د. وديعة شريف: أطمح بتأسيس أكاديمية لتدريب طلبة الطب بطرق مبتكرة
كان لدعم والدها المستمر ورغبته في أن يكون أحد أبنائه طبيباً، الأثر في بلورة طريقها إلى مهنة الرحمة والإنسانية، فوضعت نصب عينيها تحقيق هذا الهدف، كي تكون مصدر فخر له، لتكلل مشوارها المهني، وتصبح أول طبيبة تمثل الدولة في اللجنة الامتحانية لدى المجلس العربي للاختصاصات الصحية – طب الأسرة التابعة لمجلس وزراء الصحة العرب في جامعة الدول العربية، ورئيس جمعية الإمارات الطبية لطب الأسرة.
هي الدكتورة وديعة شريف، مدير إدارة التعليم الطبي والأبحاث في هيئة الصحة بدبي، التقيناها لنلقي الضوء على بعض من مهام وظيفتها ونكشف عن جوانب من حياتها الشخصية:
تصوير: صلاح عمر
تتمتعين بشخصية مثابرة تبحث دوماً عن التميز في مجالها، فما مصدر إلهامك في الحياة؟
والدي هو مصدر إلهامي، فمنذ صغري وأنا متميزة في دراستي ويرجع الفضل في ذلك لدعمه اللامحدود وتشجيعه لي في أي شيء أتفوق فيه، فكان دائماً ما يقول لي «أنتِ فخري»، لذلك سعيت بكل عزم لأن أكون مصدر فخر له وأحقق أمنيته في أن يكون أحد أبنائه طبيباً، لا يعالج المرضى فقط ولكن ينقل المعرفة لطلبة الطب، فأنا أشعر بالفخر عند تخرج دفعة جديدة ودائماً أهدي هذا الإنجاز إلى والدي ووطني صاحب الفضل الأكبر عليّ.
نود استعراض المحطات العلمية التي بدأت منذ التخرج وحتى المنصب الحالي، وأهم مرحلة كانت بالنسبة لك تمثل نقلة حقيقية؟
بعد إتمام دراسة الطب والحصول على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة بكلية دبي الطبية للبنات، التحقت ببرنامج الامتياز لدى هيئة الصحة بدبي ومن ثم البرنامج التخصصي لطب الأسرة لمدة أربع سنوات، وحصلت خلال هذه الفترة على شهادة الزمالة البريطانية في الكلية الملكية البريطانية - مركز دبي - والتي تعادل درجة الماجستير وشهادة البورد العربي في تخصص طب الأسرة وتعادل درجة الدكتوراه، ثم سعيت جاهدة لنيل الشهادات العليا في ثلاثة مسارات مختلفة (المهنية التخصصية، والإدارية، والأكاديمية)، لأصبح بعد هذا المشوار الطويل أول طبيبة تحصل على شهادة الكلية الملكية البريطانية لدى الدولة في 2006، وأول طبيبة حاصلة على شهادة الزمالة البريطانية في تخصص طب الأسرة بالإمارات وكذلك ماجستير في إدارة التنظيم الصحي ودبلوم في الأبحاث الطبية، إضافة إلى دبلوم في صحة القلب والشرايين والجهاز التنفسي.
والحقيقة أنني لا أستطيع أن أخصص مرحلة بعينها كونها الأهم في مسيرتي العلمية، فأنا أبحث دوماً عن الاستزادة من المؤهلات، التي تواكب سياسة الاستراتيجية الجديدة لإدارة التعليم الطبي والأبحاث وبما يسهم في وضع اللبنة الأساسية لتخريج جيل متميز في جميع المجالات الطبية التخصصية، لضمان جودة الأداء وبما يخدم المجتمع بالصورة الأمثل.
في إدارة التعليم الطبي والأبحاث - تصوير: صلاح عمر
حدثينا عن طبيعة المهام الخاصة بمنصبك في إدارة التعليم الطبي والأبحاث.
