أسرار في حياة الروائية آجاثا كريستي.. ملكة الألغاز البوليسية

أن ينجح كاتب مميز في أن تصبح رواياته الأكثر مبيعًا في فترة ما.. أمر وارد. لكن أن يصبح الأكثر مبيعًا و شعبية على الإطلاق مع مرور السنوات و اختلاف الأذواق.. فتلك المعجزة الحقيقية!!.. فهي المعجزة الأدبية التي حيّرت العالم بألغاز رواياتها و أسرار حياتها.
ولكن هل تعرف كل شيء عن آجاثا كريستي؟

علمت نفسها القراءة في عمر الخامسة

في 15 سبتمبر من عام 1890 وفي بيت من بيوت الطبقة المتوسطة العليا ، ولدت «آجاثا ماري كلاريسا» في مدينة توركواي الساحلية في انجلترا لأب أمريكي وأم إنجليزية، كانت أصغر إخوتها الثلاثة، وأكثرهم شغفًا بالخيال والمعرفة، في عمر الخامسة وجدت نفسها وحيدة بعد رحيل إخوتها للدراسة بعيدًا، فعلمت نفسها القراءة لتجد الصحبة في روايات وقصص إديث نسبيت ولويزا إم ألكوت، عالمها كان مغرقًا بالخيال والمعرفة، تخاطب أصدقاءها الخياليين وتتعلم الرقص و تتقمص الشخصيات مع مربيتها «ماري» و تعزف على البيانو باحتراف.

هذه الطفولة المثالية لم تستمر طويلاً فتلقت أولى صدمات حياتها وهي في عمر 11 سنة عندما توفي والدها تاركًا أمها مفجوعة ومثقلة بالديون والالتزامات، ليقررا معًا السفر بحثًا عن الدخل والعلم والأمل.

رحلاتها إلى مصر وتأثرها بها

آجاثا كريستي في فندق شبرد في مصر

أول زياراتها لمصر كانت عام 1910، صبية يانعة في السابعة عشرة من عمرها، نزلت في فندق «قصر الجزيرة العريق» أفخم فنادق مصر حينذاك، استهوتها حياة السهر والصخب و أغرمت بالحضارة الفرعونية و أسرارها المثيرة ومنها استمدت أحداث قصتها الأولى رومانسية الطابع Snow Upon the Desert. لكن وكما هي العادة مع أعظم الكتّاب في بداياتهم، رُفضت الرواية ولم تنشر أبدًا.
توالت زيارات آجاثا إلى مصر ، ومعها ولدت أهم شخصيات وأحداث رواياتها ، مثل قصة «مغامرة المقبرة الفرعونية» The Adventure of the Egyptian Tomb التي تحولت إلى فيلم سينمائي عُرض عام 1993 ، وقصة «جريمة في وادي النيل» والتي وصفها النقاد بالأكثر تعقيدًا و غموضًا.

زواجها الأول و حب لم يصمد

في عام 1912، حضرت آجاثا حفلاً راقصاً وهناك التقت آرتشي كريستي لأول مرة، كان طيارًا وسيمًا على وشك الالتحاق بسلاح الطيران الملكي. انجذبت على الفور إلى شخصيته القوية ، وأعجب هو بدهائها و غموضها.. لم يملكا المال حينها فانتظرا إلى عام 1914 بعد انتهاء الحرب ليتزوجا.. كانت حياتهما خلال سنوات الحرب غير مستقرة، هو يخدم مع كتيبته في فرنسا وهي متطوعة في مستشفى للصليب الأحمر في مدينة توركواي الانجليزية، يتقابلان كل بضعة أشهر بشكل غير منتظم ، واستمرت الحال حتى عام 1918 عندما نُقل آرتشي إلى مكتب الحرب في لندن، وقتها شعرت آجاثا أن حياتها الزوجية قد بدأت ، أو هكذا اعتقدت، لكن مع السنوات انطفأت شرارة الحب وبدأ آرتشي في انتقاد كتاباتها بل والاستهزاء بها وانشغل عنها بأصدقاء يشاركونه ولعه برياضة الجولف و بعشيقة تبادله نفس الاهتمامات. لم تتحمل آجاثا خيانته، وسئمت من الادعاء فقررت إسدال الستار وإنهاء فصل زواجها منه بحيلة درامية لا مثيل لها.

