ارتقت تعاليم الإسلام بكل سلوك للإنسان، وضبطت تصرفاته بضوابط أخلاقية، في كل مكان يذهب إليه، أو يتردد عليه، حتى وهو داخل منزله، أو مقر عمله؛ لكي تظل علاقاته بكل من يتعامل معهم راقية ومتحضرة، ومحل قبول ورضا منهم.
لذلك وضع الإسلام آداباً للتزاور، والتردد على بيوت الأهل، والأصدقاء، والجيران، وغيرهم، لا يجوز التخلي عنها، أو إهمالها، حرصاً على حقوق أصحاب تلك البيوت، وخصوصياتهم.
والواقع أن حياتنا المعاصرة مملوءة بالتجاوزات والمخالفات الشرعية في التزاور والتردد على بيوت الآخرين.. لذلك لا تتوقف المشكلات والأزمات التي تحدث نتيجة هذه المخالفات، وآخر هذه المشكلات جريمة قتل شاب اقتحم منزل جاره من دون استئذان، وشاهد زوجته بملابس المنزل، ما أثار غضب زوجها؛ فاشتبك معه وأرداه قتيلاً بطعنة في البطن ليذهب هو الآخر إلى غياهب السجن، حتى يحسم القضاء عقوبته.
لذلك.. رجعنا إلى علماء الدين لكي نتعرف منهم إلى جملة المخالفات الشرعية التي يقع فيها البعض عند زيارة البيوت.. وهنا خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
منهج الإسلام.. تربية أخلاقية راقية
بداية، يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عناية الإسلام بالجانب السلوكي والأخلاقي للإنسان، في كل شأن من شؤون حياته، حتى ترقى سلوكاته، وتستقر علاقاته بالآخرين.. ويقول «اهتم الإسلام بالتربية الأخلاقية اهتماماً كبيراً، وهذا يظهر من خلال الأوامر الإلهية الواردة في القرآن الكريم، والتوجيهات والوصايا النبوية الكريمة، وهذه الأوامر والتوجيهات لا يستطيع الإنسان أن يعيش في أمان واستقرار بين الناس من دونها، ومن بينها آداب زيارة البيوت، وهي آداب تؤكد رقيّ الإسلام وتحضّره، واحترامه لخصوصيات الناس، وتقديره لحقوقهم داخل بيوتهم».
وعن أسباب كثرة التجاوزات السلوكية عند زيارة البيوت، يؤكد د. هاشم، أن غياب التربية الإسلامية السبب، وهذه مسؤولية مشتركة بين البيت، والمسجد، والمدرسة، ومما يؤسف له أن كثيراً من الآباء والأمهات لم يربّوا أولادهم على احترام خصوصيات الآخرين في بيوتهم، كما يرجع ذلك إلى تلاشي الثقافة الشرعية التي ينبغي أن يتسلح بها المسلم، مهما كانت اهتماماته.
دخول البيوت من دون استئذان.. تجاوز شرعي
أول التجاوزات الشرعية عند زيارة بيوت الآخرين، كما يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، هو دخول تلك البيوت من دون استئذان، ويبيّن «هذا السلوك، للأسف، نراه شائعاً بين الأهل، والأقارب، والأصدقاء، وقد يوجد بين الجيران، وهو سلوك يتنافى مع أبسط القيم الإنسانية، التي تؤكد احترام خصوصية الآخرين داخل منازلهم، ونظراً لما في هذا السلوك من عدوان على الخصوصية جاء نهي القرآن الكريم عنه واضحاً وحاسماً، حيث يقول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم».. فهذه الآيات الكريمة توضح لنا كيف يبدأ المسلم زيارته لأسر الآخرين، وتضع جملة من الآداب والسلوكات الراقية التي تصون الأعراض، وتهذب النفوس، وتحفظ للبيوت أسرارها.. وبناء على هذا النص القرآني لا يجوز شرعاً، مفاجأة أحد بزيارة، حتى ولو كان من الأهل والأقارب».
قبل الاستئذان.. السلام على أهل الدار
حول معنى قوله تعالى «لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم»، يوضح د. زغلول النجار:
عبارة مكروهة شرعاً عند طرق الأبواب
لا «عشم» في اقتحام حرمة البيوت
ويعود د. هاشم ليوضح أن بعض الناس يقتحمون حرمة البيوت، ويدخلون من دون سلام، أو استئذان، بحكم العشم، والقرابة، أو الجيرة، ولكن هذا السلوك مخالف لتعاليم الشرع، لما يحتوى عليه من أضرار نفسية لأهل البيت الذين لم يستعدوا، ولم يؤهلوا أنفسهم لاستقبال ضيوف، وقد يترتب على الزيارة المفاجئة كشف عورات، وجرح مشاعر، والاطّلاع على أسرار لا يحق لأحد الاطلاع عليها، فأهل البيت لابد أن يكونوا على علم بالزيارة ومستعدين لها، ويرحبون بمن يزورهم، ولابد أن تكون تلك الزيارة في الأوقات التي تناسبهم حتى ولو كانوا من الأهل والأقارب.
الاستئذان حتى داخل البيت
وهنا يشير د. هاشم إلى أدب وسلوك راقٍ يؤكد عليه الإسلام، وهو ضرورة الاستئذان داخل البيت الواحد، فلا يدخل الأبناء على آبائهم وأمهاتهم في غرف نومهم فجأة، ومن دون استئذان، ولا يدخلون عليهم غرفهم وقت راحتهم المعهودة، ولا يجلسون في مجلسهم إذا ما كانوا يتحدثون في شأن خاص بهم.
التزاور.. برغبة الطرفين
من جهته، يؤكد د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن التزاور بين الأسر مرغوب لتعميق مشاعر المودة والألفة بين الأسر، والعائلات، والأصدقاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، لكن هذه الزيارات لابد أن تكون برغبة من الطرفين، حيث لا يجوز أن تحرج صديقاً، أو جاراً، أو حتى أحد الأقارب وتزوره من دون رغبة منه، وعندما تقوم بتلك الزيارة ينبغي أن تلتزم بآدابها وأخلاقياتها.
أيضاً.. ينبغي ألا تستهدف الزيارة التعرف إلى أسرار البيوت، أو نقل ما يحدث بداخلها لآخرين، وهنا قال العلماء بضرورة (استحضار النيّة الصالحة عند الزيارة)، بمعنى أن يكون هدف الزيارة إنسانياً، وليس هدفاً آخر.
أوقات الزيارة المنهي عنها شرعاً
ويوضح د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ضرورة الابتعاد في الزيارة عن الأوقات المنهي عنها شرعاً، فالموعد المناسب للزيارة يحدده صاحب البيت، وليس الضيف، ويشرح «حتى داخل البيت الواحد، والأسرة الواحدة، لا ينبغي أن تقتحم خصوصية إنسان وتدخل عليه في وقت لا يرغبه، فالله سبحانه وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»، فهذه الآيات الكريمة تؤكد ضرورة استئذان الأقارب بعضهم على بعض، فالله تعالى يأمر المؤمنين بأن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم، خاصة في الأوقات المشار إليها لأنها وقت راحة في البيوت».
آداب زيارة البيوت
ويشدّد كل من د. محمد نبيل غنايم، و د. محمود الصاوي، على مجموعة من آداب الزيارة، وكما يلي:
اقرأ أيضاً: الأكل باليد أم بأدوات المائدة؟ وما هي آداب مائدة الطعام؟.. علماء الإسلام يجيبون