تهدف هذه الإدارة إلى توفير فرص التعليم والتدريب المبتكرة لموظفي هيئة الصحة بدبي بشكل خاص، وجميع المهنيين الصحيين بشكل عام، والذي بدوره ينعكس على نوعية الخدمة التي تقدمها الهيئة، كما تسهم الإدارة بشكل فعّال في تمكين الباحثين من إجراء البحوث والدراسات الطبية، وتوفير ما يلزم لنشرها في أرقى المجلات المتخصصة العالمية وذلك بعد الانتهاء من تحليل نتائجها، وهو ما يعود بالفائدة على الهيئة وعلى المجتمع العلمي، إذ تسهم هذه النتائج في تطوير البروتوكولات العلاجية لبعض الأمراض وتساعد في اتخاذ القرارات التي تسهم في تطور صحة الفرد والمجتمع.
تتبنى هيئة الصحة استراتيجية نوعية للتعليم الطبي ممتدة حتى 2030، فما الأهداف التي تعتمد عليها ومدى الحاجة إليها؟
جاءت استراتيجية التعليم الطبي والأبحاث 2020- 2030، لتواكب المستجدات العالمية والمتطلبات المستقبلية، التي من شأنها زيادة كفاءة الكوادر الطبية، والطبية المساندة، وتكفل في الوقت نفسه تطبيق أفضل الممارسات وأعلى المعايير والأصول المهنية المتقدمة، وتعتمد على 6 أهداف تمثل توجهات هيئة الصحة المستقبلية، وتشمل:
- تحسين مستوى جودة الرعاية ومعدلات شفاء وسلامة المرضى
- الترابط بين المستشفيات والكليات الطبية لتحسين جودة التعليم
- دعم السياحة الصحية والتعليمية
- جعل دبي وجهة رائدة للتعليم الطبي والأبحاث
- تحقيق الاستدامة لمنظومة الرعاية الصحية
- تعزيز ثقافة الابتكار والبحث الطبي
صورة تذكارية تجمع أعضاء الكلية الملكية للطب العام
تسعى الهيئة إلى تشكيل نواة من علماء الطب المواطنين، هل تلمسون في هذا الملف تطوراً ملحوظاً، أم لا تزال هناك تخصصات تشتكي نقص المواطنين فيها؟
يهدف برنامج طب وعلوم لاستقطاب الطلبة المواطنين للالتحاق في مختلف التخصصات الطبية، والتمريض، والطب المساند، ودعم الكوادر الوطنية من خلال رعاية خريجي الثانوية العامة لتشجيعهم ودعمهم للانخراط في المجال الطبي، وهو يعد ضمن إحدى المبادرات الاستراتيجية التي أطلقتها هيئة الصحة بدبي في 2016 لزيادة نسبة التوطين في الكوادر الطبية، وقد بلغ عدد الطلبة الذين التحقوا ببرنامج الرعاية الدراسية منذ 2016 وحتى 2020، 272 طالباً وتم تخريج 59 طالباً بعد أن أتموا متطلبات البكالوريوس في تخصصات الطب والجراحة والتمريض والطب المساند، مع توفير فرص العمل لدى الهيئة.
أطلقت الهيئة التعلم والرعاية عبر الإنترنت في مكان العمل، وتعد الخدمة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، فما الذي تقدمه تلك الخدمة؟ وما أهميتها؟
قامت الهيئة بإنشاء منصة إلكترونية للتدريب (منار)، التي من شأنها تحويل الدورات التدريبية الطبية التقليدية إلى أخرى مبتكرة عبر الإنترنت، وتم إنشاء بوابة لتحميل ملفات الأبحاث الطبية لقسم البحوث الطبية، إضافة إلى تقديم خدمة الاختبارات المخصصة لكل برنامج تدريبي، وتوفير مرجع لجميع مقدمي الرعاية الصحية حول الفعاليات الطبية في الإمارة متضمنة برامج التدريب الطبي المستمر مما يسهل حصولهم على التدريبات المطلوبة لتقديم أفضل الخدمات حسب المعايير العالمية.
