تعتبر الدكتورة منى آل علي، مديرة أكاديمية «بادري» الإلكترونية للمعرفة وبناء القدرات بالشارقة، وهي الذراع التعليمية لمؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة، أول إماراتية حاصلة على دكتوراه في الدراسات المتحفية، حيث تؤمن باستمرارية مسيرة التعليم.
في مسارها المهني، أثبتت د. آل علي جدارتها في إدارة أكاديمية تسعى إلى مواكبة احتياجات النساء في إمارة الشارقة، وفق رؤية واستراتيجية تقوم على توفير البرامج التدريبية والمعرفية التي تمكنهنّ من تحويل أفكارهنّ إلى مشاريع رائدة.
في حوارنا معها، نستطلع ملامح من مسيرتها الأكاديمية والمهنية، جوانب من شخصيتها، قراءاتها واهتماماتها وأنشطتها المشتركة مع أهلها وأفراد عائلتها:
تصوير السيد رمضان
كيف بدأت المسيرة ومن أين؟
أنا من إمارة أم القيوين ولكن مسيرة عملي تركزت في إمارة الشارقة حيث أشعر أني ابنة هذه الإمارة. استكملت المراحل التعليمية في المدارس الحكومية في أم القيوين، وأول انطلاقة لي خارج محيط الإمارة كانت في جامعة زايد بدبي وتخرجت ضمن الدفعة الثالثة بتخصص تربية - لغة إنجليزية. لم تتح لي فرصة وظيفية في العام نفسه، ونظراً لدرجاتي العالية تمّ ترشيحي من جامعة زايد لاستكمال الماجستير واخترت نيوزيلندا من بين عدّة خيارات لكوني زرتها في رحلة جامعية وشعرت بألفة مع المكان. درست لمدة سنتين وحصلت على دبلوم الدراسات العليا والماجستير في التربية من جامعة أوكلاند.
عند عودتي للدولة، حصلت على فرصة وظيفية في هيئة متاحف الشارقة كرئيس قسم بحوث المتاحف والزوار لدى الهيئة وانخرطت في دورة مع مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي وجامعة جون إف كينيدي «عن بعد» تركز اهتمام المؤسسة في الجانب الثقافي ومنها مجال المتاحف، وبعد أن أنهيت الدورة لمدة 6 أشهر، اقترحت عليّ المؤسسة استكمال دكتوراه في علوم المتاحف.
كان المجال جديداً وقصدت جامعة ليستر في المملكة المتحدة حيث حصلت، بعد أربع سنوات من الدراسة، على الدكتوراه في دراسات المتاحف، وقد اخترت هذا التخصص من باب تماسه مع عملي في إدارة المتاحف وتماهياً مع شروط المؤسسة أن أستكمل في مجال المتاحف مع غياب المختصين في هذا المجال بالدولة، وتركزت دراستي على دراسة زوار المتاحف ودراسة الحالة كانت عن متاحف إمارة الشارقة.
رحلة التعلم لا تنتهي والفرد يطوّر يومياً من ذاته. أنا لا أتعلم فقط من الكتب والدراسات، بل من الفريق في أكاديمية «بادري»
من مجال التعليم إلى علم المتاحف إلى مجال ريادة الأعمال، أخبرينا عن هذه النقلة برمتها؟
كانت صدفة. عملت في جامعة الشارقة كأستاذ مساعد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وآنذاك شعرت بحاجتي إلى التمكين في المجالين الإداري والقيادي رغم تمكني في مجالي المهني، ودخلت برنامج الشارقة للقادة لمدة 6 أشهر مع منتدى الشارقة للتطوير التابع لمؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين واخترت مشروع التخرج في مجال ريادة الأعمال حيث أنشأنا منصة أونلاين تساعد على ربط رواد الأعمال المبتدئين مع مقدمي الخدمات ولاقت استحساناً من قبل غرفة التجارة وصناعة الشارقة التي ارتأت تطبيق الفكرة، وكان الانتقال إلى أكاديمية «بادري» إثر تلمس تمكني في هذا المجال وخاصة أني أمتلك خلفية في مجال التربية والبحوث والدراسات.
