11 نوفمبر 2020

إنعام كجه جي تكتب: نوران أبو طالب طاردة الكوابيس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: نوران أبو طالب طاردة الكوابيس

استيقظت بعد كابوس. وكما يحدث في مثل هذه الحالات تنفست الصعداء لأنه كان حلماً مزعجاً وليس واقعاً أعيشه. لكن المرء يشعر بنوع من الانقباض عندما يسترجع ما يعلق بالذاكرة من تفاصيل الكابوس. وكما هي عادتي، وعادة مليارات البشر على وجه البسيطة، مددت يدي إلى هاتفي أتصفح ما وردني من رسائل ومنشورات وأخبار وصور. كانت أخبار «كورونا» الملعونة تتصدر النشرات. وزاد من ضيقي صورة لأسد منحوت عند مدخل مكتبة عامة في نيويورك وقد ألبسوه الكمامة.

هناك أسد يشبه ذلك الأسد، موضوع على منصة عالية وسط ساحة في باريس قريبة من بيتي. كلما مررت به تذكرت ذلك الثور المجنح الذي كان موجوداً ضمن الآثار الآشورية في مدينة أجدادي، الموصل. كنا في الرحلات المدرسية، من بعدها السفرات الجامعية، نقصد تلك الآثار ونمضي النهار في جنباتها. نمرح ونغني وندبك ونأكل ما أعدته لنا أيدي الأمهات. وجرت العادة أن نلتقط صوراً تذكارية ونحن نجلس تحت الأقدام العملاقة للثور المجنح. وما زلت أحتفظ بصورتي هناك تبدو وكأنها تعود لدهر من السنين. ثم جاءت «داعش» وخربت الموصل بعد خراب البصرة.

كان يمكن لنهاري أن يستمر عكراً. لولا أن الصديقة المرهفة أماني فؤاد نشرت في «فيسبوك» أغنية «الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية» تؤديها مغنية مصرية شابة تدعى نوران أبو طالب. ولا بأس من أن أعترف بجهلي بها. فأنا أحفظ الأغنية التي لحنها سيد درويش وغنتها كثيرات، أبرزهن السيدة فيروز وأميمة الخليل وفايا يونان. لكنني لم أسمع بنوران. أين غاب عني هذا الصوت الجميل وهذه الطلة النورانية؟
الحمد للذي يسر لنا العم «جوجل» نلجأ إليه في الملمات. بحثت عنها واستمعت إليها في أكثر من أغنية. وعرفت أن والدتها خريجة الكونسرفاتوار ومغنية أوبرا. وبهذا فإنها نشأت منذ نعومة أظفارها في بيت تردد جدرانه أصداء الموسيقى، وكبرت لتجد نفسها تغني بالفطرة. ولعلها كانت تدندن قبل أن تتعلم نطق الكلمات.

أزاحت نوران أبو طالب الموسيقى جانباً ودرست القانون وتخصصت في القانون الدولي. ثم وجدت نفسها تستعيد ما وضعته جانباً. تعود إلى عالم الفن والأنغام. هل فارقته حقاً لتعود إليه؟ ولعل من المفارقات أن تكون هناك آلة موسيقية شرقية اسمها القانون. قانون للقضايا والمرافعات وقانون للطرب.

شجعها زميلها عازف الجيتار سامر جورج على تجربة الغناء باحتراف، وشكل معها ومع عازفين آخرين فرقة موسيقية. بدأت تؤدي أغنيات الطرب اللطيف مثل بعض ألحان عبدالوهاب وأغنيات فيروز. ومن حفل إلى حفل عرفت خريجة الحقوق كيف تصنع لنفسها مساحة مميزة في غابة العرب الغنائية. هل أتجرأ وأعلن أن كل من هب ودب، وكل من هبت ودبت، يمكن أن يصبح مطرباً ومطربة في هذا الزمان؟

عثرت على أغنية جميلة لنوران يشاركها فيها «الكينج» محمد منير. وأنا أحب منير وقد أجريت معه واحدة من أوائل المقابلات الصحفية في مسيرته. لكنني لا أحب لقبه هذا. ليس في الفن ملوك وسلاطين وهضبات وقياصرة وأمراء طرب. الموهبة نعمة سماوية وليست عروشاً وسلالات ذات دماء زرقاء. يكفي أن تستمع إلى صوت مهذب مثل صوت نوران لتنسى الكوابيس والحروب و«كورونا» اللعينة وتستفتح «على باب الله يا صنايعية ويجعل صباحك صباح الخير يا اسطى عطية».
شكرًا للدكتورة أماني فؤاد ولكل صوت يجعل أيامنا تحتمل. باللهجة العراقية: يجعل أيامنا «تنجرع».

أغنية «الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية» غناء نوران أبو طالب