اختفاؤها الصادم لمدة 10 أيام

في ليلة الجمعة الثالث من ديسمبر عام 1926، قبلت الروائية الإنجليزية آجاثا كريستي بناتها قبلة قبل النوم وحملت حقيبة سفرها وتركت منزلها الواقع في بيركشاير. اختفت في ظروف غامضة كتلك التي تبتكرها في رواياتها، و لكن بحبكة أكثر غموضًا و براعةً. انتشر الخبر في الصحف والمجلات وتداول الناس الشائعات، هل قتلها حسها الفضولي؟ أين كان زوجها حينذاك؟ كل الشكوك كانت تصب في احتمالية وقوع جريمة، فقد عثرت الشرطة على سيارتها مدمرة و مصابيحها مضاءة في منطقة مهجورة بين الأدغال وبداخلها حقيبة سفرها ومعطفها المفضل.

فما الذي دفعها إلى خلق قصة اختفائها؟

مكان اختفاء آجاثا كريستي

القلب المحطم قد يدفع صاحبه إلى تخطي كل الحدود، ربما تبدو آجاثا قاسية وهي تنسج رواياتها البوليسية بمكر ودهاء لكنها في حقيقة الأمر كانت مرهفة الحس، لم تستطع تحمل خبر خيانة زوجها ومصارحته لها بذلك، كان الأمر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، خاصة أنها أعقبت وفاة والدتها وصديقتها المقربة «كلارا» بالتهاب الشعب الهوائية.

تشاجر الزوجان ليلة الاختفاء، أخبرها أنه سيذهب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عشيقته والأصدقاء فما كان منها إلا أن تلجأ لحيلها البوليسية وتقرر الاختفاء تاركة أدلة خيانته في كل مكان، فكانت تحرك الأحداث تمامًا كما لو كانت في إحدى رواياتها ، لتتجه أصابع الاتهام إلى زوجها و حبيبته وانقلب الرأي العام عليه وتم تقديم مكافأة لمن يجدها بل وصل الأمر إلى تجريف بحيرة Silent Pool بحثاً عن جثتها وطالب وزير الداخلية آنذاك ويليام جوينسون-هيكس الشرطة بالإسراع في العثور عليها حية أو ميتة.

بعد 10 أيام من القلق والحزن والترقب، اتصل بالشرطة نادل يعمل في فندق Hydropathic Hotel في مدينة هاروغيت الإنجليزية وأخبر الضباط بوجود نزيلة جنوب إفريقية اسمها «تيريزا نيل» مثيرة للشك ومظهرها لا يبدو طبيعيًا وبأنه يعتقد بأنها قد تكون آجاثا كريستي. ولكنها متنكرة.

أسرعت الشرطة إلى الفندق و معهم زوجها آرتشي، بحذر راقبوها من بعيد وهي تتخذ مقعدًا جانبيًا في قاعة الطعام وتتصفح إحدى الصحف التي تناولت لغز اختفائها ببرود وثبات وعندما اقترب منها زوجها ليواجهها أنكرت معرفتها به مستمرة في دورها بإتقان.

اعتقدت الشرطة وآرتشي أنها أصيبت بمرض أفقدها الذاكرة وجعلها تتقمص شخصية أخرى، في كل الأحوال انتهى زواجهما تمامًا بعد هذه الحادثة وتزوجت لاحقًا من عالم الآثار السير ماكس مالوان ، ويقال إنها رفضت تمامًا الحديث عن الأمر بعد ذلك تاركة التفسير محيرًا ومشوقًا ككتاباتها.

كرهت شخصية هيركيول بوارو

هيركيول بوارو ، محقق بلجيكي قصير القامة، بغيض الشكل، منظم وذكي ولا يخطئ أبداً إلى حد الاستفزاز، ابتكرته آجاثا كريستي ونصبته بطلاً في أربع وثلاثين رواية وأكثر من خمسين قصة قصيرة، لا حبًا فيه وإنما حفاظاً على نجاحه، أرادت بشدة أن يتوقف قلمها عن الكتابة عنه لكن مع كل قصة كان يزداد شهرة ونجاحًا فما كان منها إلا أن تقتله في الخفاء في رواية بعنوان «الستار» كتبتها عام 1945 وأخفتها في خزنة في حجرتها ولم تسمح بنشرها إلا عندما كانت على وشك الموت.

اللحظات الأخيرة في حياتها

رغم حياتها الملأى بالإثارة والألغاز.. رحلت آجاثا كريستي عن العالم بهدوء وسلام في يناير عام 1976 عن عمر يناهز 86 عامًا، تاركة إرثاً ثميناً من 6 روايات رومانسية باسم مستعار و 66 رواية بوليسية و14 مجموعة قصصية بالإضافة إلى أطول مسرحية في العالم «مصيدة الفئران».

ترجمت رواياتها إلى أكثر من 107 لغات و بيع منها أكثر من ملياري نسخة.

اقرأ أيضًا: أماكن ألهمت وأمرضت رائدة الكتابة النسوية "فيرجينيا وولف"