كما أنّي دؤوبة على تطوير ذاتي وأرى أن رحلة التعلم لا تنتهي والفرد يطوّر يومياً من ذاته. أنا لا أتعلم فقط من الكتب والدراسات، بل من الفريق في أكاديمية «بادري».
ماذا عن دور أكاديمية «بادري»، وما الآفاق التي تستشرفينها خاصة أن برامجها تلقى نجاحاً عاماً بعد آخر؟
بدأت الأكاديمية عملها عام 2005 وتركزت الفكرة الأساسية على بناء جيل جديد من رائدات الأعمال ومن برنامج «جيل»، تمّ تأسيس الأكاديمية، وهو تحول واكب احتياجات النساء في إمارة الشارقة من مواطنات ومقيمات وتركز على رؤية تهدف لتطوير الأكاديمية وتحويلها إلى مركز رائد على مستوى العالم في توفير الموارد المعرفية والتعليمية والبرامج التدريبية وكيفية تنظيم الميزانيات مع افتقاد الدعم المادي من الأهل وتزويد النساء بمهارات القيادة واكتشاف مواهبهنّ الداخلية وصقلها لتكون المرأة مستقلة اقتصادياً وتفيد نفسها والإمارة ومجتمعها.
وتكمن الإشكالية بوجود رائدات أعمال لا يستكملن مشاريعهن في ظل غياب الشغف الداخلي حتى لو تلقت الدعم منا. فالمشاريع التي تستمر هي الأقرب إلى قلبي كونها رحلة نواكبها من أول المشوار ويكون الاستثمار فيها مجدياً ومثمراً.
تتوسط المشاركات في أحد برامج التمكين
وكيف تبلورين دورك في مجال ريادة الأعمال؟
دوري ينصب على كل المحاور، حيث أتولى الإشراف على تنفيذ عدد من البرامج والمبادرات إلى جانب منصات التعليم الإلكتروني المصممة لدعم وتعزيز المعارف النظرية والمهارات العملية لرائدات الأعمال وتوظيف طاقاتهن بالشكل الأجدى. لست برائدة أعمال ولكن أرغب أن أبدأ بمجال ريادة الأعمال ولو من وحي تخصصي لكي أشعر بتجارب الرائدات والصعوبات التي تواجههن ولا أرغب أن تبقى الأمور في السياق النظري.
فدور القائد يركز على العمل مع الناس وفق استراتيجية واضحة وقد تمّ وضع هذه الاستراتيجية بعد أن تلمسنا احتياجات الجمهور ومكامن التطوير وإثر نقاشات مع فريق العمل، كما أنّ دوري لا يغفل تطوير فريقي لتطوير برامج رائدات الأعمال حيث أسمع وأصغي ونطور من أفكارنا، مع فتح باب الحوار والنقاش ومحاولة التغيير للأفضل.
ماذا عن برنامج «بادري لريادة الأعمال 2021» الذي بوشر مؤخراً، وما هي آفاقه؟
هذا البرنامج كان متوافراً سابقاً ولكن تم تعديله وتطويره باستقطاب شراكات عالمية في مجال ريادة الأعمال والبدء مع رائدة الأعمال خطوة بخطوة في بداية المشوار وإتاحة الفرصة أمامها للنقاش مع الخبير المتخصص حول مشروعها وإفادتها بالمتطلبات. في هذا البرنامج، نحتضن رائدة الأعمال من كل الجوانب بحيث لا تحتاج إلى أي برنامج آخر للمباشرة بمشروعها. وتمّ إطلاق الدورة الأولى من برنامج «بادري لريادة الأعمال 2021» وفق منهج تعليمي شامل ومتكامل على مدى سـبعة أشهر لتحويل أفكارهنّ إلى مشاريع ريادية، ويتضمن البرنامج 6 مساقات تعليمية، و7 ورش عمل تطبيقية وزيارات ميدانية للمشاريع، إلى جانب الجلسات الفردية وتكون الحصص التعليمية «عن بُعد».
ومن شروط البرنامج أن تكون المنتسبة إماراتية أو مقيمة في الدولة، وألا يقل عمرها عن 21 عاماً، وأن تمتلك فكرة ريادية، على أن تلتزم بحضور البرنامج بأكمله افتراضياً والمشاركة في الزيارات الميدانية حضورياً، إلى جانب إجادتها للغة الإنجليزية. بدأ البرنامج دورته وهو يندرج ضمن العديد من المبادرات والبرامج، برعاية قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة.