تعاملت هيئة الصحة بدبي بكفاءة عالية مع ملف فيروس «كورونا»، كيف ترصدين تلك التجربة ومسببات نجاحها؟
تم التعامل بكل احترافية مع ملف فيروس «كورونا»، من خلال استمرارية تقديم الخدمات الطبية التدريبية والتعليمية وضمان استيفائها لأرقى المعايير، كما تم التدقيق على دور الأبحاث في هذه الفترة للاستفادة قدر الإمكان من ناحية البحوث وبالأخص في الوضع الصحي الراهن، إذ تم اعتماد وإجراء 239 بحثاً علمياً حتى الآن تتضمن هذه الأبحاث مجالات التشخيص المبكر للفيروس، ودراسة أهم الأعراض التي تظهر على المصابين والمضاعفات التي حدثت لهم من أهمها الجلطات الدموية، كما توجد أبحاث تنصب حول العلاجات المتاحة وأهم الأدوية، التي تم استخدامها للمصابين، مما سيسهم مستقبلاً في فهم أكثر لهذا المرض ومشاركة هذه المعلومات على المستوى المحلي والدولي، كما ستسهم نتائج هذه الأبحاث في معرفة الدواء الأكثر فاعلية ودراسة الحالات التي تعافت من جرّاء استخدام هذه العلاجات، وأرى أن مسببات النجاح ترتكز حول تكاتف الأيدي، وعمل كل القطاعات الطبية كفريق واحد.
حصلت على العديد من الجوائز
حصلت على جوائز وتكريمات عدة، فما أهمها بالنسبة لك؟
تم تكريمي من داخل الدولة وخارجها ومنها كان فوزي بجائزة راشد للتفوق العلمي 2008، ونجم التميز في الرعاية الصحية الأولية 2011، وآخر نجاح لي كان في استقطاب مؤتمر ونكا الطبي العالمي الذي سوف يعقد في أبوظبي، حيث قمت بتمثيل الإمارات في اجتماع المجلس التنفيذي العالمي، الذي عقد مؤخراً في البرازيل، وينعقد المؤتمر لأول مرة خارج الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، كما أصبحت العضو الوحيد الذي يمثل الدولة في لجنة امتحانات المجلس العربي للاختصاصات الصحية بمجلس وزراء الصحة العرب، وكذلك أمثلها لدى الكلية الملكية البريطانية في لندن.
ماذا عن طموحاتك العلمية والعملية والشخصية وما الذي تأملين تحقيقه؟
أطمح بتأسيس أكاديمية تدريب طلبة الطب بطرق مبتكرة تعينهم على حب المهنة ومزاولتها بشغف، ليتمكنوا من نقل المعرفة الطبية للأجيال القادمة وتشجيعهم على دخول عالم الطب، الذي مهما تطورت الحياة في مجالاتها المختلفة تظل تلك هي المهنة الأساسية التي تلامس مشاعر الإنسانية، وتحافظ على جودة حياة الفرد والمجتمع.
بعيداً عن المجال الطبي، هل لك هوايات تمارسينها؟
أحب قراءة الكتب وخاصة التي تتضمن خلاصة تجارب الناس أو الكتب التي تساعد على تحليل الشخصيات، إذ حضرت دورات لتحليل وتقييم الشخصيات وحققت تلك الدورات والكتب الكثير من الفائدة لي في وظيفتي من حيث كيفية التعامل مع طلبة كليات الطب إلى سنة الامتياز ومن ثم في البرامج الطبية التخصصية (برامج الإقامة) وصولاً إلى برامج الزمالة، إذ تتطلب كل مرحلة مهارة في التعامل مع هذه الشخصيات الفذة لتمكينهم من الوصول إلى المرحلة التي تليها، ولا أخفي عليكم أن سعادتي تكاد تفوق سعادتهم في كل مرة تظهر نتائجهم بتفوق وحصولهم على الشهادات العليا.
كنت أول طبيبة تحصل على شهادة الكلية الملكية البريطانية لدى الدولة في 2006، وأول طبيبة حاصلة على شهادة الزمالة البريطانية في تخصص طب الأسرة بالإمارات