ما زالت المرأة في مجتمعاتنا عرضة للعنف سواء من الزوج أو الأب والشقيق. هذه الحقيقة لا يمكن رصدها ميدانياً في ظل التكتم الشديد في المحيط العائلي واعتبار هذا العنف «قضية داخلية» بين الزوجين، مع رفض «التدخل الخارجي». إذاً، يمكن تشبيه الأمر بـ «حرب باردة» تتشارك فيها أطراف عدة لتبرير منظومة العنف كأن من حق الزوج «تأديب زوجته» وحتى «كسر أضلعها» في ظل «تسيد» الصمت.
٥٢٪ من الحالات في مؤسسة "دبي لرعاية الأطفال والنساء" تندرج ضمن الإساءة الجسدية
تؤكد آمنة المطوع، مرشد نفسي في مؤسسة «دبي لرعاية الأطفال والنساء» أن التقرير النصف السنوي لعام 2019 يورد استقبال المؤسسة لـ 647 حالة خلال النصف الأول من العام الجاري بينها 75 حالة داخلية و572 حالة خارجية.
وفي هذا السياق، سجل العنف المنزلي بأشكاله 17 حالة داخلية لنساء معنفات (تم إيواؤهن داخل المؤسسة) سواء من قبل الأزواج والآباء إلى 316 حالة خارجية (خارج نطاق المؤسسة).
المطوع التي تشرف على الخدمات النفسية تتوقف عند أنواع الإساءات التي استقبلتها المؤسسة خلال النصف الأول من العام حيث «بلغت نسبة الإساءة الجسدية 52 % من مجموع الحالات وقدرت نسبة الإساءة المالية(الحرمان المالي وعدم الإنفاق على الأسرة وغيرها) بـ 53 %، وناهزت نسبة الإهمال والحرمان (غياب التواصل داخل المنزل، عدم إيلاء الاهتمام لمتطلبات الزوجة ) الـ 59%، في وقت سجلت الإساءة الجنسية الـ 6 % من مجموع الحالات وتجاوزت نسبة الإساءة اللفظية الـ 60 %.
وإن تنوعت حالات العنف الموجهة ضد المرأة التي استقبلتها المؤسسة، فإن الإساءة العاطفية لجهة شعور الضحية بالضيق والذل والقهر والعوز وحتى الشعور بعدم قيمتها، تصل إلى 100%.
إحدى الحالات وصلت إلى كسر في المفاصل واضطرت الضحية إلى إجراء عملية: «في هذه الحالة، لا بد من توفير علاج متكامل من طبي ونفسي وتوفير إيواء للضحية في حال استمرار تعرضها للخطر». فمؤشر الخطورة هو الذي يحدد نطاق حركة الضحية بين بقائها في المؤسسة أو عودتها إلى المعنف الذي يشكل «خطراً حقيقياً» في حال تعاطيه الكحوليات أو المخدرات، في حين أن مؤشر الخطورة الثاني يكمن في افتقاد المعنف مهارات إدارة الغضب حيث يحتاج لإخضاعه لجلسات تحكم في الغضب وتحسين آليات التواصل مع أنفسنا ومع الآخر. ويندرج مؤشر الخطورة الثالث تحت بند تاريخ الأب أو الزوج العنفي: «مثال على الحالة كأن يقوم المعنف بتكسير أغراض المنزل ولكن لا يعمد إلى ضرب الزوجة أو الأبناء ولكن ثمة احتمالية أن يتعرض لأسرته وبالتالي نقوم بوضع خطة سلامة للأفراد ونحصر الأفكار والأفعال التي تشعره بالغضب ونحاول لجم غضبه باتباع بعض الخطوات».
كيف يتعامل القانون الإماراتي مع العنف الجسدي الذي تتعرض له المرأة ؟
تؤكد الدكتورة منى كامل تركي، مستشار بحث علمي وعضو اللجنة العلمية بجمعية الاجتماعيين بالشارقة، أن «التشريعات المختلفة في الدولة خلت من القوانين الخاصة بالعنف الأسري»: «لا يعني ذلك أنه في حال الاعتداء على المرأة، لا توجد حماية للطرف المعتدى عليه. فالحماية متوافرة، إلا أنها متناثرة في القوانين، فإذا نظرنا إلى قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 والمعدل بموجب القانون رقم (34) لسنة 2005، والمعدل بموجب القانون رقم (7) لسنة 2016، والمعدل بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم(24) لسنة 2018، كلها قوانين تجرم معظم مظاهر الإساءة للشخص بشكل عام».
وتوضح: «فإذا فوجئ شخص بمشاهدة زوجته أو ابنته أو أخته حال تلبسها بجريمة الزنا فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً، يعاقب بالسجن المؤقت حسب المادة (334/ من قانون العقوبات)، ويعاقب بالحبس إذا اعتدى عليها أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة وفي نفس الوقت تعاقب الزوجة التي فوجئت بمشاهدة زوجها حال تلبسه بجريمة الزنا في مسكن الزوجية فقتلته في الحال أو قتلت من يزني بها أو قتلتهما معاً بالسجن المؤقت، وتعاقب بالحبس إذا اعتدت عليه أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر». تقف د.تركي عند كون «المشرع الاتحادي يعاقب من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أفضى إلى الموت دون أن يحدد شخصه أو جنسه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين بحسب المادة (336/ من قانون العقوبات) أما إذا وقع القتل مع الترصد أو مسبوقاً بإصرار، أو مقترناً أو مرتبطاً بجريمة أخرى، عد ذلك ظرفاً مشدداً وكذلك وقوع فعل الاعتداء من الجاني تحت تأثير حالة سكر أو تخدير اعتبره ظرفاً مشدداً، ومن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة وأفضى الاعتداء إلى عاهة مستديمة دون أن يقصد إحداثها، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وتكون عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات بحسب المادة (338/ من قانون العقوبات)، ومن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة وأفضى الاعتداء إلى مرضه أو عجزه عن أعماله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً يعاقب بالحبس وبالغرامة وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم».
وتضيف: «أما إذا لم تصل نتيجة الاعتداء إلى درجة الجسامة الشديدة وإذا نشأ عن الاعتداء على حبلى إجهاضاً، عد ذلك ظرفاً مشدداً بحسب المادة( 339/ من قانون العقوبات) ومعنى ذلك أن المشرع الاتحادي جرم معظم مظاهر الإساءة للشخص بشكل عام دون أن يحدد نوع الشخص سواء كان امرأة أو رجلاً»
هل أنت مع وضع قانون صريح يجرم جميع أشكال العنف الأسري في الإمارات؟