أجد شغفي في التواصل مع الأفراد أفيدهم وأستفيد منهم لأن كل فرد يروي حكاية جديدة ونتعلم منه أشياء جديدة
عملت في الجانب الأكاديمي والجانب الميداني، ما الجانب الذي تنحازين له أكثر؟
صراحة، أحب عملي كوني أستثمر في الأفراد وبينهم المرأة ونتلمس تطورهم الشخصي والمهني وامتلاك أدوات واكتساب المعارف وتوفير الأرضية الصحيحة للانطلاق، إلى درجة الألفة بيني وبين المشاركات في برامج الأكاديمية، وهذا ما يستهويني في عملي وأحبه.
فعندما كنت أدرّس في الجامعة، الوقت الأفضل بالنسبة لي كان عندما أتواصل مع الطلاب وأكلمهم وأدرسهم. وعلى الرغم من أني متمكنة أكاديمياً وفي البحوث والدراسات، إلا أني أجد شغفي في التواصل مع الأفراد أفيدهم وأستفيد منهم لأن كل فرد يروي حكاية جديدة ونتعلم منه أشياء جديدة.
تخريج دفعة 2019 من رائدات الأعمال
كيف تقضي د. منى آل علي يومها، بعيداً عن العمل؟
أقضي يومي مع الوالدة وننظم مع إخوتي وأخواتي والأحفاد رحلات مشتركة إلى الإمارات الأخرى. نحن لا نصنع الرحلة بل نصنع الذكرى ونستثمرها لتمضية الوقت العائلي معاً وبالأخص أني عشت في الغربة أكثر من عشر سنوات بين نيوزيلندا وبريطانيا كنت فيها بعيدة عن أهلي إلى جانب عملي كمستشار لوزارة الدفاع في أبوظبي لعامين، حيث كنت مسؤولة عن تصميم وإدارة وحدات البحث في التاريخ العسكري ومشاريع المتاحف. فسنوات الغياب تلك دفعتني لاستثمار أي وقت للتواجد مع أفراد أسرتي وتعويض ما فات.
الغربة دليل طموح، ما الذي تعلمته من الغربة؟
سنوات الغربة علمتني أننا كنساء في مجتمعنا الإماراتي مدللّات (تضحك)، وتعلمت أن أي سيدة تتاح لها الفرصة أن تعيش في الغربة، يمكن لها أن تدير شؤونها وتكون مستقلة. فدولتنا داعمة لنا ولطموحاتنا، ولولا هذا الدعم لم أكن لأصل إلى أي مكان كوني من أسرة متوسطة واستطعت، بفضل الدعم، أن أعيش بمستوى أفضل بكثير من طلاب دول مختلفة كانوا يواجهون بعض الصعوبات. الغربة علمتني الاستقلالية واحترام الثقافات والأفكار المختلفة وزودتني بالكثير من التسامح حيث أحاول تفهم الآخر وعدم الحكم على الاختلافات. تعلمت الإصغاء ومحاولة التغيير عند أي فرصة متاحة.
تصوير السيد رمضان
ما هواياتك التي تمارسينها؟
أهوى القراءة. أحب الأدب العربي وكنت من قراء يوسف السباعي وتستهويني كتاباته وكتابات أحلام مستغانمي. ما زلت مواظبة على تلك العادة ولكن توجهي ينصّب على كتب مختصة بالإدارة وتطوير الذات والمهارات الشخصية ومجال تخصصي، ومنذ فترة عدت لقراءة الروايات واجتذبتني كتب الكاتبة التركية «إليف شافاك» والتي تزود المرء بآفاق بالغة الجمال. كما أحب أن أخرج للطبيعة والسير في الأماكن الجبلية والوديان مع صديقاتي أو ضمن مجموعات منظمة. وكلما أقترب من الطبيعة، أكون أكثر تحرراً من الضغط والتوتر، كما أحب التأمل واليوجا والسباحة وارتياد البحر وبالأخص أن أهل «أم القيوين» هم أهل بحر.