وما بين روبن هود المزيف ببزة أشغال صفراء وكأنه موظف بسيط لا حول له ولا قوة لمدة عشرين عاماً، فهي قصة أخرى!
غاب محصل رسوم مواقف السيارات الذي لم يتأخر ولم يغب عن موقعه يوماً تاركاً وراءه عبارة جديدة مكان الأولى المدموغة بقيمة رسوم تأجير المواقف تبلغهم بأن محصل رسوم المواقف قد تقاعد في إسبانيا للاستمتاع بما تبقى له من العمر! وبعد أن بحث أصحاب السيارات عن بديل لتسليمه الرسوم المفترضة، قامت حديقة الحيوانات في بريستول، والتي لم تكن مسؤولة عن تعيين أي موظف لذلك الغرض، بالاتصال بالمجلس المحلي لتفاجأ بردهم بأنهم لم يوظفوا أبداً أي شخص لتحصيل رسوم وقوف السيارات أمام مواقف الحديقة المملوكة لها بالكامل!
في الواقع، كانت مواقف السيارات في تلك المنطقة مجانية، لكنها كانت مصدراً لتمويل احتياجات محصل الرسوم المجهول طوال العشرين عاماً وتسهيل تقاعده في إسبانيا للاستمتاع بصرف ملايينه السبعة هناك.