22 أغسطس 2021

إنعام كجه جي تكتب: المأذون الأطرش

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: المأذون الأطرش
العمدة جوليان كومبان

كان واحداً من تلك المراسم التقليدية التي تجري في دوائر البلديات الفرنسية لعقد قران الراغبين في الزواج. وقد حضر العريس والعروس والعرابون الشهود وحشد من الأهل والأصدقاء، كما حضر المستشار البلدي الذي يقوم بمقام العمدة، وهو بمثابة المأذون في مثل هذه المناسبات، أي أنه المخول بعقد القران.

وكان المأذون يرتدي وشاح الجمهورية المؤلف من ألوان العلم الفرنسي: الأزرق والأبيض والأحمر.

حدث عادي جرى قبل أيام المكان في المبنى القديم لبلدية مدينة «ماسي» القريبة من باريس. لكن ما هو غير عادي أن العمدة، واسمه جوليان كومبان، كان أصمّ، أي أطرش. كيف سيتولى إتمام المراسم وهو غير قادر على سماع العروس والعريس وهما يوافقان على العقد وينطقان بكلمة القبول «نعم»؟

تمت المراسم بالحركات، أي بإشارات بسيطة قام بها المأذون بأصابع يديه. كان يقارب ما بين الإبهام والسبابة لكي يدل على الزوج والزوجة. ثم يشبك كفيه لكي يشير إلى معنى الارتباط. وللاحتياط، حضرت مساعدة تتولى تفسير الإشارات للمحتفلين. لكن الجميع فهم المقصود بدون ترجمة، ولم يكن الزوجان يحتاجان لأكثر من ذلك. وهما ليسا أطرشين ولا أخرسين، ومع هذا لم يعترضا على الأمر بل فقد كانا في منتهى السعادة لأن شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة شاركهما فرحة العمر.

سيروي هذان العروسان، ذات يوم، لأولادهما وأحفادهما أن العمدة الذي كتب عقدهما كان أطرش. ومن يدري، فقد تختفي هذه الصفة في المستقبل، بفضل التقدم العلمي، وسيكون بمقدور الصمّ أن يسمعوا مثل غيرهم، بسماعات ترتبط بالأقمار الصناعية.

يبلغ العمدة من العمر 31 عاماً. جاء إلى الدنيا فاقداً السمع. ولم يمنعه ذلك من أن يكبر مثل الآخرين وأن يتعلم وينال الشهادات. وقد خاض معركة انتخابية لكي يفوز بمنصبه. وكان شعار حملته في الانتخابات «لتفتح كل الأبواب لذوي الاحتياجات الخاصة».

والحقيقة أن مسيرة جوليان كومبان تستحق التقدير، فقد أسس جمعية اسمها «نسمع بأعيننا»، هدفها تسهيل الحياة اليومية لأمثاله، أي للأشخاص الصمّ أو البكم. وقد اضطر للتنازل عن موقعه في رئاسة الجمعية لكي يخوض الانتخابات البلدية. فالقانون لا يسمح بالجمع بين منصبين.

لم يكن جوليان يتصور أنه سيخوض العمل السياسي ذات يوم. لكن كثيرين شجعوه على التقدم للانتخابات. أما هو فقد كان هاجسه الوحيد ألا يترشح باعتباره ممثلاً للمعاقين. أراد أن يجري اختياره لمؤهلاته، لا إشفاقاً عليه أو من باب التعاطف معه. لهذا قام بالدعاية لنفسه كشخص كامل اللياقة يمثل أقلية من الأقليات، دون أي إشارة إلى وضعه الصحي، ذلك أنه لم يعتبر نفسه ناقصاً في يوم من الأيام.

يعاني خمسة ملايين فرنسي من ضعف في السمع. لكن عدد المنتخبين الصمّ في المجالس البلدية لا يزيد على سبعة في عموم البلاد. وفيما يخص جوليان، فقد كان يمكنه الاستفادة من خدمات مترجم للغة الإشارة يساعده في أداء مهماته. لكنه رفض أن تتحمل البلدية أجور مترجم خاص له، في حين أن ميزانيتها هي لعموم أهالي المنطقة.

في اجتماعات العمل، وأثناء لقاءاته بناخبيه، لا يستغني جوليان عن لوح صغير يكتب عليه ما يريد قوله. بل أن هناك من الأهالي من تعود على لغة الإشارة لكي يتبادل معه الكلام وينقل له الطلبات بل ويروي له آخر نكتة. وسبحان الذي خلق الإعاقة ومعها وسائل تجاوزها.

 

مقالات ذات صلة